تعقيدات الحياة جعلته ثائراً حتى في موته.. محمد النجار مُنتحراً

بي دي ان |

20 أغسطس 2023 الساعة 03:15م

محامية
مقدمة: استشرت الأفكار الظلامية عقل الشاب محمد النجار، وتغلغلت الشكوك بين اختيار البقاء على قيد الحياة وهو ميت وبين الموت الذي قد يكون بالنسبة له هو الحياة الحقيقية، رغم أن أحلاهما مُر، وخبر موته شكل صدمة كبيرة خاصة بعد انتحار الناشط الحقوقي والسياسي يوسف النوري الذي أقدم على الموت نتيجة لظروفه الاقتصادية والنفسية الصعبة التي لم يُلقي لها بالاً من المحيط ! 

الرسالة التي حملت خبر الموت:

"مضطراً لمغادرة هذا العالم".. يبدو أن محمداً كان مُجبراً على الموت وليس مُخيراً، ومن يحلل الرسالة التي كتبها ، قد يقرأ بين السطور حجم الألم والمعاناة التي يحملهما على أكتافه وفي قلبه، ويبدو أنه يحب الحياة رغم أنها أنهتكه جسدياً ونفسياً واستنفذت كل طاقاته بعدما تعايش مع المرض والألم، إلا أن المرض لم يقبل التعايش معهُ، لذلك ذهب إلى الموت بأقدامه علهُ يكون رحمة له !

ما علاقة انتحار محمد النجار بكونهِ شاعراً؟

من المُثير للغرابة تصدر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية العنوان التالي:" انتحار الشاعر محمد النجار"، وهُنا يتبادر إلى ذهني سؤالاً حول ما إذا كان الانتحار مرتبطاً بفئة معينة من الشباب، وهل من المُعيب  والمشين انتحار الشباب المثقفين، وأن انتحار أيُ شاب لا يحمل لقباُ معيناً، أو ليس لهُ محلاً من الاعراب يمكن تناوله كالأخبار العادية أو اليومية ؟ وما يدلل على ذلك، بالأمس انتحر الشاب عبدالله جابر أبو طعمية ولم يتناوله الإعلام ومواقع التواصل بالطريقة التي تناولوا فيها خبر انتحار محمد النجار، فهل هناك شخص مهم يمكن الكتابة عنه والبكاء عليه واخر يتم اعتباره مجرد رقم يذكر في عداد الموتى ؟
لماذا اختار القنبلة بدلاً من الُسم؟
من الغريب أن أتناول كيفية أو طريقة الانتحار رغم أنهما يؤديان إلى الموت نفسه، ولكن لماذا لم يختار الموت الأسهل، أم أنه يحاول قتل المرض من خلال الانتقام منه بقتله عبر تفجيره بقنبلة تلتهمه كاملاً! يبدو أن تعقيدات الحياة جعلته ثائراً حتى في موته، أم أنه قاتلاً!
ومع ذلك أفضل من يُجيد الاجابة على هذا السؤال هم الأخصائيون النفسيون، لذا اترك سؤالي مفتوحاً لهم .

وباء الانتحار:

يبدو أن قطاع غزة في السنوات القليلة القادمة سيشهد تحولاً كبيراً في حالات الانتحار الفردية إلى وباء الانتحار الذي قد يعصف بالشباب اذا لم يتم معالجة الأسباب سريعاً فلا يمكن السيطرة عليهم، لأن علامات الانتحار في الغالب قد لا تكون ظاهرة على الشخص المقبل على الانتحار، أو عدم جدية العائلة أو المحيط  في التعامل مع الشخص الذي يعاني من آلامٍ نفسية ، أو صحية كالاكتئاب مثلاً والذي قد يتطور ليصل الى الانتحار.

من المسؤول؟

كل مُسببات الاقدام على الانتحار متواجدة في قطاع غزة، فهي بيئة خصبة جداً للانتحار نتيجة للظروف الاقتصادية والتحديات الجمة التي يواجهها الشباب جراء الانقسام الفلسطيني لأكثر من ستة عشر عاماً دون وجود حلول في الأفق والذي بدوره أدى إلى انتشار و ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب لتصل بحسب جهاز مركز الاحصاء الفلسطيني ل74% لسنة 2023، كما أظهرت نتائج مسح الظروف النفسية للعام 2022 والذي أجراه جهاز الاحصاء الفلسطيني بالتعاون مع البنك الدولي، والتي تشير لأن أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني مصاب بالاكتئاب، بواقع (71%) في قطاع غزة، و(50%) في الضفة الغربية، وهو مؤشر مُقلق للغاية يتطلب أخذه بعين الاعتبار، مع اعتباره أولوية للعمل على الأمراض النفسية.

في الختام: 

 لا يمكن تبرير الانتحار بأي صورة كانت، وعلى السلطات المختصة معالجة الأسباب التي تفضي إلى الموت الحتمي، فلا رغبة لنا في تحويل غزة إلى مجموعة من البؤساء إن عجزوا عن مواجهة الحياة، يلقون بأنفسهم إلى الموت وبالتالي أن تتحول غزة إلى مقبرة جماعية،  يعيش فيها حفنة من الساسة الفاسدين والعجزة منهم!