غزة على أعتاب نزوح جديد: الخوف يتصاعد والعائلات تبحث عن مأوى

بي دي ان |

18 أغسطس 2025 الساعة 12:21م

صورة من الحدث
في غزة، لا يُقاس الوقت بالساعات، بل بعدد الغارات الجوية، ولا تهدأ السماء ولا الأرض، بعد أن صادق الجيش الإسرائيلي رسميًا على خطة اجتياح بري شاملة لمدينة غزة، تصاعدت وتيرة الخوف وسط حالة ترقّب ثقيلة من دخول مرحلة جديدة من الحرب، مع ضربات أوسع في عمق القطاع.

نزوح يتكرر بلا نهاية

تحولت أحياء غزة إلى محطات مؤقتة للنجاة، حيث تتنقل العائلات بين بنايات مهددة وأخرى توصف بأنها "أقل خطرًا"، كثيرون لا ينتظرون إعلانًا رسميًا، بل يتحركون على وقع تجارب سابقة، في ظل استمرار القصف واستهداف المناطق السكنية، باحثين عن مأوى في الجنوب والوسط، أما آخرون، فبقيت الخيارات أمامهم محدودة أو منعدمة، ما يجعل احتمال نزوح جديد يخيّم بلا ضمانات.

قلق الأبوة لا يهدأ

أحمد الريفي، أب لستة أبناء وجدّ لأكثر من عشرين حفيدًا، يعيش منذ أيام على وقع القلق المتصاعد، يقول لـ "پي دي ان"  :"إن الخوف بدأ يتسلل إليه منذ لحظة إعلان الاحتلال عن خطة الاجتياح، وازداد مع تداول الأنباء وتناقل العائلات للأحاديث عن "النزوح القادم"."

عاش الريفي تجربة النزوح سابقًا ويصفها بـ"الموجعة"، لكن ما يثقل قلبه هذه المرة أن عائلته كبيرة، وتضم أطفالًا ونساءً وأشخاصًا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يجعل التحرك أصعب، حاول استباق الأحداث بحجز مكان آمن، لكن الأسعار المرتفعة ونقص المساحات جعل الأمر شبه مستحيل.

بصوت يغلبه الهمّ، يهمس: "بتمنى ما يصير اجتياح... بس إذا صار لهم إشي، دمهم برقبة مين؟".

نعيم مصطفى، أب لخمسة أطفال من مدينة غزة، يتذكر مرارة نزوحه إلى خانيونس في بداية الحرب. يقول:
“اضطررنا إلى الانتقال جنوبًا، لكننا لم نجد مكانًا نلجأ إليه، فكان الخيار الوحيد أن نعيش في خيمة. ومع هدنة 19 يناير عدنا إلى بيوتنا، لكن مع تجدد الحديث عن اجتياح محتمل، سارعت هذه المرة لحجز شقة عند أقاربي. أحب غزة، لكن حياة أطفالي أغلى من أي مكان.”

صمود رغم الألم

على النقيض، ترفض وفاء الجمل، شابة من مخيم جباليا، فكرة النزوح مجددًا. تقول:
“بيتي ومخيّمي هما ملاذي. رغم القصف والجوع، اخترت البقاء. الرحيل يسهّل مخططات الاحتلال، وأنا أريد أن أتمسك بأرضي. إذا دُمّرت غزة بالكامل قد أخرج مؤقتًا، لكني لن أتخلى عنها.”

ترى الجمل أن المعاناة الأكبر تقع على الأطفال والنساء وكبار السن، وتصف أوضاع النازحين بأنها “قهر لا يُوصف”. وبرغم الضغوط العائلية، تعتبر بقاءها رسالة صمود ومقاومة.

العبء النفسي: تهديد موازٍ

تؤكد الأخصائية النفسية والاجتماعية إيناس كحيل أن تهديد الاجتياح البري يفرض ضغوطًا نفسية لا تقل خطرًا عن القصف ذاته. تقول:"القلق المستمر والاستعداد القهري لأي طارئ يضع العائلات تحت توتر دائم. كثيرون لم يتجاوزوا بعد صدمة النزوح الأول، وها هم يواجهون احتمال نزوح جديد دون ضمانات للأمان."

وتحذر كحيل من أن الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا نفسيًا، وهو ما قد يترك آثارًا طويلة الأمد على نموهم وسلوكهم، مشددة على أن الدعم النفسي بات ضرورة لا تقل عن الغذاء والدواء.

مستقبل غامض

في غزة، لا يبدأ النزوح عند ترتيب الحقائب، ولا ينتهي بالوصول إلى مكان أكثر أمنًا، إن وُجد. هو تجربة تتكرر مع كل تصعيد، تحمل معها الخوف ذاته والمرارة نفسها. وبين من يختار المغادرة بحثًا عن النجاة ومن يتمسك بالبقاء، يظل القلق مشتركًا والمستقبل غامضًا.

الغزيون يحاولون التماسك، لا لأنهم أقوياء دائمًا، بل لأنه لا خيار آخر أمامهم.