المساعدات والواقع الاجتماعي في غزة: أزمة إدارة لا أزمة أخلاق
بي دي ان |
10 يونيو 2025 الساعة 07:08م

في خضم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة نتيجة العدوان المتواصل والحصار المشدد، برزت ظاهرة التهجم على المساعدات الإنسانية والاستيلاء عليها سواء بدافع الجوع أو الفوضى أو الانتهازية. ورغم الجوانب السلبية التي صاحبت هذه الممارسات، فإن تضخيم الظاهرة إلى مستوى أكبر من حجمها الحقيقي لا يخدم سوى تشويه صورة مجتمع يعاني من الانهيار في كل مقومات الحياة الأساسية.
لقد تم تصوير بعض الحوادث المعزولة على أنها حالة عامة، ما أساء إلى سمعة العائلات والمجتمع الفلسطيني ككل، في حين أن الحقيقة تؤكد أن هذه الظاهرة، وإن كانت مؤسفة، إلا أنها مؤقتة ومحدودة، وكان من الممكن معالجتها جذريًا في غضون ثلاثة أيام فقط لو تم انتظام دخول المساعدات الإنسانية بشكل شفاف ومنظَّم ومنضبط.
إن جوهر المشكلة لا يكمن فقط في تصرفات بعض الأفراد، بل في انعدام آلية واضحة ومنصفة لتوزيع المساعدات، وغياب التنسيق والمسؤولية، وترك الناس فريسة للعوز والقلق والفوضى. حينما يجوع الناس ويشعرون بالخذلان، تضعف قدرتهم على الانضباط وتبدأ الأخلاقيات بالتآكل، وهذه قاعدة اجتماعية لا يمكن تجاهلها.
المجتمع يئن من الممارسات غير الأخلاقية والتفكك الاجتماعي
المساعدات ليست سوى واجهة لأزمة أعمق تتغلغل في البنية الاجتماعية. فالممارسات غير الأخلاقية لا تقتصر على سرقة شاحنة أو الاعتداء على قافلة، بل تتجلى في ازدياد المشاكل العائلية والنزاعات الداخلية والانفلات الأخلاقي وتراجع دور الأسرة. نعيش اليوم حالة من الاحتباس المجتمعي، حيث أصبحت السلطة الأبوية ضعيفة، والروابط الأسرية متفككة، وغابت المرجعيات التي تضبط السلوك، سواء كانت عشائرية أو قانونية أو أخلاقية.
إن كثيرًا من الآباء باتوا عاجزين عن احتواء أسرهم أو توفير الحماية النفسية والاجتماعية لهم، ليس فقط بسبب الفقر، بل بسبب غياب الأفق، والعجز عن تلبية أبسط الاحتياجات، مما انعكس على سلوك الأبناء، وفتح المجال أمام الانحراف والانفجار الداخلي.
الأمن المجتمعي أولًا… وليس فقط حماية المساعدات
الرد على هذه الأزمة لا يكون بتشكيل قوة أمنية لحماية المساعدات فقط، بل يجب تشكيل قوة مجتمعية شاملة لحماية المواطنين، ومراقبة السلوكيات، واحتواء الانفلات، وحل مشاكل الناس الحقيقية. المطلوب هو بناء منظومة أمن اجتماعي تحفظ كرامة الإنسان قبل أن تحمي المواد التموينية، وتعمل على معالجة الجذور لا فقط المظاهر.
حماية الإنسان قبل أي شيء
في النهاية، لا يمكن اختزال الأزمة في "حماية المساعدات"، لأن الإنسان هو الهدف الأسمى. المطلوب اليوم هو حماية كرامة المواطن وسمعة العائلات والنسيج المجتمعي ككل. الحل لا يكمن في القمع، بل في التمكين. لا يكمن في الإدانة، بل في الفهم والمعالجة العادلة.