العراق والخروج من الازمة

بي دي ان |

03 سبتمبر 2022 الساعة 12:43ص

وصلت ازمة العراق الشقيق لحظة الانفجار الاسبوع الماضي مع اعلان رجل الدين السياسي مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية يوم الاثنين الماضي الموافق 25 اب / أغسطس الماضي، ثم اقتحام مناصريه مقر البرلمان وبعض القصور الرئاسية في المنطقة الخضراء، مما أدى للاصطدام مع قوات الحرس وحمايات المنطقة السيادية المركزية، ونجم عنها سقوط 23 شهيدا وعشرات الجرحى.
وعلى اثر تفاقم الأمور، ونتاج مراجعة لحسابات الربح والخسارة، وتقدير الموقف لموازين القوى الداخلية والاقليمية، والخشية من فقدان الرصيد السياسي والاجتماعي والطائفي تراجع الصدر عن مواصلة المواجهة، وطلب من أنصاره الانسحاب من المنطقة الخضراء. مما أدى الى تلاشي صوت الرصاص مع انكفاء المسلحين عن خنادق المواجهة. ولكن هذا الصمت لقعقعة السلاح وحروب الميليشيات والطوائف وامراء الحرب مؤقتا، ولا يمثل الحل. لان فتيل الاقتتال سيبقى قائما، وإمكانية اشتعال صاعق الانفجار واردا في كل لحظة قادمة.  
مع ذلك الازمة لم تبدأ مع اعلان رجل الدين الشيعي العربي عن مواقفه المتناقضة والمتسرعة، الذي يعتقد، ان المرجعية الشيعية للنجف، وفي النجف وكربلاء وليس في قم او طهران، والمتصادم مع انصار ايران السياسية والحزبية والميليشياوية. ولم تبدأ مع اعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في الثلث الأول من تشرين الأول / أكتوبر 2021، التي حاز فيها على اعلى حصة في المقاعد البرلمانية (73 من اصل 329 مقعدا). انما هي سابقة على ذلك بعقدين خلت، مع اجتياح العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في عام 2003، ودخول المعارضة بمختلف تلاوينها على ظهور الدبابات الأميركية. فضلا عن تسييد الولايات المتحدة انصار دولة ولاية الفقيه على المشهد السياسي، وخلطها الأوراق على الأساس الديني والطائفي والمذهبي والاثني، وتشريع ذلك بدستور جديد، وتبهيت دور ومكانة مقومات الدولة ومعها الأحزاب الوطنية والقومية والديمقراطية، وتفاقم الصراعات الدينية والطائفية والاثنية، وصعود النزعة العشائرية والقلبية والجهوية المناطقية كبديل للتناقضات الاجتماعية،  وانحراف بعض القوى الديمقراطية من تجار السياسة عن مرتكزاتهم الفكرية ومعاييرهم الاجتماعية، والأخلاقية وتشبيكهم مع تحالفات محلية وعربية وإقليمية ودولية لا تمت بصلة لمنطلقاتهم الفكرية السياسية.
مما ادخل العراق في دوامة من الفوضى والفلتان الأمني، وباتت الميليشيات الإيرانية والدينية والطائفية تتربع على عرش النظام السياسي، مما دفع بلاد الرافدين للانزلاق في اتون ازمة عميقة على مختلف الصعد والمستويات، وتفشى الفساد والنهب لثروات البلد، وسقطت الدولة العراقية برمتها، وليس النظام السياسي فقط في حالة من الضياع والفشل المريع، وفقد الشعب ابسط معايير الحياة الادمية من صحة وتعليم ومياه وطرق، وطغى الجوع والفقر والفاقة على المشهد كله.
وللخروج من الازمة المتفاقمة والمتصاعدة يحتاج العراق الى تغيير يستجيب لمصالح الشعب بكل طبقاته وفئاته وشرائحه ومكوناته الاجتماعية، ومن الخطوات الضرورية لذلك: أولا إعادة الاعتبار للدولة العراقية، كدولة مستقلة وذات سيادة كاملة غير منقوصة؛ ثانيا تصفية المرحلة السابقة وتبعاتها وتداعياتها بشكل كامل؛ ثالثا إعادة نظر جذرية بالعلاقة مع كل من الولايات المتحدة وجمهورية ايران؛ رابعا تصفية الميليشيات بكل تلاوينها ومسمياتها دون استثناء؛ خامسا إعادة الاعتبار للجيش والأجهزة الأمنية وفق المعايير الوطنية والقومية؛ سادسا إقامة نظام سياسي ديمقراطي يرتكز على التعددية الحقيقية بعيدا عن الاستئثار والاستلاب، وضمان التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وسيادة القانون؛ سابعا حماية ثروات العراق النفطية والمالية والاقتصادية عموما، ومحاربة الفساد، ومحاكمة كل رموزه؛ ثامنا إعادة نظر كاملة في علاقاته العربية والإقليمية والدولية بما يخدم تطور ونهوض الدولة والنظام السياسي على حد سواء؛ تاسعا احترام مكانة الأقليات الاثنية والدينية والطائفية، وتعزيز دولة المواطنة، وترسيخ مبدأ المساواة بين أبناء الشعب؛ عاشرا فصل الدين عن الدولة، وأيضا فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية عن بعضها البعض ... الخ
دون ذلك من الصعب ان لم يكن من المستحيل إعادة الاعتبار للعراق وسيادته ودوره ومكانته العربية والإقليمية والدولية، وسيبقى نهبا للصراعات العبثية، واسيرا لاملاءات القوى المأجورة داخليا وإقليميا ودوليا.