ديما بين فرنٍ يخفت وبوابة معبرٍ مغلقة.. حكاية الفرح المؤجل
بي دي ان |
03 يوليو 2025 الساعة 05:28م

غزة - خاص بي دي ان - منة الحنفي
في غزة، لا تصُنع الحياة كما في أي مكان آخر. هنا، تتوقف رائحة الخبز مع كل قصف، ويغيب طعم السكر كلما تأخرت الشاحنات. وفي قلب هذا الدمار، كانت ديما البحيصي تقُاوم بطريقتها الخاصة: تعُدّ الكب كيك ليكون رسالة فرح في زمن الموت.
لكن الأفران خمدت، والمقادير اختفت، وكأن الحرب لم تتركٍ في هذا المكان سوى الصمت، والجوع، وانتظار ثقيل خلف بوابات معبر مغلق منذ أكثر من أربعة أشهر.
ديما، المعروفة بلقب "الحلونجية"، فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، صنعت شهرتها في غزة من خلال مهارتها في صناعة الحلويات، رغم ظروف الحرب والحصار. كانت تصنع الكيك في فرن طيني بدائي، وتنقل صوانيه سيرًا على الأقدام وسط الدمار، مدفوعة بشغفها الكبير في إسعاد الناس.
لكن اليوم، توقفت يدها عن العجن، وصوت الفرن خفت، والمقادير لم تعد موجودة.
تقول ديما بأسى:"لا يوجد طحين، ولا سكر، ولا زبدة، ولا حتى فانيلا...حتى الغاز مقطوع من أشهر. أعتمد على فرن طيني كنت أشغله بالخشب، لكن حتى الخشب صار نادر، وتتساءل كيف أنُتج الحلوى والناس عاجزون عن تأمين الخبز؟"
تشهد غزة واحدة من أقسى الأزمات الغذائية في تاريخها المعاصر، إذ باتت المجاعة واقعًا يهدد مئات الآلاف من العائلات، في ظل الحصار المشدد، وانقطاع المعابر، وغياب الإمدادات.
وبحسب تقرير مشترك صادر عن برنامج الغذاء العالمي ومنظمة "أوتشا"، فإن أكثر من 50% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط المجاعة، مع تصنيف مناطق بأكملها ضمن المرحلة الخامسة من انعدام الأمن الغذائي، وهي المرحلة التي تعُرفّ رسميًا على أنها "مجاعة".
يشُار إلى أن المصانع توقفت، أغُلقت الأسواق، وتراجع الإنتاج إلى الصفر تقريبًا. وفي مثل هذا الواقع، لم يعد مشروع ديما قادرًا على الاستمرار، رغم الطلب الكبير على منتجاتها سابقًا.
توضح ديما:"الناس بتحب الحلو، بتحب تحتفل بأي مناسبة، حتى لو بسيطة... بس لما الناس ما تلاقي خبز، مين بده يشتري كيك؟
توقّف ديما المؤقت عن العمل لم يكن خيارًا، بل نتيجة قسرية لواقع مفروض على جميع الغزيين. ومع ذلك، لا تزال تحتفظ بحلمها القديم: أن تؤسس متجرها الخاص، وتحوّل موهبتها في صناعة الكب كيك إلى مشروع متكامل يدُخل الفرح إلى قلوب الناس، ويثُبت أن غزة، رغم الحصار، لا تزال قادرة على الحياة.
وتختم ديما برسالة أمل: "لن أفقد الشغف... أنتظر فتح المعبر، لا لأستأنف عملي فقط، بل لأكُمل حلمي الذي بدأته من تحت الركام."
اليوم، تتوقف ديما عن الخبَز، لكن حلمها لا يزال حاضرًا. فكل صينية لم تمُلأ، وكل قالب لم يعُد، هو مشروع حياة تأجل حتى تعود الظروف.
رغم انقطاع المواد وتوقف العمل، يبقى الأمل بأن تعود الأيام التي يصُنع فيها الفرح من جديد، ويأخذ الكب كيك مكانه على المائدة كرمز لصبر طويل، وشغف لم ينطفئ.