شهادة ناجية من قصف كافتيريا "الباقة" بغزة معاناة وأمل..روان تروي لحظات الرعب خلال استعدادها للتوجيهي

بي دي ان |

04 يوليو 2025 الساعة 01:45م

في مساءٍ دموي جديد على شاطئ غزة، وبينما كان عشرات المدنيين يبحثون عن لحظة هدوء نادرة وسط لهيب الحرب، تحوّل مقهى صغير إلى ساحة للمجزرة. غارة إسرائيلية مباغتة استهدفت كافتيريا “الباقة”، لتخلّف دمارًا شاملًا وعشرات الشهداء والجرحى، في مشهدٍ يُضاف إلى سجل طويل من الاستهدافات التي تطال المدنيين في القطاع المحاصر.

في قلب هذا الرعب، كانت الطالبة روان حمدان تمسك قلمها ودفترها، تستعد لامتحانات التوجيهي، قبل أن تجد نفسها مدفونة تحت الركام

كانت روان (18 عامًا)، تراجع دروس الرياضيات على طاولة داخل الكافتيريا، مستفيدة من توفر الكهرباء والهدوء النسبي مقارنة بخيام النزوح ومنازل العائلات التي أنهكها القصف والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي.

"كنت مركّزة بدفتري وطلبت عصير، وفجأة حسّيت الدنيا كلها انفجرت.. كل شي حواليا طار، وأنا ما فهمتش شو صار غير لما صحيت تحت الركام"، تروي روان بصوت مرتجف من داخل مستشفى الشفاء، حيث تتلقى العلاج من إصابات في الكتف وشظايا متفرقة.

الغارة لم تترك لها وقتًا لفهم ما حدث. تقول: "كل الكتب تبعثرت.. أنا كنت بدي أدرس، أقدم الامتحان. ما كنت متخيلة إن المكان اللي كنت أراجع فيه يتحوّل لمجزرة."

كافتيريا "الباقة"، الواقعة مباشرة على شاطئ بحر غزة، كانت بالنسبة لروان ولعشرات الطلبة مساحة للدراسة والتقاط الأنفاس في ظل ظروف الحرب القاسية.

"ما في مكان ندرس فيه، الكافيه كان فيه كهربا ونت، وكنا بنحاول ننجز ونستعد رغم كل شي. بس حتى هاي المساحة الاحتلال ما تركها."

وفقًا لإحصائيات الدفاع المدني الفلسطيني، أسفرت الغارة عن استشهاد 34 مواطنًا، بينهم 11 طفلًا و7 نساء، إلى جانب عشرات الجرحى، بعضهم في حالات حرجة، وما تزال طواقم الإنقاذ تواصل رفع الركام والبحث عن مفقودين حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

تأتي هذه الجريمة ضمن سلسلة من الغارات العنيفة التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي طالت المستشفيات والمدارس والأسواق والمنازل، وسط غياب ممرات إنسانية آمنة وعجز دولي عن وقف العدوان.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد الشهداء منذ بدء الحرب 38,200 شهيدًا، من بينهم أكثر من 15,000 طفل وامرأة، فيما أصيب أكثر من 87,000 مواطن، معظمهم من المدنيين، وسط ظروف طبية كارثية ونقص حاد في المستلزمات العلاجية.

تغمض روان عينيها، تحبس دمعة، ثم تقول: "أنا لسا بدي أدرس، وبدي أنجح.. اللي راحوا ما راحوا عالفاضي. بدنا نكمل الطريق عشانهم."

ومن وسط الركام، تنهض روان بجسدٍ مُثخن بالجراح، لكنها تحمل في عينيها إصرارًا لا يُقهر على الحياة والتعليم، في وجه حربٍ تحاول طمس كل حلم وتشتيت كل أمل.

ورغم أن المكان الذي كان بالأمس مساحةً للدراسة تحوّل إلى رماد، فإن صوتها – وصوت كل الناجين – يبقى شاهدًا حيًا على جريمةٍ لا تغتفر، وعلى عزيمة لا تنكسر.

ففي غزة، قد تُقصف الكُتب وتُبعثر الدفاتر، لكن الأفكار لا تُقصف، والإرادة لا تُدفن تحت الركام