إسرائيل.. وجمهوريات الموز

بي دي ان |

24 ديسمبر 2020 الساعة 05:05ص

إذا تجاوزنا المعايير العربية; فان إسرائيل التي تفتخر بديموقراطيتها باتت الآن جمهورية موز; فنتنياهو يجرها لانتخابات رابعة في أقل من عامين فقط، ليعطل محاكمته في قضايا الفساد; ويتجه لفرض اغلاق غير مبرر بحجة كورونا، لكي لا يتم اغلاق المستوطنات التي يقطنها حلفاؤه من التيار الديني الحريدي فتغضب مرجعياتهم الدينية.

خلال النصف الأول من عام 2021، ستصبح إسرائيل أول دولة «ديمقراطية» في التاريخ تضطر إلى إجراء رابع انتخابات وطنية في غضون عامين، ولو أخذنا إيطاليا مثالًا، وهي الدولة الشهيرة بعدم الاستقرار السياسي، سنجد أنها شهدت 66 حكومة مختلفة منذ الحرب العالمية الثانية، لكن مواطنوها لم يشاركوا في صناديق الاقتراع سوى 19 مرة خلال تلك العقود السبعة أو أكثر، وكانت أقصر مدة زمنية تشمل أربع انتخابات متتالية في إيطاليا هي تسع سنوات.

في الإطار نفسه، كانت جمهورية فايمار الألمانية 1933 نتيجةً لخسارة ألمانيا الحرب العالمية الأولى على مقربة من تسجيل مدة مطابقة لتلك المدة التي حققتها إسرائيل بإجراء ثلاث انتخابات في غضون عامين وشهرين؛ من سبتمبر 1930 حتى نوفمبر 1932، وكانت الجولة التالية من الانتخابات قد عُقِدت عندما توقفت ألمانيا عن الالتزام بالديمقراطية وتحوَّلت إلى ديكتاتورية نازية.

لكن، إعادة الانتخابات على نحو متكرر تُعد شاهدًا على الأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها إسرائيل، إذ لم يتمكن نتنياهو وحلفاؤه في كل هذه الانتخابات الثلاثة التي أُجريت في أبريل 2019، وسبتمبر 2019، ومارس 2020، من الحصول على عدد المقاعد اللازم في البرلمان لتشكيل الحكومة وهي 61 مقعدًا، إذ حصل على 60 مقعدًا في الانتخابات الأولى، و55 في الثانية، و58 في الثالثة.

بيد أن أحزاب المعارضة لم تتمكن من تشكيل ائتلاف بديل، بسبب فشل بعضها، وربما معظمها في تقبُّل المفهوم الأساسي البديهي القائل بأن صوت المواطن الفلسطيني يُساوي صوت المواطن اليهودي، وقد حكم هذا التصور العنصري الخاطئ الأساسي حول شرعية صوت الناخب بالفشل على أي محاولة لتشكيل حكومة تعتمد على المقاعد الخمسة عشر التي يكونها نواب القائمة المشتركة، والتي تُمثل المواطنين الفلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي.

بعد انتخابات مارس الماضي، شُكِّل ما يُسمى بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة نتنياهو، بالاشتراك مع منافسه بيني جانتس، رئيس حزب «أزرق أبيض»، والذي كان من المفترض أن يحل محل نتنياهو بصفته رئيسًا للوزراء بعد 18 شهرًا، وبدا هذا الأمر إجراءً منطقيًّا وقتئذ، بالنظر إلى الجمود السياسي الذي يسود الأجواء في إسرائيل من جهة، وبسبب الطوارئ التي تعم أرجاء البلاد من جراء تفشي الجائحة من جهة أخرى.

منذ اليوم الأول، باءت هذه المحاولة بالفشل، إذ رفضت قطاعات واسعة مع المعسكر الذي يمتد من اليسار إلى اليمين قبول نتنياهو، المتَّهم بسلسلة من الاتِّهامات، رئيسًا شرعيًّا للوزراء، وأدَّى ذلك إلى اندلاع تسونامي الاحتجاجات الجماهيرية الأسبوعية التي استمرت قرابة خمسة أشهر، وهو رقم قياسي تاريخي آخر في "الديمقراطية" الإسرائيلية، بينما دأب نتنياهو على الإعلان في كل مناسبة أنه ليس لديه أي نية على الإطلاق لتحقيق إنجاز شخصي من وراء صفقة الحكومة الائتلافية، وأنه مستعد لترك منصب رئيس الحكومة لغريمه جانتس، كما اتُّفِق على ذلك في الأساس.

أثبتت السياسة الإسرائيلية من جديد أنه ليس هناك ثمة فرصة للاتفاق على أي شيء في ظل الظروف الحالية، فلا اتفاق على كيفية إدارة أزمة كورونا، ولا توافق على اعتماد الميزانية (آخر ميزانية اعتمدت كانت في عام 2018)، فضلًا عن عدم الاتفاق على تحديد اسم المدِّعي العام، أو مفوض الشرطة، أو مدير عام وزارة المالية، أو قائمة طويلة من المناصب العليا الأخرى التي تنتظر مَنْ يشغلها. وفقد المجتمع الإسرائيلي القدرة على إجراء أي حوار بين مختلف أطيافه، إلا أن هذا المأزق لا يعني أن إسرائيل توقَّفت عن احتلال الأراضي الفلسطينية، بل إن المواقف التي اتَّخذتها المؤسسة السياسية الإسرائيلية حيال الأراضي المحتلة تحرَّكت بدرجة كبيرة نحو اليمين المتطرف خلال العامين الماضيين. 

على الصعيد السياسي، نجح نتنياهو في تفتيت المعسكر المعارض له، إذ تفكك حزب أزرق أبيض، الذي حصل على أكثر من 30 مقعدًا في جميع الجولات الثلاثة الأخيرة من الانتخابات وحال دون استمرار نتنياهو في إدارة الحكومة، فور انضمامه إلى الحكومة الحالية التي يقودها اليمين، ولم يتمكن المعسكر المناهض لنتنياهو من توفير قيادة بديلة، وفي الوقت الراهن، يظهر كلٌ من حزب الليكود بزعامة نتنياهو، بالإضافة إلى اليمين المتطرف، والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة، بوصفهم مرشحين أكفاء للفوز بأغلبية غير مسبوقة في الانتخابات المقبلة.

نتنياهو نجح أيضًا في تدمير القائمة المشتركة، إذ تمكَّن، خلال الأسابيع الأخيرة، من تشكيل تحالف مع منصور عباس، الذي يرأس حزب الحركة الإسلامية، الذي يمتلك أربعة مقاعد من 15 مقعدًا في القائمة المشتركة، وفي مقابل وعود ضبابية بزيادة ميزانيات المجتمع العربي لمحاربة العنف المستشري على نحو متزايد في المدن التي يقطنها الفلسطينيون في إسرائيل (قرابة 100 جريمة قتل منذ بداية عام 2020، وهو أعلى مستوى تصل إليه الجريمة على الإطلاق)، أعلن عباس أنه غير ملتزم بشيء سواء تجاه اليمين أو اليسار.

أما في ميدان الحياة العامة، فربما نشهد تغييرًا أكبر من ذلك بكثير، إذ بدأت موجة الاحتجاجات المعروفة باسم «احتجاجات بلفور» على اعتبار أنها مظاهرات ضد فساد نتنياهو، لكن الاحتجاجات رويدًا رويدًا، اتسع نطاقها، سواء من حيث عدد المشاركين وبصورة أساسية من حيث تنوع القضايا التي أُثيرت فيها. وإذا حاولنا تلخيص مطالب المجموعات المختلفة المشاركة في هذه الاحتجاجات في كلمة واحدة، فستكون الديمقراطية هي ما يريدون.

• خبير متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية