المثقف العضوي والهزيمة

بي دي ان |

03 نوفمبر 2020 الساعة 10:58ص

المثقف العضوي هو الأنسان الفاعل في المجتمع، الذي انتدب نفسه للدفاع عن ثوابت وركائز هوية واهداف شعبه الوطنية والقومية، وبالمعايير الاجتماعية، هو المدافع عن قيمه الطبقية ضد القوى الطبقية المتسيدة على رأس البناء الفوقي. وبالضرورة أي كانت خلفية المثقف المنتج للمعرفة الفكرية والسياسية والاجتماعية، فهو يقع تحت قائمة المثقفين العضوين. بمعنى المثقف العضوي ليس ذات خلفية واحدة، إنما هو موزع وموجود على مساحة الطبقات والنخب الثقافية بتلاوينها واجتهاداتها المختلفة بما في ذلك المثقف الديني، مع الفارق الكبير بين المثقف والمثقف، فهناك مثقف ملتزم بالتنوير واعلاء راية المعرفة، وتمثل مصالح وقضايا الشعب والوطن والطبقة، وهناك مثقف وقع في شرك وخطيئة الدفاع عن الحكام او الوجه الظلامي للدين غير الايماني،فشتان بين النموذجين وتداعياتهما وانعكاساتهما الاجتماعية والوطنية والقومية.

مع ذلك اذا حصرت النقاش في المثقف العضوي الوطني والقومي المتصل بالصراع العربي الصهيوني، فهو بالضرورة المثقف الملتزم بقضية الدفاع عن القضية المركزية للعرب، قضية الشعب العربي الفلسطيني، وبغض النظر عن القطر العربي الذي ينتمي له، فطالما هو مقتنع وملتزم بالدفاع عن الحقوق والمصالح الوطنية والقومية، ومزج بين البعدين الوطني والقومي ديالكتيكيا، وانتصر لقضايا المسحوقين من الجماهير العربية، ودافع عن ابسط حقوقهم الديمقراطية والاجتماعية والقانونية، وبغض النظر ان نجح او فشل، ورصد إنتاجه المعرفي في الحقل الذي يبدع فيه لانتصار العدالة السياسية والاجتماعية، فانه بالضرورة مثقف عضوي.

وتتعزز قيمة واهمية المثقف الوطني والقومي في زمن الهزيمة وانسحاق أهل النظام الرسمي العربي امام املاءات وبلطجة الادارة الاميركية وربيبتها اسرائيل، لانه في مثل هذة اللحظة يتوجب عليه تمثل دوره ومكانته كرافعة للصوت والفعل الشعبي. لا سيما وان الشعب هو النبع الحقيقي والأصيل للثقافة والمعرفة، بيد ان المبدع الحقيقي هو الفنان والمثقف، وهو احد أفراد الشعب، والعاكس لقيم الشعب والامة برفض الهزيمة، والدفاع عن الحقوق والحرية والكرامة، والاستقلال والعودة وحق تقرير المصير، ومواجهة الاستغلال وبطش الأنظمة وكاتم الصوت وكل أشكال الاغراء، وبيع الأوطان لقوى الشر والإرهاب الإقليمية والدولية وعلى حساب قضايا العرب الوطنية والقومية عمومًا وقضية فلسطين خصوصًا. لانها قاطرة قضايا العرب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتحررية.

نعم من فلسطين تبدأ عملية التحرر الوطني، وهذا لا يعني تجاهل القضايا الوطنية والاجتماعية للشعوب العربية، لا بل العكس صحيح، فالربط العلمي والجدلي بين المسآلتين الوطنية والقومية تنطلق من فلسطين. لان بداية النهب والسلب لثروات الأمة وشعوبها بدأ من فلسطين مع مخرجات مؤتمر كامبل نبرمان وتوقيع اتفاقية سايكس بيكو، وإطلاق وعد بلفور لإقامة "الوطن القومي" للصهاينة تجار الدين اليهودي وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لمصالح العرب انطلقت من لحظة زرع الجسم الاستعماري الغريب، أي دولة اسرائيل الاستعمارية على ارض الشعب العربي الفلسطيني، وعلى انقاض نكبته، ولاستهداف مصالحه وحقوقه وثرواته واستقلاله وسيادته وتقدمه، ولتصفية الحساب التاريخي مع العرب والمسلمين ردًا على هزائم الصليبيين، وليس دفاعًا عن اتباع الديانة اليهودية او من استعملوهم لخدمة اغراضهم.

اذا المثقف الوطني والقومي العضوي يبقى دوره ناقصًا، وبعيدًا عن الانتماء الحقيقي للثقافة الملتزمة في حال فصل ميكانيكيا بين المسألتين الوطنية والقومية. كما انه لا يجوز تمثل دور ومكانة المثقف العضوي، ان لم يتخندق ويبق في المواقع الأمامية للدفاع عن قضايا الشعب والأمة. لانه لا يكون مثقفا من يعتبر نفسه فردًا عاديًا من الشعب.نعم بالمعنى الاجتماعي المثقف إنسان، وجزء من الشعب. لكنه عندما امتلك ناصية المعرفة والثقافة وتبوأ دوره الافتراضي الريادي، انتقل ذاتيًا وموضوعيا الى مستوى آخر، وباتت عليه التزامات نوعية، وأكثر مسؤولية تجاه الشعب والأمة والإنسانية.

صحيح المثقف نتاج المجتمع الذي يعيش بين ظهرانيه، ويشهد صعود وهبوط الصراع الاجتماعي والقومي، ويعاني من استبداد الأجهزة الامنية. بيد انه إنسان مختلف، وله ادوار عدة لاتقتصر على التبشير، والتنظير من برج عاجي، بل عليه ادوار أخرى، اولها الالتحام مع حركة الشعب المدافعة عن الحقوق. لا سيما وأنه هو ربانها؛ ليس هذا فحسب، بل وتقدم الصفوف لمواجهة التحديات. لان النكوص والمراوحة في المكان، ورفع اليد لله لينزل من السماء حلولا، لا يستقيم مع هوية ومكانة المثقف العضوي.

وفي زمن الانحدار والهزيمة وغياب البوصلة تتعاظم مهمة المثقف العضوي الفكرية والمعرفية والكفاحية. صحيح قد يفشل او ينجح لكنه بمواصلة العمل والتخندق في خنادق الكفاح الأولى لبلوغ الأهداف التكتيكية والاستراتيجية بغض النظر عن الزمن الذي تستغرقه العملية الكفاحية، وقتئذ يرتقي لدوره ومكانته.

فلسطين والدول العربية وشعوبها كلها تحتاج الى استنهاض الحالة الثقافية وارتقاء المثقفون لمستوى اللحظة التاريخية وتمثل دورهم بالتلازم مع استنهاض حركات الكفاح الشعبي، واعلاء  شأن المشروع القومي العربي التنويري. لان نهوضهم يمثل الرافعة الأساسية للخطوة الأولى للخروج من نفق الأزمات والهزيمة واستلاب إرادة الشعوب والشروع بالتحرر الوطني والقومي.
[email protected]
[email protected]