58 عاما على الهزيمة
بي دي ان |
05 يونيو 2025 الساعة 12:33ص

سيف التاريخ لا يرحم الشعوب، ولا ينتظر على أبواب زعمائها وقادتها ليرجوهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكانة شعوبهم وأممهم، بل يواصل حصد الأرواح، ويعبث كالسوس في تفسيخ مجتمعاتهم، ويعطل نهوض الاقتصاد والتنمية، ويعمق الفساد في نسيجهم القومي والاجتماعي والثقافي والديني والأخلاقي القيمي، ويعمد تبوأ قيادات كرتونية هشة ووهمية وتابعة لسادة الغرب، التي تتعرى بشكل فاضح أمام الدنيا، ولا تبالي بمستقبل ومصير بلادها وشعوبها، لأن همها الجلوس على خازوق كرسي الحكم الذي اكله الصدأ والفساد نتاج غياب البديل، حين تساوى وتماهى انصار الموالاة والمعارضة في السياسات والاهداف والبرامج، وان وجدت خلافات، فهي خلافات وهمية، أو شكلية، لإن المعارضة وصلت الى ارذل مراحل الشيخوخة والتيه والمقولات والشعارات الغوغائية والديماغوجية فاقدة الرصيد، لأنها لا تملك القدرة على الوقوف على أقدامها، وبات الشعار إدمانا لمواساة الذات ولاستحضار الماضي الايجابي.
هزيمة الخامس من حزيران / يونيو 1967 شكلت ضربة قاصمة لحركة التحرر الوطني والقومي العربية الرسمية والشعبية، وتركت بصمات وندوب سوداء في تاريخ الأمة العربية عموما ومصر رأس حربة حركة التحرر خصوصا، وراكمت جملة من التشوهات والتهتك في بنى الأنظمة العربية القومية، ودفعت أجهزة الامن والبوليس السري لمقدمة صفوف البناء الفوقي، مما عمق جذور الازمة البنيوية، التي لم تقتصر على خنق الحريات الشخصية والعامة، انما طالت المجالات كافة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية العسكرية والثقافية والتربوية التعليمية.
ورغم صعود نجم الثورة الفلسطينية في اعقاب الهزيمة الكارثية، وتمردها على واقع النظام الرسمي العربي وبرامجه لبعض الوقت، الا انها سرعان ما عادت لحاضنته، والتصالح معه، والعيش في جلبابه، لأنه لا يمكن فصل البعدين الوطني والقومي عن بعضهما البعض بشكل تعسفي، ولم تتمكن من رسم وصياغة برنامج قومي مؤهل لإحداث التغيير القومي المطلوب لسببين، الأول قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية كانت تبحث وسعت لترسيم ذاتها في المنظومة الرسمية العربية؛ الثاني ان قوى اليسار لم تكن نضجت فكريا وسياسيا، وبقيت تراوح في دوامة الصبيانية اليسارية والمراهقة السياسية، وفشلت في تحقيق قفزة نوعية في مسار حركة التحرر الوطنية والقومية.
أضف الى ان حركة التحرر الشعبية من اليسار واليمين العربي لم تقوَ على تجاوز الزخم الشعبي للأنظمة القومية، مما اضطرها ليس للتعايش فقط مع تلك الأنظمة، انما للاندماج معها، وخلق حالة من التكامل والتعاضد، مما أفقدها دورها ومكانتها كقوى حاملة للواء التغيير والتجديد، وسقطت رهينة في ذيل الأنظمة الرسمية العربية، حتى تلاشت عن الحضور الحقيقي، وبقيت أسيرة برامجها المتهالكة، حتى باتت مجرد أداة بيد هذا النظام أو ذاك، وحاصرت نفسها بنفسها من خلال الركون لدعم تلك الأنظمة.
شروط الواقع الوطني والقومي في ظل تصاعد العدوانية الإسرائيلية الأميركية ومن يدور في فلكها من أنظمة التبعية، وعدم تمكن الأنظمة القومية من إيجاد حد أدنى من التكامل الحقيقي بين مثيلاتها من الأنظمة القومية، حتى ان نظامي حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق لم تتمكن من إيجاد قواسم مشتركة فيما بينها، مما ضاعف من تراجع مكانتها ودورها، وما أن غاب زعيم الامة الخالد جمال عبد الناصر، وتولي الرئيس أنور السادات القيادة في مصر، حتى تعمقت عجلة الانكفاء والتراجع، كونها لجأت للقوى والأدوات المحلية من الاسلامويين في مواجهة خصومها من الوطنيين والقوميين، ليس هذا فحسب، بل الأخطر انها ربطت نفسها بالغرب الرأسمالي عموما والولايات المتحدة الأميركية خصوصا، وانقلبت على ذاتها، وتخندقت في خنادق القطرية المقيتة.
كما ان العديد من الأنظمة القومية ارتكبت خطايا فادحة ضد ذاتها وضد غيرها من الشعوب والدول الشقيقة نتيجة التغرير بها، وجهلها أو تجاهلها الدور الاستعماري الخطير للولايات المتحدة الأميركية، التي قادت على مدار تاريخ وجودها العداء للامة العربية، وعملت بكل الوسائل والمخططات الاستعمارية لتقويض تطور حركة التحرر الوطني العربية، ولم يكن تأسيس وتعزيز مكانة إسرائيل على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني في ال1948 وحتى الإبادة الجماعية الجارية الان للشهر العشرين (حزيران / يونيو 2025) على الشعب الفلسطيني من قبلها واداتها اللقيطة إسرائيل النازية الا دليلا على حقيقة الاستنتاج العلمي المؤكد لدورها الهدام لنهوض الامة العربية. وفي السياق، كانت الحركة الشعبية العربية تفقد ملامحها التحررية، وضاعت في دروب الإسلام السياسي الشيعي والسني مما أفقدها طابعها التحرري، وباتت أسيرة العجز والتيه وغرف العناية المركزة والموت الكلينيكي.
58 عاما من هزيمة حزيران / يونيو 1967 عمقت حالة الوهن والضياع والانقسام والتشرذم القطري والقومي، مما أفقد الامة العربية مكانتها حتى الشكلية، وباتت خارج حركة التاريخ، وغابت الشمس عن الوطن العربي، ولم يعد للمشروع القومي العربي النهضوي أي أثر حتى لو كان اسميا وشكليا، ولعل 20 شهرا من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب العربي الفلسطيني خير دليل على إفلاس النظام الرسمي العربي، والقادم أعظم إن لم يتداعَ رواد النهضة العربية لتمثل دورهم في حركة التاريخ المعاصر.
[email protected]
[email protected]
هزيمة الخامس من حزيران / يونيو 1967 شكلت ضربة قاصمة لحركة التحرر الوطني والقومي العربية الرسمية والشعبية، وتركت بصمات وندوب سوداء في تاريخ الأمة العربية عموما ومصر رأس حربة حركة التحرر خصوصا، وراكمت جملة من التشوهات والتهتك في بنى الأنظمة العربية القومية، ودفعت أجهزة الامن والبوليس السري لمقدمة صفوف البناء الفوقي، مما عمق جذور الازمة البنيوية، التي لم تقتصر على خنق الحريات الشخصية والعامة، انما طالت المجالات كافة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية العسكرية والثقافية والتربوية التعليمية.
ورغم صعود نجم الثورة الفلسطينية في اعقاب الهزيمة الكارثية، وتمردها على واقع النظام الرسمي العربي وبرامجه لبعض الوقت، الا انها سرعان ما عادت لحاضنته، والتصالح معه، والعيش في جلبابه، لأنه لا يمكن فصل البعدين الوطني والقومي عن بعضهما البعض بشكل تعسفي، ولم تتمكن من رسم وصياغة برنامج قومي مؤهل لإحداث التغيير القومي المطلوب لسببين، الأول قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية كانت تبحث وسعت لترسيم ذاتها في المنظومة الرسمية العربية؛ الثاني ان قوى اليسار لم تكن نضجت فكريا وسياسيا، وبقيت تراوح في دوامة الصبيانية اليسارية والمراهقة السياسية، وفشلت في تحقيق قفزة نوعية في مسار حركة التحرر الوطنية والقومية.
أضف الى ان حركة التحرر الشعبية من اليسار واليمين العربي لم تقوَ على تجاوز الزخم الشعبي للأنظمة القومية، مما اضطرها ليس للتعايش فقط مع تلك الأنظمة، انما للاندماج معها، وخلق حالة من التكامل والتعاضد، مما أفقدها دورها ومكانتها كقوى حاملة للواء التغيير والتجديد، وسقطت رهينة في ذيل الأنظمة الرسمية العربية، حتى تلاشت عن الحضور الحقيقي، وبقيت أسيرة برامجها المتهالكة، حتى باتت مجرد أداة بيد هذا النظام أو ذاك، وحاصرت نفسها بنفسها من خلال الركون لدعم تلك الأنظمة.
شروط الواقع الوطني والقومي في ظل تصاعد العدوانية الإسرائيلية الأميركية ومن يدور في فلكها من أنظمة التبعية، وعدم تمكن الأنظمة القومية من إيجاد حد أدنى من التكامل الحقيقي بين مثيلاتها من الأنظمة القومية، حتى ان نظامي حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق لم تتمكن من إيجاد قواسم مشتركة فيما بينها، مما ضاعف من تراجع مكانتها ودورها، وما أن غاب زعيم الامة الخالد جمال عبد الناصر، وتولي الرئيس أنور السادات القيادة في مصر، حتى تعمقت عجلة الانكفاء والتراجع، كونها لجأت للقوى والأدوات المحلية من الاسلامويين في مواجهة خصومها من الوطنيين والقوميين، ليس هذا فحسب، بل الأخطر انها ربطت نفسها بالغرب الرأسمالي عموما والولايات المتحدة الأميركية خصوصا، وانقلبت على ذاتها، وتخندقت في خنادق القطرية المقيتة.
كما ان العديد من الأنظمة القومية ارتكبت خطايا فادحة ضد ذاتها وضد غيرها من الشعوب والدول الشقيقة نتيجة التغرير بها، وجهلها أو تجاهلها الدور الاستعماري الخطير للولايات المتحدة الأميركية، التي قادت على مدار تاريخ وجودها العداء للامة العربية، وعملت بكل الوسائل والمخططات الاستعمارية لتقويض تطور حركة التحرر الوطني العربية، ولم يكن تأسيس وتعزيز مكانة إسرائيل على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني في ال1948 وحتى الإبادة الجماعية الجارية الان للشهر العشرين (حزيران / يونيو 2025) على الشعب الفلسطيني من قبلها واداتها اللقيطة إسرائيل النازية الا دليلا على حقيقة الاستنتاج العلمي المؤكد لدورها الهدام لنهوض الامة العربية. وفي السياق، كانت الحركة الشعبية العربية تفقد ملامحها التحررية، وضاعت في دروب الإسلام السياسي الشيعي والسني مما أفقدها طابعها التحرري، وباتت أسيرة العجز والتيه وغرف العناية المركزة والموت الكلينيكي.
58 عاما من هزيمة حزيران / يونيو 1967 عمقت حالة الوهن والضياع والانقسام والتشرذم القطري والقومي، مما أفقد الامة العربية مكانتها حتى الشكلية، وباتت خارج حركة التاريخ، وغابت الشمس عن الوطن العربي، ولم يعد للمشروع القومي العربي النهضوي أي أثر حتى لو كان اسميا وشكليا، ولعل 20 شهرا من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب العربي الفلسطيني خير دليل على إفلاس النظام الرسمي العربي، والقادم أعظم إن لم يتداعَ رواد النهضة العربية لتمثل دورهم في حركة التاريخ المعاصر.
[email protected]
[email protected]