عندما تصبح الاتهامات خنجراً مرتداً: من الذي غيّر اتجاه البوصلة؟

بي دي ان |

01 يونيو 2025 الساعة 08:36م

الكاتب
لم تكن السنوات الأخيرة سهلة على الفلسطينيين، لا على مستوى الشعب ولا على مستوى حركاته السياسية، التي وُضعت في مواجهة اختبارات قاسية: الاحتلال، الانقسام، الحصار، الحروب المتكررة، وتغيرات الإقليم والعالم. وفي خضم هذا المشهد المربك، بات لزاماً أن نسأل: من غيّر اتجاه البوصلة؟ ولماذا باتت بعض الاتهامات السابقة خناجر مرتدة تطعن أصحابها اليوم؟

في أواخر الثمانينيات، واجهت منظمة التحرير الفلسطينية حملة انتقادات لاذعة من قوى فلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، بسبب قرارها فتح قنوات حوار مع الولايات المتحدة. حينها، رُفعت الشعارات ضد هذا المسار: "أمريكا هي العدو، والجلوس معها خيانة وطنية." لكن المنظمة كانت تسعى، برأيها، إلى كسر العزلة الدولية، وانتزاع اعتراف سياسي بحقوق الفلسطينيين.

المفارقة أن واشنطن – التي لم تتغير كثيراً – بقيت على موقفها الداعم للاحتلال، وغضّت الطرف عن الاستيطان، وباركت الحروب على غزة، وساهمت في خنق سكان القطاع، وسعت إلى تحويل التطبيع العربي إلى غطاء لتهميش القضية الفلسطينية. ورغم ذلك، نشهد اليوم تحولاً واضحاً في الخطاب: لقاءات بين قيادات من حماس ومبعوثين أمريكيين تُروَّج باعتبارها إنجازات أو بوادر انفتاح سياسي دولي تجاه الحركة.

هنا يبرز السؤال الجوهري: هل غيّرت أمريكا فعلاً من سياساتها؟ أم أن حماس، بعد سنوات من الحكم والانخراط في معادلات الإقليم، بدأت تراجع خطابها وتُعيد النظر في أدواتها؟

ليس في ذلك بالضرورة مدعاة للاتهام أو التشكيك، فالحركات السياسية تتطور، وتتكيف، وتعيد رسم أولوياتها. لكن ما يُلفت الانتباه هو سرعة التحولات، وغياب المراجعات العلنية، وبقاء أدوات التخوين حاضرة عند بعض الأطراف، حتى حين تتحوّل الاتجاهات وتُعاد صياغة العلاقات.

لقد آن الأوان لقراءة التحولات بعيون نقدية، لا لتصيد الأخطاء، بل لفهم أعمق لما يحدث في الساحة الفلسطينية. فحين يصبح الخنجر المرتد هو الحقيقة الماثلة، لا بد من أن نراجع من الذي كان يصوّب، ولصالح من، وما إذا كنا لا نزال على الطريق ذاته... أم أن البوصلة بالفعل قد انحرفت.
• صحفي فلسطيني