مقدمات الحرب الاهلية
بي دي ان |
23 مارس 2025 الساعة 04:22ص

علميا تتمظهر مقدمات الحرب الاهلية في أي مجتمع، عندما يحدث الصدام بين المبنيين الفوقي والتحتي، بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب صاحب السلطات الأساسية وبين النظام السياسي، فلا السلطة التنفيذية تستطيع الحكم، ولا الشعب يقبل بولايتها، عندئذ تتعمق التناقضات التناحرية في المجتمع. لكن في الحالة الإسرائيلية الماثلة للعيان في هذه المرحلة، الواقع مقلوب أو مختلف، وله كطابع خاص، حيث تتعمق التناقضات بين الدولة العميقة وبين النظام السياسي، وانقسام حاد داخل المجتمع الإسرائيلي بين أنصار الموالاة والمعارضة، وهذا أشد خطرا على الدولة ككل، وليس النظام السياسي.
وهذا ما شخصه الكاتب الصحفي الإسرائيلي، تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس" أول أمس الجمعة 21 اذار/ مارس الحالي، في مقاله المعنون "بنيامين نتنياهو بات تهديدا وجوديا"، وجاء فيه "ظاهريا، هذا يبدو كأنه مشهد آخر من البيروقراطية الشيطانية، رئيس حكومة يستخدم سلطته، التي لا يزال يتعين التحقق من مدى قانونيتها، وأدخلت المحكمة العليا في حالة موت سريري، وأفرزت منظومة قوانين فاشية تسعى لتقليص مساحة حرية الراي والتعبير والثقافة، بينما تستهدف المعلمين ومديري المدارس، وتقوض مبدأ المساواة أمام القانون. تحت غطاء الحرب، وباستغلال سلسلة من المناورات والاكاذيب الدينية التي أوحت بأن رئيس الحكومة "يفعل ما بوسعه" لإعادة المخطوفين"، ويتابع " واصل نتنياهو الحفر بعنف تحت أسس الديمقراطية لكن بعكس الزلزال الطبيعي." وأضاف "لا بد من قراءة هذه الجملة، مرارا وتكرارا، لاستيعاب عُمق الفساد الذي تفشى في الحكم، وحجم فقدان الثقة به في دولة لا تزال تتشبث بقوة بآخر ركائز الديمقراطية قبل ان أن تهوي الى الهاوية." ويردف قائلا "مثلما قلنا مليون مرة سابقا، إن رئيس "الشاباك" هو المسؤول الرئيسي عن الكارثة الأسوأ في تاريخ دولة إسرائيل، لكن هو وإقالته ليسا السبب الحقيقي للاحتجاج". والمظاهرات التي تتوسع وتزداد يوميا، وانما هناك أسباب اخرى. وخلص الى "فالصرخة التي تتفجر اليوم، صرخة الغضب والإحباط واليأس، ليست ضد الكارثة السابقة، بل ضد الكارثة القادمة التي نعيش خضمها. هذه الكارثة لا تهدد فقط منطقة غلاف غزة، أو مستوطنات الشمال، ولا حياة الاسرى الذين مازالوا على قيد الحياة، ولا حتى جثث القتلى الذين ينتظرون دفنهم، بل أيضا هي تهديد وجودي لدولة إسرائيل بأكملها... ودفن مستقبلها، وتحويل ما كانت عليه، وما كان مقدرا لها أن تكون، الى كومة من الأنقاض."
وتعميقا لما ذكره برئيل، قال الصحفي الإسرائيلي، جاي بيلج في مقابلة مع القناة "12" يوم أول أمس الجمعة "أنا وامنون قلنا هذا أكثر من مرة، أن نتنياهو خطر على إسرائيل، في هذا المساء يجب القول، أن نتنياهو وحكومته هم الأعداء الأخطر على دولة إسرائيل، هم الخطر الأكبر." وأضاف "حماس لا يمكنها تدمير إسرائيل، حتى في اليوم الذي كنا فيه نائمون وفاشلون، حزب الله لا يمكنه تدمير إسرائيل، سوريا لا يمكنها تدمير إسرائيل، من يمكنه تدمير إسرائيل كدولة ديمقراطية هو بنيامين نتنياهو، الذي أعلن أنه لن يلتزم بقرار المحكمة العليا، الذي قد يفرض عليه رئيس شاباك لا ثقة له به."
تلازمت هذه القراءات الإسرائيلية مع تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية ضد الائتلاف الحاكم لسببين، الأول المطالبة بالأفراج أولا عن الرهائن الإسرائيليين، والثاني ضد اقالة كل من رونين بار، رئيس الشباك والمستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراب ميارا. التي ترافقت مع اعلان الهستدروت انها ستشل كافة مرافق الدولة ومصالحها الاقتصادية، إذا لم تحترم الحكومة قرار المحكمة بوقف قرار عزل رئيس الشاباك. وهو ما يعني وفق تقديرات صحيفة "يديعوت احرونوت" بأن أي اضراب شامل احتجاجا على إقالة رئيس الشاباك سيتسبب بضرر اقتصادي بنحو 5 مليارات و800 مليون شيكل يوميا، وهو سيعمق الازمة الاقتصادية المتفاقمة أصلا نتاج الإبادة الجماعية.
ولم يتوقف الامر عند تهديد الهستدروت بالأضراب، بل ان منتدى رجال الاعمال الإسرائيلي، الذي يضم نحو 200 من كبار قادة الاقتصاد هدد أيضا: في حال لم تحترم حكومة نتنياهو قرار المحكمة، وجرت البلاد نحو أزمة دستورية، فستدعو جميع المواطنين الى التوقف عن الامتثال لقرارات الحكومة بكل ما يترتب على ذلك، وسنعمل على شّل الاقتصاد الإسرائيلي بالكامل. حسب القناة ال"12" الإسرائيلية. وأيضا هددت شبكة "الهدد" الهيئة الإسرائيلية للتكنولوجيا الفائقة (الهايتك)، والتي تضم عشرات كبرى شركات التكنولوجيا وصناديق الاستثمار، ب" وقف عمل الشركات إذا لم تلتزم الحكومة بقرار المحكمة العليا، أو أي أمر قضائي بتجميد إقالة رئيس الشاباك، رونين بار."
نلاحظ مما تقدم، ان الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي فريد واستثنائي، حيث يقوم التناقض بين قطاع واسع من المجتمع والدولة العميقة ضد حكومة الائتلاف النازية، وهذا الامر لم يكن مسبوقا في تاريخ الدولة الإسرائيلية، ويهدد مستقبلها بكل مكوناتها، ويدفع بالانفجار الداخلي، الذي هو أشد خطرا على دولة إسرائيل من أي خطر خارجي آخر. لا سيما وان التناقضات لا تنحصر في اقالة رونين، وانما هي أعمق واشمل من ذلك، وللالتفاف على اقالة رئيس الشباك، تم دعوته أمس للاجتماع مع الكابينيت المصغر في محاولة لإيجاد مخرج من الازمة الحادة والعميقة، ولا أعتقد ان نتنياهو وائتلافه سيتراجعون عن اقالة بار ولا المستشارة القضائية، ولكن قد يتم التحايل على رجل الشاباك الأول بحل وهمي لإطفاء النيران المشتعلة في المجتمع الإسرائيلي، ومع ذلك، أي مراقب موضوعي لا يمكنه الاعتقاد، بأن الازمات يمكن حلها مع الائتلاف الحاكم، لأن حجم الازمات المترافقة مع رفض نحو 30% من ضباط وجنود الاحتياط الإسرائيليين من الالتزام بالعودة للخدمة نتيجة الانهاك، وللشعور بأن عودة نتنياهو لدوامة الإبادة على الشعب الفلسطيني لا علاقة لها بالقضاء على اذرع المقاومة، انما ترتبط ارتباطا عميقا بالحسابات الشخصية لنتنياهو وضمان بقاء ائتلافه الحاكم في سدة الحكم. لذا المؤشرات تشي بإقتراب انفجار الوضع الداخلي الإسرائيلي، كيف؟ والى أي منحى ستتجه الأمور؟ بالضرورة هناك مألات عدة يمكن العودة لها لاحقا.
[email protected]
[email protected]
وهذا ما شخصه الكاتب الصحفي الإسرائيلي، تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس" أول أمس الجمعة 21 اذار/ مارس الحالي، في مقاله المعنون "بنيامين نتنياهو بات تهديدا وجوديا"، وجاء فيه "ظاهريا، هذا يبدو كأنه مشهد آخر من البيروقراطية الشيطانية، رئيس حكومة يستخدم سلطته، التي لا يزال يتعين التحقق من مدى قانونيتها، وأدخلت المحكمة العليا في حالة موت سريري، وأفرزت منظومة قوانين فاشية تسعى لتقليص مساحة حرية الراي والتعبير والثقافة، بينما تستهدف المعلمين ومديري المدارس، وتقوض مبدأ المساواة أمام القانون. تحت غطاء الحرب، وباستغلال سلسلة من المناورات والاكاذيب الدينية التي أوحت بأن رئيس الحكومة "يفعل ما بوسعه" لإعادة المخطوفين"، ويتابع " واصل نتنياهو الحفر بعنف تحت أسس الديمقراطية لكن بعكس الزلزال الطبيعي." وأضاف "لا بد من قراءة هذه الجملة، مرارا وتكرارا، لاستيعاب عُمق الفساد الذي تفشى في الحكم، وحجم فقدان الثقة به في دولة لا تزال تتشبث بقوة بآخر ركائز الديمقراطية قبل ان أن تهوي الى الهاوية." ويردف قائلا "مثلما قلنا مليون مرة سابقا، إن رئيس "الشاباك" هو المسؤول الرئيسي عن الكارثة الأسوأ في تاريخ دولة إسرائيل، لكن هو وإقالته ليسا السبب الحقيقي للاحتجاج". والمظاهرات التي تتوسع وتزداد يوميا، وانما هناك أسباب اخرى. وخلص الى "فالصرخة التي تتفجر اليوم، صرخة الغضب والإحباط واليأس، ليست ضد الكارثة السابقة، بل ضد الكارثة القادمة التي نعيش خضمها. هذه الكارثة لا تهدد فقط منطقة غلاف غزة، أو مستوطنات الشمال، ولا حياة الاسرى الذين مازالوا على قيد الحياة، ولا حتى جثث القتلى الذين ينتظرون دفنهم، بل أيضا هي تهديد وجودي لدولة إسرائيل بأكملها... ودفن مستقبلها، وتحويل ما كانت عليه، وما كان مقدرا لها أن تكون، الى كومة من الأنقاض."
وتعميقا لما ذكره برئيل، قال الصحفي الإسرائيلي، جاي بيلج في مقابلة مع القناة "12" يوم أول أمس الجمعة "أنا وامنون قلنا هذا أكثر من مرة، أن نتنياهو خطر على إسرائيل، في هذا المساء يجب القول، أن نتنياهو وحكومته هم الأعداء الأخطر على دولة إسرائيل، هم الخطر الأكبر." وأضاف "حماس لا يمكنها تدمير إسرائيل، حتى في اليوم الذي كنا فيه نائمون وفاشلون، حزب الله لا يمكنه تدمير إسرائيل، سوريا لا يمكنها تدمير إسرائيل، من يمكنه تدمير إسرائيل كدولة ديمقراطية هو بنيامين نتنياهو، الذي أعلن أنه لن يلتزم بقرار المحكمة العليا، الذي قد يفرض عليه رئيس شاباك لا ثقة له به."
تلازمت هذه القراءات الإسرائيلية مع تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية ضد الائتلاف الحاكم لسببين، الأول المطالبة بالأفراج أولا عن الرهائن الإسرائيليين، والثاني ضد اقالة كل من رونين بار، رئيس الشباك والمستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراب ميارا. التي ترافقت مع اعلان الهستدروت انها ستشل كافة مرافق الدولة ومصالحها الاقتصادية، إذا لم تحترم الحكومة قرار المحكمة بوقف قرار عزل رئيس الشاباك. وهو ما يعني وفق تقديرات صحيفة "يديعوت احرونوت" بأن أي اضراب شامل احتجاجا على إقالة رئيس الشاباك سيتسبب بضرر اقتصادي بنحو 5 مليارات و800 مليون شيكل يوميا، وهو سيعمق الازمة الاقتصادية المتفاقمة أصلا نتاج الإبادة الجماعية.
ولم يتوقف الامر عند تهديد الهستدروت بالأضراب، بل ان منتدى رجال الاعمال الإسرائيلي، الذي يضم نحو 200 من كبار قادة الاقتصاد هدد أيضا: في حال لم تحترم حكومة نتنياهو قرار المحكمة، وجرت البلاد نحو أزمة دستورية، فستدعو جميع المواطنين الى التوقف عن الامتثال لقرارات الحكومة بكل ما يترتب على ذلك، وسنعمل على شّل الاقتصاد الإسرائيلي بالكامل. حسب القناة ال"12" الإسرائيلية. وأيضا هددت شبكة "الهدد" الهيئة الإسرائيلية للتكنولوجيا الفائقة (الهايتك)، والتي تضم عشرات كبرى شركات التكنولوجيا وصناديق الاستثمار، ب" وقف عمل الشركات إذا لم تلتزم الحكومة بقرار المحكمة العليا، أو أي أمر قضائي بتجميد إقالة رئيس الشاباك، رونين بار."
نلاحظ مما تقدم، ان الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي فريد واستثنائي، حيث يقوم التناقض بين قطاع واسع من المجتمع والدولة العميقة ضد حكومة الائتلاف النازية، وهذا الامر لم يكن مسبوقا في تاريخ الدولة الإسرائيلية، ويهدد مستقبلها بكل مكوناتها، ويدفع بالانفجار الداخلي، الذي هو أشد خطرا على دولة إسرائيل من أي خطر خارجي آخر. لا سيما وان التناقضات لا تنحصر في اقالة رونين، وانما هي أعمق واشمل من ذلك، وللالتفاف على اقالة رئيس الشباك، تم دعوته أمس للاجتماع مع الكابينيت المصغر في محاولة لإيجاد مخرج من الازمة الحادة والعميقة، ولا أعتقد ان نتنياهو وائتلافه سيتراجعون عن اقالة بار ولا المستشارة القضائية، ولكن قد يتم التحايل على رجل الشاباك الأول بحل وهمي لإطفاء النيران المشتعلة في المجتمع الإسرائيلي، ومع ذلك، أي مراقب موضوعي لا يمكنه الاعتقاد، بأن الازمات يمكن حلها مع الائتلاف الحاكم، لأن حجم الازمات المترافقة مع رفض نحو 30% من ضباط وجنود الاحتياط الإسرائيليين من الالتزام بالعودة للخدمة نتيجة الانهاك، وللشعور بأن عودة نتنياهو لدوامة الإبادة على الشعب الفلسطيني لا علاقة لها بالقضاء على اذرع المقاومة، انما ترتبط ارتباطا عميقا بالحسابات الشخصية لنتنياهو وضمان بقاء ائتلافه الحاكم في سدة الحكم. لذا المؤشرات تشي بإقتراب انفجار الوضع الداخلي الإسرائيلي، كيف؟ والى أي منحى ستتجه الأمور؟ بالضرورة هناك مألات عدة يمكن العودة لها لاحقا.
[email protected]
[email protected]