أشعرُ بك تقرأ سطوري

بي دي ان |

13 سبتمبر 2023 الساعة 03:47م

الأسير
في ذاك اليوم دخلتُ أكثر السجون قبحاً على الإطلاق ...
أُبصرُ من نافذةٍ صغيرةٍ، أتفحصُ المكان جيداً ...
كأن أسوارَ السجنِ رُسِمّت بدقةٍ عالية ...
كما لو أن من خطّها بيده كان في أوشفايتس ...
جامدةٌ كحياةٍ صامتةٍ من حولي ...
كالعلقم ؟ مُرُّ الطعم، عسيرُ الهضم ...
جدرانهُ تعكُس الكآبة ..
كنتُ قد وصلتُ في منتصف النهار، شعرتُ بلهيبِ حرارة الشمس، تلفحُ وجهي ...
ساحقةٌ، وهجها لا يُحتمل .. حتى أني أسمعُ طنينَ رأسي من شدة الحر ...
وأحرف كلماتي تمتزجُ من شده التعب ...
لا أكادُ أتنفس إلا بمشقة ...
تارةً .. يسودُ صمتٌ طويل .. وتارةً أخرى أسمعُ أصنافَ الضجيجِ قرباً وبُعداً .. وأشعرُ بمخلوقاتِ صغيرةٍ تشاغلني وتستنزفني ...
أحاولُ النومَ نصفيّاً ...
وأستيقظُ على صوت سلاسل الأصفاد جراً ...
لن أحاولَ النومَ هنا أبداً ..
صورٌ تُحفرُ في الذاكرة وتكشفُ لي عن جوهرِ خبيث ..
أحاولُ طردَ الصور من ذاكرتي؟ لا أريدُ الاحتفاظَ بها، فهي مؤلمة ..
أحاولُ استردادَ نسياني من داخل أعماقي ..
أستحضرُ مُخيّلتي ...
وأرسم بريشة رسام لوحةً فنيةً ساحرة ..
وبجمال لا مبال .. تعكسُ أحلامي الوردية .. وذكريات جميلة عشتها يوماً مع الأحبة ..
ما أشدَ جمالها ..
أنتقلُ إلى مكان آخر ... هو نفس المكان .. الصورة والصوت والرائحة ...
إنَّها اللإنسانية .. إنَّها معابرُ السجون ..

أحمد ذيب دهيدي
سجن رامون