سموتيريش والمنطقتان والسلطة

بي دي ان |

13 أغسطس 2023 الساعة 12:30ص

الكاتب
كان وسيبقى واحد من عوامل التفجير لاقانيم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو زيادة وتعمق العنف والإرهاب الفاشي الصهيوني، ومن ابرزها عمليات الاستيطان الاستعماري في عموم الضفة الفلسطينية، والتي لا تقتصر على المنطقة المصنفة (ج)، التي تشكل ما يزيد على 60% من مساحة أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، وانما تمتد لتطال المنطقتتين المصنفتين (أ) و(ب) والتي توازي قرابة ال40% من مجمل المساحة، والتي يفترض ان تخضع إداريا وسياسيا وامنيا في المنطقة (أ) للسلطة الوطنية وحكومتها وفق اتفاق أوسلو. لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عموما وحكومة الترويكا الفاشية لم تكف عن العبث بكل بنود الاتفاق، وتصفي آثاره نهائيا. رغم انه بالأساس مشوه ومليء بالثغرات والنواقص، مما ساعد الحكومات الإسرائيلية بمواصلة الاستيطان، وتدمير أي أفق لبناء ركائز السلام الممكن على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.
ومع نشر وقائع الجلسة الخاصة للجنة الخارجية والأمن البرلمانية في مبنى الكنيست الطابق الثاني وفي الغرفة 2750 بتاريخ 19 تموز / يوليو الماضي بحضور وزير المالية، بتسلئيل سموتريش لوضع خطة لمواجهة ما سماه المجتمعون "سيطرة السلطة الفلسطينية على المناطق المفتوحة في الضفة الغربية، والرد الإسرائيلي على ذلك"، تتضح الصورة الاجلائية الاحلالية بشكل جلي تماما. وهنا نلاحظ كيفية قلب المعايير والمفاهيم، وخاط متعمد لمحددات الصراع، وطمس متعمد لحقوق أصحاب الارص الأصليين، وفرض المعادلات والاولويات والوصاية الصهيونية عليهم من قبل دولة الاستعمار الاجلائي الاحلالي، والتي تتناقض مع القانون والمواثيق والمعاهدات وقرارات الشرعية الدولية.
وتكريسا لفرض الهيمنة والسيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية طرح الوزير الثاني في وزارة الحرب الإسرائيلية خطة تعتمد أولا ادراج أفعال السلطة الفلسطينية بممارسة مهامها على المنطقتين (أ) و(ب) تحت بند "اعمال سياسية عدائية"؛ ثانيا وضع اليات عمل صهيونية من شقين: وقف البناء الفلسطيني في المناطق الخاضعة لها، بالمقابل مضاعفة البناء الاستيطاني التوسعي العدواني الإسرائيلي في المنطقتين باشكال وأساليب مختلفة وخاصة في المناطق المفتوحة، مترافقة مع زيادة عمليات هدم وتخريب للمشاريع الفلسطينية ومن قبل الدول المانحة بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي. وهذا ما عمقه عضو الكنيست عن الليكود، افيحاي بارون، ممثل المستوطنين في الكتلة البرلمانية، بان المطلوب مواجهة "الاستيطان الفلسطيني ووضع اليد الفلسطينية على الحيز المفتوح، أي على المنطقتين (أ) و(ب)، وبالتالي على حكومة إسرائيل التدخل للحؤول دون ذلك". وهذه المرة الأولى التي تعقد فيها لجنة مختصة في الكنيست جلسة تتعلق بالبناء الفلسطيني في المنطقتين (أ) و(ب).
وهذا انقلاب نوعي في معادلة الصراع، فلم تعد الحكومة الإسرائيلية تتحدث عن السيطرة على المنطقة (ج)، وانما على كل الأرض الفلسطينية بما فيها المنطقتين (أ) و(ب)، وهو خطوة متقدمة نحو عملية الضم لاراضي دولة فلسطين، وتنفيذا لقانون "القومية الأساس للدولة اليهودية" الصادر في تموز / يوليو 2018، الذي انكر على الشعب العربي الفلسطيني حق تقرير المصير في أي بقعة من ارض فلسطين التاريخية. وبالتالي أمسى التنصل كاملا من بقايا اتفاق أوسلو، بالتلازم مع العودة للتدخل في شؤون البناء والتخطيط داخل أراضي السلطة الفلسطينية. وتجلى التوجه الجديد في تقرير رسمي قدمته وزارة شؤون الاستخبارات في عام 2021، والذي نص على "ان تصرفات الفلسطينيين تتجاهل عمدا تعريفات المناطق (أ) و(ب) و(ج). وبناءً على ذلك، نوصي بأن يتم التخطيط لجميع الإجراءات الإسرائيلية التي ستشمل أيضا مراقبة (والرد على) النشاط الفلسطيني في المنطقتين (أ) و(ب)، مع التركيز على تلك المناطق المتاخمة للمنطقة (ج) التي لديها احتمالية [ان يكون لها تاثير أمني مستقبلي على المنطقة (ج).
وجرى في الجلسة حوار موسع تعرض للتفاصيل كافة، حيث كانت المنظمات الصهيونية الاستيطانية ترصد وتراقب السياسات الفلسطينية منذ عام 2006، وعمليات البناء والتوسع العمراني الفلسطيني وخاصة في المنطقة (ب) الواقعة بين بيت لحم والقدس، وتقدر مساحتها ب 3000 الاف دونم، وراجعوا بنود اتفاق أوسلو المتعلقة بالمنطقة (ب)، وما هو مسموح من الأراضي لأغراض البناء، وما هو مقرر للمحميات الطبيعية، التي تقدر بنحو 30%، وحسبهم لم تلتزم السلطة الوطنية بذلك، مما يعزز من قدرة إسرائيل على التدخل، ووضع اليد على تلك الأراضي.
دون الخوض في التفاصيل على أهميتها، فإن جوهر المخطط الصهيوني يتجه لضم الضفة الفلسطينية من قبل غلاة الفاشية الصهيونية، وتبديد السلطة الوطنية، وضرب عرض الحائط بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وتنفيذ الرؤية البرنامجية الصهيونية، التي طرحها سموتريش وأركان حكومة نتنياهو، تهجير الفلسطينيين الذين يرفضون الخيار الإسرائيلي، او قبول العيش كالعبيد تحت راية الدولة الاستعمارية؛ او قيام الجيش بتنفيذ مهمة الطرد.
ما اردته من العودة للموضوع، هو إصراري على طرق جدران الخزان الوطني، والتذكير بضرورة مراجعة الرؤية الوطنية بما يستجيب للتحديات الصهيونية، واستنباط معادلات سياسية وكفاحية جديدة قديمة تعيد الاعتبار للقضية ومنظمة التحرير والوحدة الوطنية والاهداف والثوابت الفلسطينية.
[email protected]
[email protected]