بناء الهيكل والبقرات

بي دي ان |

07 أغسطس 2023 الساعة 12:18ص

الكاتب
تقف إسرائيل اليوم على حقيقتها، بلا قناع، ودون مساحيق، وبدون رتوش، دولة مجبولة بالتزوير والاكاذيب الاستعمارية توظف الدين المثخن بالاساطير والخزعبلات لتجسد دورها الاداتي الكولونيالي الاجلائي الاحلالي، ولتضفي صبغة لاهوتية على جرائم حربها وفاشيتها، ولتحرر ذاتها من آخر بقايا الليبرالية الغربية، وتنزع عنها خرقة الديمقراطية الممزقة والمهترئة لتغوص في وحول الثيوقراطية، التي باتت تزكم انفاس بقايا العلمانيين الصهاينة، بناة ركائز الدولة اللقيطة والطارئة في التاريخ والجغرافيا، والمدعومين من قراصنة الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب الامبريالي بقضه وقضيضه.
وهذا التطور في صيرورة المشروع الصهيوني، لم يكن له ان يكون غير ما هو عليه الآن. لانه مكون من مرتزقة، ومن ادعياء حماة الدين اليهودي، ومن مجموعات اثنية لا تربطها صلة ببعضها البعض الا الابعاد النفعية وتحت يافطة الصهيونية والدين، الذي اغتصبته، وحولته بقدرة قادر الى "اثنية". رغم انه يتنافى مع ابسط معايير الاثنية العلمية. وبالتالي هذا البناء المشوه واللقيط، الذي لا يملك جذورا تاريخية ولا تراثية، ولا عمقا انثروبولوجي، ولا حتى اصالة دينية بالضرورة سينتج بناءً عقيما، مشبع بالتناقضات، والافرازات والظواهر غير الطبيعية، التي تهدد المجتمع المفبرك والمجتمع الاصلاني على حد سواء، وتحول الإقليم الى مختبر لحروب وفوضى لا تنتهي الا بانتهاء تلك الآفة واخطارها.
من نماذج الهيمنة للصهيونية الدينية على المجتمع الإسرائيلي أولا الانقلاب القانوني؛ ثانيا تلفع الدولة بالثوب الثيوقراطي؛ ثالثا حرف الصراع الى صراع ديني محظ؛ رابعا الفصل النسبي بين الدولة الوظيفية الاستعمارية ورعاتها الدوليين من الغرب الرأسمالي؛ خامسا إدخال الدولة في حروب مزدوجة اهليه ودينية في آن؛ سادسا خلق شروط انهيارها واضمحلالها
ومن علامات التهود الصهيوني إشراف حكومة الترويكا الفاشية على رعاية مشروع البقرات الخمس الحمراء من الولايات المتحدة في الخريف الماضي بعد توليها الحكم، وكان مدير عام وزارة شؤون القدس، هو من اشرف على نقل البقرات لإسرائيل بالطائرة، وذلك تمهيدا لحرقها على جبل الزيتون المقابل للمسجد الأقصى إيذاناً ببدء طقوس إقامة "الهيكل الثالث" المزعوم على انقاض المسجد الأقصى المبارك، وفق ما ذكرت القناة الإسرائيلية (12) يوم الثلاثاء الموافق الأول من آب / أغسطس الحالي.
وكشف تحقيق جمعية "عير عميم" ان مسؤولين في الحكومة السادسة ومن أحزاب الائتلاف الحاكم انضموا العام الماضي وقبيل تشكيل الحكومة الى نشاطات "منظمات الهيكل"، وشاركوا في مساعدتهم لجلب البقرات الحمراء لإسرائيل. لان هذا خيارهم، ومشروعهم الديني المؤسطر. ولتحقيق جريمة حربهم، تم تعاون وزارة "التراث" برئاسة الوزير عميحاي الياهو، من حزب "القوة اليهودية" المؤيد ل"منظمات الهيكل" بتمويل خططها ومشاريعها من سلطة الاثار.
كما وساعد الياهو بتوفير منطقة اثرية في الضفة الغربية المحتلة، وتخصيصها كمركز للزوار بهدف إنشاء مزرعة لتربية الابقار، وذلك بالتعاون الوثيق والمتواصل مع المعهد الاثري في الإدارة المدنية التابعة لسلطات الجيش الإسرائيلي. أيضا شارك المدير العام السابق لوزارة "التراث" نتنئيل إبزك ك"ضيف شرف" في نشاط أقامته "منظمات الهيكل"، حينما قامت بجلب البقرات الخمس خلال الخريف الماضي. ولم يتخلف المدير العام السابق لوزراة الزراعة في تقديم المساعدة من اجل التعامل مع اللوائح التي تحظر استيراد الحيوانات الحية للبلاد، ويظهر بأن استيراد "البقرات الخمس" لإسرائيل المخصصة ل"منظمات الهيكل" لم يتم وفقا للوائح الوزارة، التي حددتها بنفسها من اجل منع انتشار الطفيليات والامراض.  
ولتحقيق هذه الهلوسة اللاهوتية المفبركة، رصدت الحكومة الإسرائيلية ميزانيات لجمعيات استيطانية لتمويل مشروع "البقرة الحمراء"، الذي يهدف الى "بناء الهيكل" المزعوم مكان مسجد قبة الصخرة في باحات الحرم القدسي الشريف، وتقدر الميزانيات الاولية المرصودة بعشرات ملايين الشواقل.
ويأتي مشروع "البقرة الحمراء" بحسب المعطيات التي كشفتها جمعية "عير عميم" في تحقيقها، بتنظيم وإشراف من "معهد بناء الهيكل"، الذي يستثمر الجهود والأموال الكثيرة للعثور على "البقرة الحمراء" والتي من خلالها سيتم تنفيذ بعض الطقوس الدينية والضرورية لبناء وإقامة "الهيكل" المزور، والذي يتم بالتعاون الوثيق مع منظمة "بناء إسرائيل" من عامين خلت.    
ولهذا الفعل الاجرامي أقام المستوطنون في مستوطنة "شيلو" شمالي رام الله مهرجانا مؤخرا والذي يحاكي بناء "الهيكل الثالث" المزعوم على أنقاض مسجد قبة الصخرة، حيث اشتمل المهرجان على فقرة حرق بقرة حمراء قبيل البدء ببناء "الهيكل".
وخلصت جمعية "عير عميم" ان تبني حكومة الصهيونية الدينية الفاشية لمشروع البقرة الحمراء يجعل منه مشروعا غريبا وخطيرا. لا بل انها شهادة خطيرة، ومثال على كيفية اندماج، وليس مساعدة فقط، الحكومة لاكثر عناصر الحركات المتطرفة ليست مقتصرة على هذا المشروع فحسب، ولكنها تستهدف أهدافا بعيدة المنال. انها تشعل النيران المتقدة في الأرض الفلسطينية، وتدفع الصراع بقوة الى اتون الحرب الدينية، وتنزع عن إسرائيل كل المساحيق الكاذبة، وتعري سادتها في الغرب الرأسمالي وخاصة في البيت الأبيض، بأن صنيعتهم ليست سوى قنبلة تهدد مصالحهم الحيوية بالدمار، وتقتل كل من يقترب منها وخاصة عرب التطبيع المجاني، الذين سيدفعون الثمن غاليا.
مشروع البقرات الحمراء، يستدعي من صناع القرار الفلسطينيين الاستعداد لسيناريوهات ذبح البقرة الحمراء، وما يعقبها من تداعيات خطيرة على مجرى الصراع خلال الشهور الخمس القادمة مع نهاية العام الحالي.
[email protected]
[email protected]