كوبا رافعة النضال اللاتيني

بي دي ان |

30 يوليو 2023 الساعة 12:10ص

الكاتب
ونحن نحتفي بذكرى الثورة الكوبية الرابعة والستين، وانتصارها بقيادة الزعيم فيدل كاسترو على نظام باتيستا في مطلع يناير 1959، وما حققته من إنجازات وطنية ولاتينة واممية، وما شكلته من شوكة في حلق الولايات المتحدة الأميركية، وصمودها البطولي على مدار عقود كفاحها ودفاعها عن خياراتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وقبل ولوج دائرة الاشعاع لتراثها الثوري، لا غضاضة من القاء لمحة عن بعض محطات تاريخ كوبا لسبر اغوار اكتشافها وسيرورة تطورها، لما لذلك من أهمية في الزمان والمكان، الذي انعكس إيجابا على الصعد المختلفة.    
كانت حملة كريستوفر كولمبس البحرية للبحث عن العالم الجديد والذهب في آن عام 1492 نقطة تحول في حياة كوبا المكتشفة مع الحملة، الذي اعلن تبعيتها للتاج الاسباني 1511، والشروع باستيطانها من قبل الاسبان، ثم دفعوا اليها مجموعات من المستعبدين الافارقة لاستخدامهم في مخططهم الاستعماري. ونتيجة تفاقم الاستغلال ثار الكوبيون ضد الاسبان عام 1812، ومن ثم نظم سيمون بوليفار وبعض الزعماء المكسيكيين جيشا لتحرير كوبا وبورتوريكو من اسبانيا عام 1926. لكن الولايات المتحدة حذرتهم بانها ستقف الى جانب اسبانيا اذا ما نفذوا خطتهم الثورية. الا ان شهر العسل الأميركي الاسباني انتهى مع تفجير البارجة الأميركية مين عام 1898، وعلى إثر ذلك نشبت حرب بينهم 1898 التي انتصر فيها الجيش الأميركي، وجرت مياه كثيرة في الصراع بين الاميركيين والنخب السياسية الكوبية، الذين ارغموا اليانكي الأميركي على الرحيل عن بلادهم 1906، وصولا لنظام باتيستا الذي تولى الحكم غير المباشر عام 1934، وفي عام 1938 بعدما استقال من الجيش كمقدمة لترشحه للرئاسة دعا لسن دستور جديد، وتم انتخابه عام 1940، ومع انتهاء ولايته غادر كوبا لاميركا عام 1944، ثم عاد في 1948 وترشح عام 1952 للانتخابات التي اوشك ان يخسرها فتحالف مع الجيش وانقلب على حكم الرئيس كارلوس بريو سوكاراس، ليتولى الحكم حتى رحيله نهاية عام 1958، وحظي نظامه القمعي، الذي انقلب على دستور 1940 الذي سنه بالتعاون مع الحزب الشيوعي الكوبي بدعم ورعاية واشنطن، ومارس ابشع اشكال التعسف السلطوي على الشعب الكوبي، وفتح أبواب كوبا واسعا امام الشركات الأميركية لتستحوذ على مقاليد الاقتصاد الكوبي، وتنهب ثرواته، الى ان تمكنت الثورة الكوبية من هزيمة النظام المأجور، وهروب الديكتاتور حليف اميركا الى جمهورية الدومينيكان.  
زعيمان ملهمان للثورة الكوبية وللثورات اللاتينية الأميركية عموما، هما سيمون بوليفار الزعيم الثوري الذي لعب دورا مهما في مطلع القرن التاسع عشر، وخوسيه خوليان مارتي بيريز، المفكر السياسي والفيلسوف والشاعر والصحفي الكوبي، الذي استلهم أفكاره ورؤاه الثورية من أنطونيو غرامشي، مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي، ويعد احد الابطال الوطنيين ورسول الاستقلال الكوبي وتوفي عام 1895.
سلسلة طويلة من التطورات شهدها القرن التاسع عشر ونصف القرن العشرين في حياة الشعب الكوبي، احتلت فيها ثورة 26 يوليو 1953 بقيادة المحامي الشاب فيدل كاسترو محطة نوعية في سيرورة وصيرورة القلعة الكوبية، عندما حاول مع 120 رجلا وامرأتين الهجوم على ثكنات المونكادا الواقعة في مدينة سانتياغو دي كوبا، لكن محاولتهم فشلت آنذاك، ومن بين 120 مناضلا نجا ستين، واعتقل آنذاك فيديل، والذي لم يسمح له بتعيين محامي، فدافع عن نفسه وعن رفاقه في مرافعة تاريخية بعنوان "التاريخ سوف يبرأني"، وحكم عليه خمسة عشر عاما، لكنه بعد سنتين تم الافراج عنه نتيجة ضغط المعارضة الكوبية، وتم نفيه مع شقيقه ورفيقه راؤول واخرين الى المكسيك، ثم عادوا في نهاية عام 1956 الى جبال سييرا مايسترا على متن قارب، وتمكنوا من هزيمة الديكتاتور باتيستا ونظامه.
وكان فيدل كاسترو اقترح خمسة ركائز لبرنامج الثورة: إعادة السيادة للشعب من خلال إعادة العمل بدستور 1940، منح الفقراء المستأجرين للأرض حق ملكيتها، مشاركة العمال بنسبة 30% من أرباح الشركات التجارية الكبرى، منح 55% من محصول قصب السكر للفلاحين، مصادرة أموال الحكام لتعزيز صناديق التقاعد والمستشفيات ودور رعاية المسنين.
وركز على ست قضايا أساسية اسماها مشاكل، هي: الأرض، الصناعة، الإسكان، البطالة، التعليم، الصحة، بالإضافة الى أموال باتسيتا، التي نهبها من الشعب، وجميعها كانت عناوين أساسية في مرافتعه التاريخية، وشكلت نبراسا لثورته الرائدة في كوبا. وتمكن النظام الثوري من تحقيق إنجازات هامة على مختلف الصعد، وبنى جيشا ثوريا، ودعم ثورات التحرر الوطني في اميركا اللاتينية وافريقيا واسيا، وكان للثورة الفلسطينية نصيبا مهما من دعم الثورة الكوبية وحتى الان.
ومن خلال تبنيه الفكر الماركسي اللينيني، ارتبط بعلاقات وطيدة وراسخة مع الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية والصين الشعبية، ولكنه ميز طابع النظام والثورة الكوبية بخصوصية أبعدته عن استنساخ التجربة الشيوعية في كلا النظامين المركزيين السوفييتي والصيني، وشق طريق الاستقلال، كما وساهم في تأسيس وتعزيز مكانة منظومة دول عدم الانحياز. ورغم تنازله طوعا عن رئاسة الحزب الشيوعي الكوبي والرئاسة عام 2008 لشقيقه راؤوول، الا انه وجيفارا بقيا رمزين ملهمين لثورات وقوى الثورة في اميركا اللاتينية، وشكل دعامة حقيقية لثورتي نيكاراغو وفنزويلا، وداعما لقوى اليسار في البرازيل وتشيلي وغيرها من الدول والشعوب الحالمة بالانعتاق والتحرر من ربقة التبعية والهيمنة الأميركية والرأسمالية في الغرب عموما.
في ذكرى الثورة الكوبية العظيمة تنحني كل الهامات التقدمية والمؤمنة بحرية واستقلال الشعوب، وتحقيق العدالة الاجتماعية امام إنجازاتها وعطاءها اللا محدود. لانها مازالت منارة من منارات الحرية لشعوب الأرض قاطبة.
[email protected]
[email protected]