رضينا بالهمِّ؟!

بي دي ان |

27 مارس 2023 الساعة 12:30م

الكاتب
- بينما كنت أزور أحد الأصدقاء فتساءل، ومذاق القهوة السادة ما زال يجري مع ريقه: أين المقال الساخر... زمان عن الكتابة الفكاهية المباشرة؟! فقلت: معك حق، ابو عمر، مُعاناتي في هذه الناحية تستحق الرثاء. والفرار منها جهدٌ ضائع،  فمرض الكتابة الساخرة مثل السياسة بطيء الشفاء؟! وأن جو سياستنا لا يتقبَّل من الحديث إلا السخرية والعبث، ولكل عصر شياطينه، ثم يحاول القلم الساخر أن يصرفها فيفشل؟! ثم نعود إلى نقطة الصفر! فصبرنا حتى انقلب الصبر رذيلة والتمني عاهة! فأينما تولِّ وجهك تسمعْ تنهُّدَ شكوى أو تَرَ تجهُّمَ كدر. ولم يعد هناك ما يعني السادة ما نكتب، وكأنهم وصلوا لمرحلة عدم الاكتراث؛ وأننا نحرث في بحرٍ  كما يقولون؟! لكن للصبر حدود؛ وكل شيء بمشيئة لله. وتذكَّرتُ المقال يا صاحب المقام.

- أهل زمان قالوا: الحق حبيب الله. موسى نبي .. عيسى نبي .. محمد نبي.. وكل حي  وله نبي، وكل من له نبي يصلي عليه؛ وصدق من قال: قيراط حظ ولا فدان شطارة! وليس على المسؤول حرج، فالاستبداد حق مشروعا! أما الكلمات فلم يكن من الميسور علينا  هضمها. وهي كلمات لا يعرف مدى الصدق فيها إلا لله، فقال: مهرجون، ماذا فعلوا للبائسين.. فيقول ساخرًا: السياسيون يقاسمونهم الخيرات، ويضحكون علينا بالخطب.. يا عيب الشوم؟!  وهذا ما سوف نجده من خلال هذا الحوار المعتبر ...  شيئًا يستحق أن يُسمع للسيد المسؤول كمال قارون مع مدير مكتبه محجوب فذلكة، فمن الممكن أن يكون وزيرًا، وكيلَ وزارة، أو بتاع احزاب ومواقف؟ أومن جماعة كل الخيارات مفتوحة؟! أو الجدع التخين  صاحب الخيار الاستراتيجي، والبلح التكتيكي، أو شيئًا من هذا؟!

-  على أى حال .. هو سكرتيره، منذ خمسة عشر عاما، وباشر أعمالَه بالأسلوب الذي تعوَّده وأَلِفه وصار قطعةً من صميم حياته، وأشفق من أن يفقد مفخرته الوحيدة  في الدنيا، وهي  مدح ونفخ السيد كمال قارون، صاحب الخيار الاستراتيجي الكبير! و ما يزعم من التفوق على الأقران، في هذا الميدان! حيث الخُطَب تُلقى والهُتاف يتصاعد. وعلى المسرح مهرجون، أرجوزات يصرخون دائمًا في لهجةٍ خطابية رنانة، لا اعتراضات ولا انتقادات..!!
-  ينبغي لمن حَظيَ بذاك المنصب، أن يربوَ حظه على حظوظ الناس جميعًا، فينتهز الفرصة المواتية ليطفو فوق السطح. لتصبح الكلمات همبكة والحروف فذلكةً، و في طياته المقالة مع المسرحية، كمادة صحافية ساخرة. واختلط الحوار بالمهزلة..! ولا يشعر السيد قارون  بهمومه وتأنيب ضميره، ولكنه ظريف وابن حلال، ومن السهل أن يصل إلى عقل وقلب كل إنسان، ويحاكيه عما يحدث داخل أروقة سلطات يحترفون البهلوانية! والتقسيمات الحزبية والسياسية والمالية التي فرقت فئات الشعب إلى هذا وذاك؟!  نعم يا معالي الكرسي الدائم، إن آمالي مشرقة بتعليماتكم . و مثل المسؤولية التي جاءت اليك بغير علم ولا تدبير؟! فساد الفساد، والصمت المريب، ينطح الصخر ويقبض على الهواء.

-  غير أنه توهَّم دائمًا أنه عبقري زمانه! فأي سخرية..! وعلى أي وجه من الحياة يعيشون خلف تلك الجدران الهائلة، من النفاق والمصالح والكذب، والصدام المضحك المبكي بين موقفين؟! فَلْتعجب بهذا الحوار، بقدر ما تحنق عليهم، بعد ستة عشر عاما من الفساد والانقسام والخراب. وصلنا لمرحلة السادة العابثين؛ مخزونا لخردة و المهاترات ، وشعارات لا تقدِّم ولا تؤخِّر؟! وكلما قطعنا شوطًا نظرنا خلفنا فنرى.. لا شئ؟! فالمركب له مائة ملاح؟ غرق.. يئس.. غرز .. وسكت؟! و حشدٍ مبعثر من المصالح والمواقف والأحداث.. فلكِ الرحمة يا وطني، ويحيا الصبر والانتظار.

-أما السيد السمين ،كمال قارون، كمن تجدد للتوِّ شبابه.! فتضاعف النشاط، فمن أين تجيئه القوةُ المتجدِّدة؟! من دوافع النشاط والاجتهاد والتطلُّع إلى المجد، أم من المنصب و عظمته ؟ إذ كان السيد قارون يتبوا من نفسه مكانة المثل الأعلى في كل شيء، فالخير خير بالإضافة إلى أفعاله، والجميل جميل على قدر مشابهته لقراره. إلى آخر الاسطوانة المملة والمكررة من المحسوبين عليه والعائشين على فُتات مائدته، ويغريه بالأمل أنه المسؤول الوحيد المقرب و القريب. وأرق من النسمة وأجمل من ملاك، و من زهور المشمش والخوخ والبطيخ والتين؟ وأنه وسيم الطلعة جميل القسمات على رغم كرشه. لا سمح الله، فمساحة بطنه تشبه خريطة آسيا!

- إنه صاحب أعظم معدةٍ شعبية. والسيد محجوب يغريه بالأمل، أبني آمالًا على رمال. فمن يدري، ومن يعرف جوابه من سؤال؟!  أهي مسألة لا مسؤولية؟ فمن يعترض السبيل؟! و خالك مسئول كبير يدعي كمال قارون؛ ففي  الحركة بركة والحُسن للتدبير؟! من أي جريمة هرب؟ وهل تتم جريمة بغير السيد قارون؟ من كان يتصوَّر أن الآمال الكبار يمكن أن تتلاشى كقبضة من غُبار؟ فيسكب الدموع، واستدرار عواطف وأمال، شادية أو جمال فإخوانك جمهور كوميدي قابل للاستغلال. بحكم الصمت المطلق.. والخوف الأرزاقي؟! بين نكتة بايخة سمجة، وبين مجموعة تلعب بمصالح قضية لعب الهواة بالكرة؟ فالقبضة حديدية، وأشواكهم مؤذية، وإن من كان لا يمتلك، أضحى الآن من الأثرياء؟! وصدق من قال: رضينا بالهمِّ، والهمُّ لا يرضى بنا!

- قال: فيمَ تُفكر العصابة الآن، مقابل إمبراطورية اللصوص.؟! فقال ساخرا :ضربوا الأعور على عينه! هات أيدك.. يا لها من وثبةٍ خرافية فوق مسرح القضية ... سنسير معًا؟! فالمسرحية لا تُكتب لغير ما سبب! و يرحم أيام زمان! وددنا لو تُقلِّد الحياة الفن ولو مرةً، وأن نشهد مسرحية من مسرحيات الريحاني، او يبعث مسرح يوسف بك وهبي من جديد؟! فقال له : أعطني قلمك، فكتب: ملعون جنابك، ملعون كمان اللى جابك؛ ملعون قطيعك، على اللى فكر فى يوم يطيعك على اللى سابك تنشر ذبابك. ولم ينتبه إلى أن القلم لا يكتب؟!

 - فقال مقهقهًا: ما رأيكم ؟! ما أوحشَ الحياة من غير ضحكتك،و لا تُحمِّل صحتك فوق طاقتها، سبق أن قلنا لك. يا ولي الأمر إنكِ لستِ كالأخرين ؟ أنت فوق القانون .. أنت السيد قارون. والسادة لا يراقبون، أنت الحل الوحيد، أنت العمر المديد، أنت درعا وسيف ... عزيمة مُتوثِّبة للنهب الشديد، لن يقول لك الشعب: هذا فراق بيني وبينك. ولن يحرجك أحد بالسؤال عن معنى هذا أو ذاك. وما أكثر أيام وطن أذاقته طعم المر والبكاء.

- تسكب السمَّ في دمه والمرارة في ريقه، فلا رقابة ولا رقيب، ولا مسؤولية ولا هيئة للتفتيش؟! ولمَّا كان لا يوجد أساس للتقييم، فلن يهزَّك من يخفضك، وستجد من يرفعك. فأنت السيد قارون، أموال من غير حساب، كباش من غير قرون؛ ومن عنده رأي آخر فليتكلَّم، فظهورنا حديد قبضتنا الحزب الرشيد؛ مات الخيال والخيل والخيالة، ولم يبقَ في الرأس من شئ جديد،  طريقنا معكم، من مجهول لمجهول إلى مجهول، نسير كالحلم الذي يُنسى عقب الاستيقاظ. لكن بفارقٌ كبير؟!

- بين الحقيقة والخيال، مصالح تلمع كالموت، لكن بلباس جديد؛ معروفة المسؤولية رائحتها دسمة شهية. نصبو بك ومعك، نسير نحو الهاوية؛ يدك إكراميات يا صاحب الكرامات... أنت  يجوز ولا يجوز، وعما يجب أو لا يجب، على حين ينشغل اللصوص بتوزيع الغنائم. لسانك لا يَنطِق إلا فكرا صديد؛ أستعيذ بالله وبكل صاحب كرامة لتبديد ظلمات هذا الليل الطويل، يا أسوأ النكسات طريقينا بك ومعك، مظلم مقفر ،الظلام بلا نهاية، وكل يوم نكبات، نقهقه على المقهقهين؟ يصح طاحونة تجعجع لكن من غير طحين؟! بيدك لا بيد عنتر أجندتك الخارجية، فيمينك شمالك وعجافك سمين؛ نقدية للحواة ... شيكات  للدجالين، فيعقل الألسنة، ينفس منفوخين، تعليمات مالية مكافآت تشجيعيةً، ابصم على الشيكات ابصق على الجبهات، وقع للدجلين، فتحارب الكلام، لملايين السنين بحكم مالي خارق، حارق لكل جبين؛ فلنقرأ الفاتحة يا سيد المسؤولين.

أما زلت تُصدِّق الأكاذيب؟ فابتسم ابتسامةً غامضة، كمَن يستيقظ على ضربة في أمُّ رأسه فقال: ولكن أحينا الراي العام ... لا يخلو من قلق؟! ولمَّا لم يتحرَّك لسان أو طيف انسان، يا ولي النعم؟! هيهات أن يعترض، صامت وكأنه يتخذ من الصمت شعار احتجاج صارخ على وضعه ومصيره؟! ولكن أين الشعب؟ يعيش الشعب.. أحنا الشعب؛ كالنغم الرنان في الة فرغت تحت يد الضاربين.

- لم يلتفت أحد والسادة مشغولين، الناس صامتين ، مساكين، شهداء، شهود، اسرى، جرحي و مظلومين، وفي الحصار  الصمت جميل، وجوههم الشاحبة، أيام الانقسام كلها، قطران وطين، أجمعنا على أننا طيبون، طيعون، مطيعون، طبيعيون، راضون، قانعون، لا يشيننا شيء، وأن الأخلاق التي تَديننا أخلاق، لطيفة من الزمان السحيق؛ لكن على باب لله! وربنا يعوض صبرنا خيرًا.

- فقال : طيب .. الرأي العام؟! لا سمح لله. لا عام وغريق، لقد انتهى. لا تعني الرأي العام.. لا رأي عام، ولا رأي خاص، لا رأي رشيد، ولم يعُد يدري... ولن يدري. لم ينبس أحد بكلمة.!! يُضحّكُون .. يهتفون يبكون، ويردِّدون الشعارات، ثم يقتلون، أيام تعبد الموت، شخصياتهم نسخ مكررة الواحد كالآخرين.

- على حين ينشغل اللصوص بتوزيع الغنائم؛ وكما تعلمون فكل عظيم يهون؟!  ترى أمَا زال يتألَّم... هل يتكلم؟ ألم يعرف لماذا وكيف قُتل؟ أو لماذا وُجد؟ أم انتهى إلى الأبد؟ وهل نضمن الحياة يا ولي النعم؟!  كأن شيئًا لم يكن..!! سيتحوَّلون بعد قليل إلى رماد وعظام و برادة للحديد؛ كم عدد أصحاب الملايين؟ والمناصب والوظائف لأبناء الحزب الرشيد، والأقارب والأصهار والطفيليون. والمُهرِّبون، هم في غاية الراحة. نحن في غابة البطالة وسط  معتقل شمشون، الفقراء والمحرومين؛ إنهم يحلمون بالعالم الآخر.

- ولا يجدون ملجأً إلا في رحاب الفقر المبين. الناس مساكين  ركبهم صمت مريض؟! من عصر سحيق بعيد؛ ولسنا أطباء.. فلكل امام مسعاك  هاموش على الطريق. فسير إلى الأمام. آمالنا متعلِّقة بك فأنت لجيل الجديد. انت انسجام شامل في الحاضر و المغيب؛ لن يحاسبك أحد, لا شعب.. لا أخ.. لا عدل .. لا شيخ أو زعيم. فالعدل هنا راقد، في جيب فهمي فهيم ولا شيء يدور بيقين في  الليل اسود  بهيم... أين الصدق في الظلام؟ والعدول عن العدل! فلنقرأ الفاتحة. كلامُك دائمًا حلو. أستغفر الله العظيم؛ الويل للمُنتمين.