التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا وتداعياته على إقامة الدولة الفلسطينية وسبـل المواجهة

بي دي ان |

14 فبراير 2023 الساعة 01:29م

الكاتب
هكذا عنون كتابي الذي صدر بالعام 2021م، في دار فنون للطباعة والنشر والتوزيع، بالقاهرة، والذي يعتبر الطبعة الأولي مـن تلك السلسة " شؤون أفريقية" التي أميل للكتابة بها بتتبع المستجدات من توغـل إسرائيلي مستمر كما هـو واضح في هـذه القارة.
لم تعـد القضية الفلسطينية قضية مركزية تلقى اجماعا من الدول الأفريقية كما كانت عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وبدأت دول القارة بشكل متفاوت بقبول اسرائيل كجزء من المنظومة الدولية دون الاشارة لانتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني ومخالفتها للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة خلافا لما كان عليه في السابق، لا شك أن التحول في مسيرة القضية الفلسطينية والتطورات السياسية على الساحة العربية والتغيير المستمر في بنية النظام الدولي وظهور نخب حاكمة في أفريقيا بمفاهيم وأولويات مختلفة، ساهم نوعا ما في اعادة تأسيس العلاقات مع اسرائيل من منظور مختلف وبصورة غير معهودة، كما حدث مؤخرا بالسودان التي كانت من أشد الدول الغير مؤيدة لإسرائيل، ولكـن باختلاف النخب الحاكمة في افريقيا والاولويات المختلفة تم زيارات دبلوماسية اسرائيلية للسودان حديثا مع الرئيس الانتقالي عبد الفتاح برهان، ودولة تشاد حديثا والتي افتتحت سفارة لها في تل أبيب، ومن جهة أخرى ركزت منظمة التحرير الفلسطينية نشاطها السياسي والدبلوماسي وحتى الاقتصادي في القارة من خلال التأكيد على الروابط المشتركة والزيارات المتكررة للرئيس ياسر عرفات ولقائه القيادات الأفريقية وفتح مكاتب تمثيل للمنظمة واقامة المشاريع الاقتصادية منها، ومرحليا تفتقد القيادة الفلسطينية الى استراتيجية واضحة في التواصل مع أفريقيا والاستفادة من الحلفاء التقليديين والتاريخيين لصالح الحقوق الفلسطينية، بينما تقع منظمة التحرير الفلسطينية في مأزق سياسي كبير يتطلب منها تجديد الدماء وصقل قيادات شابة تعيد حيويتها من جديد، بينما سياسة الجمود وعدم تجديد الشرعيات والمؤسسات الوطنية والرفض الدائم للتغيير دون وضع استراتيجية وطنية بديلة لهذا الرفض بوعي أو بدون وعى حقيقي لصعوبة الموقف الفلسطيني والمتغيرات الاقليمية والدولية المتسارعة وتداعياتها على القضية الفلسطينية سيضع المستقبل مجهول بأيدي فلسطينية، واخرها توجه عديد من الدول العربية والأفريقية العربية للتطبيع مع إسرائيل كما نرى اليوم.
لا يعـد الاهتمام الاسرائيلي بالقارة الأفريقية حديث العهد اذ سعت اسرائيل الى تطبيع علاقاتها مع الدول الأفريقية منذ تأسيسها العام 1948م، لما تتسم بها من أهمية استراتيجية وسياسية وإقليمية، وخلال هـذه الأعوام تفاوت مستوى العلاقات ما بين الانقطاع والتنامي التدريجي وصولا الى العلاقات الوثيقة، كما أن اهتمام الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بالعلاقات الأفريقية يتصاعد ويتراجع حسب سلم الأولويات لكن منذ مجيء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى رئاسة الحكومة العام 2009م، وخاصة خلال ولايته الثانية شهدت العلاقات الاسرائيلية الأفريقية تطورا ملحوظا تجسدت في الزيارات التي قام بها الى أفريقيا وهي الأولى من نوعها لرئيس وزراء اسرائيلي منذ 50 عام، أعلن خلالها أن " اسرائيل تعود الى أفريقيا وأفريقيا تعود الى اسرائيل" تلتها ثلاث زيارات مشابهة شارك في واحدة منها في القمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(أكواس) في ليبيريا في العام 2017م، كأول زعيم غير أفريقي يدعى لحضور القمة في حدث غير مسبوق، كما شهدت هذه الفترة زيارات متعددة لزعماء الدول الأفريقية الي اسرائيل واستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد قترة من القطيعة مع غينيا في عام 2016م، وتشاد في العام 2019م – 2023م، بينما افتتحت تنزانيا سفارة لها في اسرائيل العام 2018م، لتصبح الدولة الأفريقية الخامسة عشرة لها بعثة دبلوماسية في إسرائيل، كما أصبح لإسرائيل 11 بعثة دبلوماسية في القارة بافتتاحها مؤخرا سفارات في روندا العام 2019م، ويدل ذلك على تنامي وتعزيز العلاقات الاسرائيلية الأفريقية مع أن هناك دولا عربية في القارة الأفريقية وعلى الرغم من عمق العلاقات الفلسطينية مع دول القارة تاريخيا فان الأعوام الأخيرة شهدت تراجعا ملحوظا الأمر الذى أثر عليه الجذب الاسرائيلي لهذه الدول من خلال مداخل اقتصادية وأمنية وتنموية وظهر ذلك خلال التصويت الأفريقي لصالح اسرائيل في الأمم المتحدة والوقوف علي الحياد في قضايا تتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي وتراجع دور السياسة الخارجية الفلسطينية داخل القارة السمراء بشكل ملحوظ أوعز من خلاله مندوب فلسطين لدى الاتحاد الأفريقي ذياب اللوح في شباط 2019م، الدول العربية الى مواجهة التغلغل الاسرائيلي في أفريقيا موضحا أن ذلك يحتاج الى تعاون عربي مشترك وخاصة من مصر صاحبة الدبلوماسية الناعمة وما لها من علاقات وطيدة مع الدول العربية والأفريقية. 
الاشكالية: كانت القارة السمراء تاريخيا أبرز الداعمين للقضايا العربية والفلسطينية على حد سواء، في أفريقيا توجد 10 دول عربية تحتل مساحة 71% من القارة ويعيش 68% من سكان الوطن العربي في القارة الأفريقية، كما ان القارة تشترك مع العالم العربي ومع القضية الفلسطينية في حالة النضال المشترك، انعكست كل هذه التقاطعات مع مواقف دول القارة في دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، حيث كانت القارة وزنا تصويتيا لصالح فلسطين، تضم القارة 54دولة، بالإضافة الى الصحراء الغربية المتنازع عليها، وقد حدثت خلال الأعوام الأخيرة فجـوة في هذه المواقف أبرزها تدشين اسرائيل علاقات دبلوماسية مع دول القارة ( توغو، تشاد، أوغندا، كينيا، روندا، أثيوبيا، غانا، كوت ديفوار.. وغيرها) والزيارات المتبادلة بين زعماء دول القارة ونتنياهو وتشكيل لوبي موال للقارة السمراء في الكنيست العام 2016م، عدا عن الاعلان عن قمة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بمشاركة نتنياهو، وتنحصر الأسباب الأساسية للمشكلة في أربع محاور: محور سياسي: يتمثل في تراجع الدبلوماسية العربية والفلسطينية في أفريقيا: تراجع التأييد الأفريقي للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية الذي يظهر بوضوح من خلال التصويت الذي تأثر بشكل كبير بعد توقيع اتفاق اوسلو، حيث تم تجاوز القطيعة الدبلوماسية مع اسرائيل وجرى تعزيز الزيارات المتبادلة بين الطرفين، بالمقابل تراجع عدد من الدول الافريقية عن الموقف المساند للقضية الفلسطينية.
محور اقتصادي: يتمثل في ضعف العلاقات الاقتصادية العربية الافريقية: ارتفع حجم التبادل التجاري الاسرائيلي مع افريقيا وتقديم الدعم المادي والتنموي، من خلال امتلاك استراتيجية رؤية استشرافية واستباقية للاحتياجات الافريقية التي تتغلب فيها اسرائيل على الدول العربية من خلال زيادة حجم الاستثمارات الاسرائيلية في أفريقيا، والشركات الاسرائيلية الأفريقية ما يزيد من اعتماد أفريقيا على اسرائيل لتصبح تابعة لها ومحاصرة منها.
محور أمني: يتمثل في تضييق الخناق على الدول العربية: يتم من خلال تصدير السلاح من اسرائيل الي الدول الأفريقية، ودعم الأنظمة فيما يسمى بمكافحة الارهاب، وتشكيل خطر على الأمن القومي العربي من خلال التأثير على الأمن الاقليمي العربي وعلى القضية الفلسطينية سلبا، مقابل تعزيز الأمن القومي الاسرائيلي.
محور ثقافي: يتمثل في تراجع التركيز على التاريخ العربي الأفريقي المشترك: من خلال محاولة خلق تاريخ مشترك بين اليهود والأفارقة، وافتتاح اسرائيل لجامعات في القارة السمراء، واستقطاب طلاب للتعلم في الجامعات الاسرائيلية.
الأهداف: يهدف الكتاب الي تقديم سياسات تساهم في مواجهة اضعاف اثار التمـدد الاسرائيلي في أفريقيا، واستعادة العلاقات الفلسطينية الأفريقية، مع تعزيز الدور الأفريقي لصالح الشعب الفلسطيني في صراعه مع الاحتلال، ومن أهم محاور هـذا الكتاب: اقتراح سياسات يتم تطبيقها على السفارات الفلسطينية والجاليات في الدول الأفريقية لتعزيز التعاون والتأكيد على طبيعة الصراع، وتقديم نشاطات تساهم في التوعية لخطورة المطامع الاسرائيلية في أفريقيا، كنشر الرواية الفلسطينية وتصحيحها، اضافة الي وضع اليات للتعاون مع الدول العربية في مواجهة هذا التغلغل والتصدي لتحييد الأصوات الأفريقية المعارضة للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، اضافة الي اعادة التعاون العربي الأفريقي في مختلف الجوانب بديلا عن التعاون الاسرائيلي مع القارة اقتصاديا وتنمويا.
الأهمية: تكمن أهمية الكتاب في أنها تدرس أهم مخاطر التوغل الاسرائيلي في أفريقيا وتداعياته على اقامة الدولة الفلسطينية المنشودة، كما أنه يعـد من الدراسات التي تركز على المراحل الحديثة نسبيا من مراحل العلاقات الإسرائيلية -الأفريقية الا وهي مرحلة التطبيع وازدهار العلاقات من 2001- 2018م، الفترة التي تعتبر مليئة بالأحداث والتطورات والتغيرات التي أثرت على مواقف الدول الأفريقية تجاه القضية الفلسطينية من دعم ومساندة، ويضع الكتاب بين أيديكم نتائج وتوصيات هامة ونظرة استشرافية بشكل بدائل سياسية مطروحة بهدف تعزيز العلاقات الفلسطينية مع أفريقيا، وتطبيق تلك البدائل وفـق المتاح في السياسة الخارجية الفلسطينية انسجاما مع الظروف الراهنة اقليميا ودوليا، حتى نستطيع مواجهة الأضرار الناتجة عن هذا التوغل الإسرائيلي في دول أفريقيا.
تناقش فصول ومحاور كتاب:" التوغـل الإسرائيلي في أفريقيا وتداعياته على اقامة الدولة الفلسطينية وسبل المواجهة" علاقة اسرائيل المتنامية مع الدول الأفريقية والعربية منها، في ضوء توسع اسرائيل في علاقاتها الخارجية بعد نهاية الحرب الباردة وزوال القطبية الثنائية واستبدالها بالأحادية القطبية في السياسة الدولية، ويستعرض الكتاب تعـدد الأهداف الاسرائيلية في أفريقيا وان اختلف سلم أولوياتها من مرحلة لأخرى منها: أهداف استراتيجية وأمنية وأخرى اقتصادية وأهداف متعلقة بالصراع العربي- الاسرائيلي ومحاولة اسرائيل السيطرة على المجرى المائي والتحكم فيما بعـد بالمياه، هذا بالإضافة الى التحكم التجاري عن طريق ميناء ايلات واعتباره بوابة اسرائيل الى أسيا وأفريقيا، ومن ضمن المحاور تحليل أهم محددات السياسة الاسرائيلية تجاه أفريقيا لبيان حقيقة الوجود الاسرائيلي في القارة عبر فترات زمنية مختلفة وذلك في المبحث الثاني، أما المبحث الأول: فيركز على تطور العلاقات الاسرائيلية الأفريقية منذ بداية التغلغل في الخمسينيات والستينيات مرورا بالقطيعة الأفريقية لإسرائيل في السبعينيات وانتهاء بالعودة الثانية لإسرائيل الى أفريقيا وما لحـق بها من تغيرات وتحولات على مستوى الأهداف والسياسات، وفى محور اخر تناول الفصل الثالث من الكتاب: أبرز السيناريوهات لهذه العلاقة ومن ثم التطرق الي كيفية مواجهة تأثيراتها على اقامة الدولة الفلسطينية.          

ملاحظة: المقال التالي: سيركز على خصوصية التعامل الإسرائيلي مع أفريقيا، والخاتمة والنتائج والتوصيات. 
أنتهي.

- باحث فلسطيني في الشؤون الأفريقية، علوم سياسية.