تآكل مكانة الأحزاب

بي دي ان |

30 أغسطس 2022 الساعة 01:22ص

تاريخ ورصيد القوى والأحزاب والحركات السياسية في المجتمعات البشرية جميعها، لا يشكل ضمانة لبقائها وديمومتها، وفي احسن الأحوال، ان نامت تلك القوى على رصيدها الشعبي، دون ان ترتقي لمستوى الاحداث والتطورات المتوالدة في هذه الساحة او تلك، ودون  تجديد  خطابها  واليات  عملها، ووقوفها على  نبض  الشارع، فإن  مصيرها  الفشل والاضمحلال، او في احسن الأحوال التراجع والانكفاء إلى مستويات متدنية. لان التاريخ والشعوب لا ترحم الأحزاب والحركات والائتلافات المسكونة بفرضية قوة الرصيد. كون الأرصدة جميعها ان لم تغذيها بالمال، والقوى الشعبية الجديدة، والمواقف القادرة على محاكاة مصالح قطاعاتها الاجتماعية، فإنها تتناقص، وقد تصبح صفرا في لحظة الإفلاس التام، او يبقى لها رصيد الكفاف.
المدخل النظري التجريدي السريع ينطبق على مطلق حزب وحركة وائتلاف في العالم. ولكني ساقصر حديثي على استطلاع الرأي الذي بثته قناة "مكان" الإسرائيلية مساء اول امس الاحد الموافق 28 اب / أغسطس الحالي، الذي اجراه معهد الأبحاث ستات – نت بإدارة يوسف مقلدة قبل ما يزيد عن الشهرين قليلا من اجراء الانتخابات الإسرائيلية للكنيست ال25 في مطلع تشرين ثان/ نوفمبر القادم، ووقفت خلف الاستطلاع القناة ذاتها، ترجمة د. زياد درويش امس الاثنين.
وجاءت النتيجة صادمة ومنطقية في آن، من حيث نسبة التصويت في أوساط الجماهير الفلسطينية، والتي لم تتجاوز ال39,1%، أي بتراجع حاد وكبير. لا سيما وان الجماهير ذاتها في اذار / مارس 2020 صوتت بنسبة 60% لصالح الائتلاف الفلسطيني وعنوانه الأساس القائمة المشتركة، وفي الانتخابات العامة الماضية بلغت حوالي 45%.
وتعود أسباب الاستنكاف في الشارع الفلسطيني عن التصويت، نتيجة افتقاده الثقة بالقوى والحركات والائتلافات الحزبية الفلسطينية، ولقناعته ان تلك القوى في واد بعيد عن مصالح الشعب، او عدم تمكنها من تمثل المصالح الوطنية والاجتماعية، كما يفترض الشارع. فضلا عن انقسام القائمة المشتركة، وان بقيت محافظة على الاسم ووجود ثلاثة قوى بعد خروج القائمة الموحدة "راعم" وتحالفها مع اليمين الصهيوني مغلبة مصالح زعيمها واجندة حركته الإسلامية الجنوبية على مصالح الشعب وتمثيله السياسي، وحقوق المواطنين الفلسطينيين المطلبية والاجتماعية والاقتصادية. ولفقدان الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة الثقة بالقائمة المشتركة، مفترضا انها لم تتمثل مصالحه، ومواصلتها ذات الخطاب، واعتقاد ممثليها ان رصيدهم التاريخي يمنحهم الكريدت بحصولهم على المقاعد الستة، التي حصلوا عليها في انتخابات الكنيست الماضية ال24 قبل اكثر من عام بقليل. مع ان اخر استطلاع لعدد من الصحف والمعاهد الإسرائيلية ومنها "معاريف" و"جيروزاليم بوست" وغيرها قبل يومين اشارت الى تراجع حصة المشتركة الى خمسة مقاعد. وللأسف الشديد ان حصة كتلة منصور عباس بقيت كما هي، وحافظت على قوتها.
وهذا امر لافت للمفارقة في التموج الحاصل داخل أبناء الشعب الفلسطيني في ال48، حيث يفترض ان يحجب الثقة عن الموحدة، لانها خذلته، وتواطأت على مصالحه، وتورطت مع اليمين الصهيوني المتطرف والدولة الاستعمارية في الانقضاض اكثر فاكثر على مصالح المواطنين الفلسطينيين، وتعمقت عنصريتها ووحشيتها ضدهم. وفي ذات الوقت تمنح تلك القائمة المتناقضة مع الكل الفلسطيني ذات الرصيد، وتحجبه عن القوى الأكثر تمثيلا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، أي أحزاب القائمة المشتركة الثلاثة (الجبهة الديمقراطية للسلام، وحركة التغيير والتجمع الوطني الديمقراطي)، والتي تقوم أجهزة الدولة الإسرائيلية بمختلف المجالات بالتحريض عليها، فضلا عن قوى اليمين الفاشي ومن والاهم.
باختصار شديد، واي كانت المفارقات الحاصلة في الشارع الفلسطيني، فإن المطلوب أولا العمل على توحيد كافة القوى الفلسطينية بما في ذلك قائمة منصور عباس، وكرامة ومساواة والحزب الجديد "كل مواطنيها" وغيرهم من القوى الموجودة. لان هذا مصلحة للجميع؛ ثانيا على التجمع عشية انعقاد لجنته المركزية السبت القادم، ان يحافظ على القائمة المشتركة، بغض النظر عن ملاحظاته على الجبهة. لا سيما وان خروجه ونزوله الانتخابات وحيدا لن يمنحه الحصول على نسبة الحسم. اضف الى ان التيار الذي يطالب بالاكتفاء بالتعبير عن الموقف السياسي فقط بغض النظر عن النجاح من عدمه، جانب الصواب؛ ثالثا على ممثلي الجبهة التعامل بإيجابية عالية مع شركائهم في الائتلاف الفلسطيني، وان يأخذوا بعين الاعتبار مصالحهم المشتركة؛ رابعا محاولة استقراء نبض الشارع واستكناه خلفياته ومتطلباته، والاستجابة له دون تغييب الضوابط السياسية والقانونية؛ خامسا رد الهجوم اليميني الصهيوني التحريضي بهجوم مضاد، وبالوثائق المدعمة امام الشارع الإسرائيلي الصهيوني، ومحاولة اختراق ذلك الشارع باللقاءات المباشرة معه ان امكن.
رصيدكم يكمن في تغذيته بالمواقف والتماس مع نبض الشارع على كل ما فيه من تموجات، وبوحدتكم، رغم كل المنغصات والارباكات، ومشاكل الائتلافات الثقيلة.