تركيا وإسرائيل والفلسطينيّون

بي دي ان |

29 مايو 2022 الساعة 05:16م

خرجت العلاقة التركية الإسرائيلية من أزماتها، وها هي تتطوّر وتتّسع مع أنّها لم تصل حدّ القطيعة في أيّ وقت.

لم تكن إعادة العلاقات وتطويرها بحاجة إلى وسطاء. إذ كانت نقطة البداية مبادرة من جانب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، تزامنت مع تغيير بدا مفاجئاً في العلاقات التركية السعودية، ولا يُعرف إلى أين وصلت الأمور مع مصر.

الفلسطينيون، رغم ملاحظاتهم على ما اعتُبر في مرحلة ما "انحياز تركيا لحماس"، بسبب النكهة الإخوانية التي تميّزت بها السياسة التركية، إلا أنّ العلاقة على المستوى الرسمي كانت مستقرّة ودافئة. إذ كانت تركيا من أكثر البلدان التي زارها الرئيس محمود عباس، وكان ضيف الشرف في افتتاح القصر الجديد الموحي بالعثمانية، وحتى الانكشارية.

لم تحسن تركيا إردوغان أداء متطلّبات "صفر مشاكل"، فوجدت نفسها داخل شبكة مشاكل عديدة، فهل تحسن هذه الدولة الكبرى أداء سياساتها إزاء المشاكل المستجدّة؟

الفلسطينيون الذين حافظوا على أوثق العلاقات مع تركيا لم يكونوا مجمعين على الدافع نحوها. فسلطة رام الله تدرك أهمية تركيا الأطلسية في دعم الموقف السلمي الذي يتبنّاه الرئيس عباس. وسلطة غزّة ترى في تركيا الراعية الأكثر أماناً وفاعلية في دعمها. ولم يتوقّف أهل حماس عن وصف تركيا بـ"دولة الخلافة". وكأنّ أطلسيّتها "اختراق" للإخوان المسلمين في قلب العالم الآخر.

السلطة في رام الله، وهي تعاني من تراجع الاهتمام الإقليمي والدولي بها، وقّعت مع تركيا عدداً من الاتفاقيات ليس معروفاً على وجه الدقّة كم هي ضرورية وكم يبلغ تأثيرها في مجال تخفيف الأزمات.  ما شكّل غطاءً لا بأس به للاندفاعة الكبرى في العلاقات الإسرائيلية التركية التي توصف عن حقّ بـ"الاستراتيجية".

تبدو السلطة في رام الله سعيدة بتوقيع الاتفاقيات، وحتى بزيارة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو بحدّ ذاتها، في 24 أيّار الجاري. إلا أنّ حماس التي أقلعت عن وصف تركيا بـ"دولة الخلافة"، يسيطر عليها تخوّف من قيام هذه الدولة بتسديد فاتورتين، الأولى لمصر على صعيد الإخوان، والثانية لإسرائيل على صعيد حماس. وإذا ما عادت الدبلوماسية التركية إلى حسابات المصالح، فلن يكون بمقدورها المضيّ قدماً في ثنائية صعبة، خاصة إذا ما وضعنا في كفّة المصالح قوّة ثالثة من العيار الثقيل هي السعودية.

عندما أستخدم مصطلح "الفلسطينيين"، فأعني به قطبَيْ الطبقة السياسية، في رام الله وغزّة.

في رام الله "رهان الفراغ" على دور تركيّ لعلّه يفعل شيئاً في مجال العلاقات المدمّرة مع إسرائيل. وتركيا من جانبها على أتمّ الاستعداد للاستثمار في هذا المجال. فهي لا تتوقّف عن إعلان موقفها الداعم لحلّ الدولتين، مع حتميّة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على هذه القاعدة، ولن يؤثّر على موقفها هذا التجاهل الإسرائيلي له، بل وعدم أخذه على محمل الجدّ في زمن الشعار الإسرائيلي المرفوع وبصوت عالٍ: لا مجال لفتح الملفّ السياسي مع الفلسطينيين، والمجال كلّه مفتوح للتسهيلات ليس أكثر.

استثمار رام الله في العلاقة مع تركيا يقوم على أساس أهميّتها الإقليمية والدولية، وسواء ارتفع رأسمالها أو انخفض، وهو مرتفع في هذه الفترة، فإنّ تركيا الأطلسية تملك قدرات مميّزة في دعم الاعتدال الفلسطيني وتسويقه، وتتضاعف أهميّة هذا الدعم طالما أدار سدنة القرار الدولي الكبار ظهرهم للمسار الفلسطيني الإسرائيلي، على الأقلّ بفعل انشغالهم بالحرب الكونية الجارية الآن تحت مسمّى روسيا وأوكرانيا.

عادت تركيا من جديد إلى شعار قديم رفعته تحت عنوان "صفر مشاكل"، وبقدر ما بدا هذا الشعار في حينه مثاليّاً ومستحيل التحقّق، تبدو العودة إليه غير مضمونة أمام حتميّة نشوء مشاكل جديدة مع الزملاء الأطلسيّين والجيران السوريّين والخصوم الأكراد. فنحن نعيش حالة لا تستثني تركيا، وهي أنّه إذا كان بوسعك حلّ مشكلة أو عدّة مشاكل فليس في وسعك تفادي ولادة مشاكل جديدة.