قراءة أولية في الانتخابات اللبنانية

بي دي ان |

17 مايو 2022 الساعة 12:16ص

تمت الانتخابات البرلمانية اول امس الاحد في خضم الازمة الاقتصادية والاجتماعية العاصفة وغير المسبوقة منذ العام 1850، التي أدت لفقدان الليرة اللبنانية ل90% من قيمتها، وزيادة نسبة البطالة لحوالي 30%، وتجاوزت نسبة الفقر ال 80% من أبناء الشعب اللبناني الشقيق، وفي ظل احتدام سياسي حاد بين التيارات والاقطاب السياسية المختلفة والمتصارعة داخل الحلبة السياسية، ومع اشتداد تدخل الأقطاب الإقليمية والدولية في المشهد اللبناني.
ورغم كل الشروط الذاتية والموضوعية المعقدة المرتبطة بالساحة اللبنانية، الا ان حكومة نجيب ميقاتي اوفت بتعهدها باجراء الانتخابات البرلمانية اول امس الموافق 15 أيار الحالي، ونجحت في تحدي كل المعيقات والحواجز رغم كل المخاوف والتحذيرات غير الإيجابية، والتقديرات السياسية والأمنية السلبية لقطاع كبير من المراقبين اللبنانيين والعرب والامميين، والخشية من عدم حدوثها أصلا (وكنت من بين من يعتقد ذلك)، وفي احسن التقديرات كان البعض يعتقد ان الانتخابات في حال جرت، فلن يسلم المجتمع اللبناني من تشظي تداعياتها باعمال قد لا تحمد عقباها. بيد ان ما حصل كان مغايرا لتلك المخاوف والتقديرات غير الموضوعية.
ومن القراءة الأولية للانتخابات يمكن تلمس بعض ملامحها، وان مازال الفرز لاصوات المقترعين جاريا، والنتائج الرسمية النهائية لم تعلن بعد من قبل وزير الداخلية مولوي حتى لحظة اعداد هذا المقال مساء امس الاثنين، منها أولا انخفاض نسبة المقترعين حيث وصلت إلى اقل من 41% قليلا، بانخفاض غير ملموس عن انتخابات العام 2018، وكانت نسبتها تزيد قليلا عن 49%، وهذا الانخفاض لم يؤثر على العملية الانتخابية؛ ثانيا انسحاب بعض الأقطاب اللبنانيين من المعركة الانتخابية، وخاصة زعيم التيار السني، سعد الحريري لم يؤثر على مجريات معركة صناديق الاقتراع؛ ثالثا ارتباطا بما تقدم، واي كانت النتائج التي ستفرزها الانتخابات، ومهما كانت تداعياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لم يكن الانسحاب منها لصالح الانسحابين، بل العكس صحيح. لان المجتمع لا يقبل الفراغ؛ رابعا أدت الانتخابات لعملية تغيير نسبية في تركيبة مجلس النواب لصالح بعض كتل المعارضة كالقوات اللبنانية، وفقد تحالف الموالاة (حزب الله والتيار الوطني الحر) ثقله التقريري في المعادلة السياسية، ومن زاوية أخرى فقدت بعض الأقطاب في الجبل وزحلة والشمال وبيروت بجناحيها (الغربية والشرقية) والجنوب مقاعدها النيابية، وتم صعود وجوه جديدة؛ خامسا مع ذلك بقيت تركيبة النظام السياسي اللبناني التقليدية قائمة، وكما هي، ولم يحدث أي تغيير نوعي في المعادلة الأساسية الناظمة للحكم؛ سادسا لا يمكن الافتراض ان ما حملته الانتخابات من نتائج سيسهم في اخراج لبنان من ازمتة الاقتصادية والمالية الحادة، لا سيما وان الازمة لها بعدين داخلي وخارجي، واليد الطولى فيها للقوى الإقليمية والدولية؛ سابعا تقديرات لبعض المراقبين تشي بصعوبة تشكيل حكومة لبنانية جديدة بعد الانتخابات نتاج خلط الأوراق الملازم لتغيير مركبات البرلمان؛ ثامنا مبدئيا التركيبة الجديدة لمجلس النواب تؤشر لعدم انتخاب رئيس جديد قريب من التيار اللبناني الحر في تشرين اول / أكتوبر القادم، وبالتالي لبنان سيكون مع رئيس جديد ومن توجه مختلف قبل نهاية العام الحالي ان لم يتعثر تشكيل الحكومة؛ تاسعا كل الخروقات التي حدثت في الانتخابات الحالية عادية ولن تعطل خروج البرلمان الجديد للنور.
وعلى ضوء ما تقدم، فإن لبنان مع نجاح انتخاباته البرلمانية سيكون امام مرحلة جديدة نسبيا، ولكنها ليست نوعية. لا سيما وان مركبات مجلس النواب حافظت على الهيكلية الأساسية لاساطين وكتل القوى الأساسية الفاعلة في المشهد اللبناني، وبغض النظر عن تقدم او تراجع بعض الكتل في الموالاة او المعارضة، وبروز وجوه جديدة، فانها لن تحدث اية تغييرات مهمة في المشهد اللبناني، الا اذا حدثت تطورات اجتماعية لاحقة كامتداد لثورة أكتوبر 2019، او تدخل عسكري خارجي في لبنان عندئذ لكل حادث حديث.
[email protected]
[email protected]