خطر فوبيا نتنياهو

بي دي ان |

30 ابريل 2022 الساعة 04:15ص

خلص الكاتب عودة بشارات في مقالته بعنوان "الائتلاف لم يثمر أي شيء للعرب" المنشور في صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم الاثنين الموافق 25 ابريل الحالي وترجمة د. زياد درويش إلى غاية تتناقض مع عنوان المقال، ولنتيجة مفادها "يجب العمل بحزم لمنع سقوط الحكومة. وفي نفس الوقت النضال ضد الحكومة إزاء كل ظلم هي مسؤولة عنه." للأسف تعكس هذه الخلاصة تضخم الفوبيا من عودة بنيامين نتنياهو، ملك الصهيونية المحتال في اللحظة الراهنة من تاريخ إسرائيل الاستعمارية. وكأن الحكومة الحالية "افضل حالا" من حكومات نتنياهو السابقة، او اقل فاشية وعنصرية ووحشية في جرائمها ضد الفلسطينيين في مختلف التجمعات الفلسطينية داخل حدود فلسطين التاريخية.
ذكرني استخلاص بشارات بشعار حركة القوميين العرب في اواسط الستينيات من القرن الماضي، عندما احتدم الخلاف بين تيار الحركة المؤيد لاعلان الكفاح المسلح ضد دولة الاستعمار الاسرائيلية، والتيار الاخر المنادي بالتروي وعدم توريط نظام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في حرب قبل استكمال التسليح والتدريب والجاهزية للمواجهة، وخلصوا للشعار السلحفائي القائل "فوق الصفر، تحت التوريط"، ومع انهم سبقوا حركة فتح في تنفيذ اول عملية عسكرية في أكتوبر 1964، الا انهم لم يتبنوها، فجاءت حركة فتح مطلع 1965 وأعلنت عن اطلاق شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وبالتالي كان السبق لها، وكسبت الرهان في قيادة الكفاح الوطني التحرري.
وشعار او استنتاج الكاتب النصراوي عودة يصب في ذات المنهج السلحفائي وفوبيا النتنياهوية، على اعتبار ان حكومة التغيير برئاسة نفتالي بينت "اقل ضررا" من صعود نتنياهو للحكم في حال تم اجراء الانتخابات، مستندا إلى القوى الأكثر تطرفا وفاشية أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ويفترض كل من بن كاسبيت بشكل مباشر وبشارات ضمنيا بتنصيبهما في الكابينت المصغر للتقرير في شؤون الدول المارقة والخارجة على القانون، والخشية من تفاقم المخاطر الداخلية الإسرائيلية وعلى مصير العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، فضلا عن انعكاس ذلك على صورة إسرائيل الدولية.
ارتباطا بما تقدم، كنت اول امس الخميس نشرت مقالا هنا بعنوان "سيناروهات ما بعد العطلة" وعرضت عددا من السيناريوهات الافتراضية القابلة لرؤية النور، ومنها اكثر من سيناريو لا ينسجم مع حتمية صعود زعيم الليكود اذا ما تمكنت القائمة المشتركة الفلسطينية الإسرائيلية من تجسير العلاقة مع كتلة "راعم" بقيادة النائب منصور عباس، واضيف استنتاجا اخر، حتى لو لم تضم القائمة المشتركة الجميع تحت لوائها، وبقيت حالة التشرذم الفلسطينية سائدة، فإن النواب الفلسطينيين في الكنيست يمكنهم اذا ما اتفقوا على قاسم مشترك واحد، عدم عودة نتنياهو للحكم، وعدم بقاء الائتلاف الحاكم المهزوز بقيادة بينت المسكون بالصهيونية المنغلقة والرافضة لخيار السلام، والداعي لشيطنة الفلسطينيين عموما وقيادتهم الوطنية للتهرب من استحقاق خيار السلام، ومواصلة الانتهاكات وجرائم الحرب في عموم الضفة والقطاع، وفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، فاعتقد انهم سيتمكنوا من تحقيق ذلك، وتحقيق مكاسب اضافية.
كما ان قوى المركز وما يسمى "اليسار" الصهيوني اذا ما حشدت جهودها، ونظمت صفوفها تستطيع ان تقطع الطريق امام نتنياهو في حال ابرمت اتفاقا مع احدى القوائم الفلسطينية العربية ان لم تكن موحدة، عندئذ يمكنها الحؤول دون وصول اليمين الأكثر فاشية وعنصرية. وبالتالي عودة نتنياهو ليست قدرا، كما ان عدم عودته ليست مستحيلة.
وعليه ساطرح بعض الاسئلة، هل بقاء حالة المراوحة، ومواصلة عمليات الاستيطان الاستعماري، والتصعيد الاجرامي الصهيوني المدعوم من قبل الولايات المتحدة ضد أبناء الشعب الفلسطيني مناسب، ويخدم الكفاح السياسي والقانوني والاجتماعي والثقافي في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة وفي أراضي دولة فلسطين المحتلة؟ وهل بقاء الحال على ما هو عليه الان يخدم المصالح الوطنية؟ وهل يمكن لسياسة الانتظار والمراوحة في ذات المكان ينتج لاحقا شريكا إسرائيلية قابلا للانخراط في معادلة السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وضمان عودة اللاجئين والقبول بالتخلي عن القوانين العنصرية كلها وعلى رأسها "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" وتامين المساواة الكاملة لابناء فلسطين في داخل الخط الأخضر؟ وحتى لو عاد زعيم المعارضة ومعه سموتريتش وايتمار ماذا سيفعل اكثر مما فعل وفعلته حكومة بينت / لبيد المجرمة؟ ولماذا هذه الفوبيا والبارانويا الصهيونية؟
اعتقد ان استمرار الحال على ما هو عليه يشكل خطرا داهما لا يقل خطورة عن عودة رئيس الحكومة السابق. وبالتالي تفرض الضرورة أولا تجاوز الفوبيا النتنياهوية، ثانيا مواجهة التحدي من خلال استعادة الوحدة الوطنية وإعادة الروح للمقاومة الشعبية وتكثيف النشاط السياسي على الصعد المختلفة، وتعزيز مكانة الصوت الفلسطيني داخل الكنيست والشارع الإسرائيلي، ليبقى بيضة القبان المقررة في مصير الائتلافات الإسرائيلية، واستثمار ذلك في المساومات السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية والاجتماعية، ثالثا العمل بالتعاون مع انصار السلام الإسرائيليين، واليهود من الدول العربية لاحداث نقلة تدريجية في المزاج العام الإسرائيلي عبر عمليات التشبيك من خلال الفعاليات والأنشطة المشتركة، عبر ابراز حجم الاخطار التي تحملها الفاشية عليهم وعلى ابناء الشعب العربي الفلسطيني والمنطقة عموما.