اعيدوا الاعتبار للفيلم

بي دي ان |

15 مارس 2022 الساعة 12:00ص

النقد الفني ليس عملا سهلا على مثقف غير ضليع في حقل السينما والمسرح والفن التعبيري عموما. غير ان عدم التخصص لا يحول دون الاقدام والمبادرة في محاكاة النص والسيناريو والمشاهد بعين مواطن يملك حدا معينا من المعرفة كما ان المغامرة مطلوبة في لحظة يشهد ملف فيلم " صالون هدى" ضجيجا عاليا ومتواترا، ويخضع لحملة قاسية من قطاعات واسعة، بعضها خروج عن النقد البناء والهادف، ووصل حد التجريح والطعن في الاهلية الوطنية. وهذا من وجهة نظري لا يخدم لا المخرج هاني أبو اسعد ولا السيناريست ولا الفنانين من الجنسين وخاصة "هدى" بطلة الفيلم، وريم، التي امتلكت الجرأة للقيام بمشهد غير مألوف في السينما العربية عموما في اوج عظمتها وتألقها وتقدمها، ولعل الكثيرون تخندقوا في حملتهم التحريضية على الفيلم نتاج مشهد "العري" لريم، الذي تم وهي مخدرة، وبهدف اسقاطها للعمالة مع "الشين بيت" الإسرائيلي، وقلب حياتها رأسا على عقب.
تابعت طوال الأسبوع الماضي ردود الفعل الصاخبة في الشارع الفلسطيني على فيلم "صالون هدى"، ورفضت الادلاء باي رأي قبل مشاهد الفيلم، والتدقيق بنفسي في مكوناته. وبودي قبل ان احدد موقفي من أهلية الفيلم ورسالته، ان أتوجه بالسؤال لكل الذين تهربوا من تبني الفيلم والدفاع عنه، والذين هاجموه بشكل سافر وحاد. هل مطلق فيلم درامي او وثائقي يستطيع ان يتناول مختلف أوجه قضية ما من القضايا، ام ان لكل فيلم رسالة محددة بعينها؟ وهل تركيز الفيلم على جانب من القضايا الاجتماعية الأخلاقية الأمنية ينتقص من الفيلم ورسالته الوطنية؟ وهل الاعتزاز بدور الماجدات الفلسطينيات ودورهن البطولي والكفاحي يحول دون وجود ظاهرة الاسقاط ووجود نساء فاقدات مكانتهن الوطنية والأخلاقية؟ بتعبير آخر هل المجتمع الفلسطيني خالي من الظواهر المارقة والرخيصة والمعيبة؟ وهل الشعب الفلسطيني بقضه وقضيضه نظيف وطنيا، وخالي من الجواسيس والعملاء والسفهاء والقوادين والفاسدين من الجنسين؟ وهل تسليط الضوء على ظاهرة بعينها يعني الإساءة للمجتمع، ام هي محاكاة موضوعية وشجاعة لنواقص المجتمع؟ واليس من المنطقي ان يعاني أي فيلم من نقاط ضعف وثغرات ونواقص؟ وهل كل الأفلام مكتملة 100%؟
بعد الاطلاع على الفيلم، ومن موقع المسؤولية الوطنية والأخلاقية والثقافية الفنية، اود ان ادون بعض الملاحظات والمآخذ على الفيلم، لو كنت مكان المخرج هاني أولا لما لجأت لمشهد التعري، وكان بالامكان ان يرمز لذلك باي شكل من الاشكال. واعتقد ان هاني يدرك جيدا طبيعة المجتمع الفلسطيني، الذي هو ابنه، وابن بيئته، بانه مجتمع مازال محافظا، وزادت المحافظة بعد توسع نفوذ التيارات الاسلاموية والتكفيرية والتخوينية. فضلا عن ان قطاعا واسعا من النخب الفنية الثقافية هي من منابت اجتماعية محافظة من المخيم والريف، ولا تستطيع (وانا منهم) قبول مشهد التعري، وليس مقبولا في واقعنا بشكل عام، مع اني بيني وبين نفسي اقدر شجاعة وجرأة الفنانة التي قبلت القيام بالدور، اضف إلى اني اقبل على نفسي اسوة بغيري مشاهدة أفلام اجنبية تتضمن مشاهدي التعري، لان ثقافة الغرب بمختلف مشتقاته يقبل بذلك، ويعتبره طبيعيا؛ ثانيا رغم ان الفيلم اظهر رموز الاستعمار الإسرائيلي منذ اول لقطة حتى اخر مشهد، وأعطى مساحة واسعة للمقاومة من خلال المراقبة والاعتقال للعميلة هدى، واغلاق صالونها، وحرق المشارك المتورط مع هدى مباشرة، واعدام صاحبة الصالون، غير انه كان يستطيع ان يعمق من مشاهد المقاومة، وكذلك من وحشية ودونية المستعمر الصهيوني.
وبالنتيجة اعتقد ان الفيلم كان يحمل رسالة وطنية واضحة وجليه، ولم يخضع لاموال المنتج، ولم يتجاوز الرؤية الوطنية. وكما ذكرت من المشهد الأول للفيلم تجد جدار الفصل العنصري والابراج العسكرية الصهيونية والمخابرات الإسرائيلية حاضرة في كل مشهد من خلال دور العميلة صاحبة الصالون. والحوار بين المحقق رجل المقاومة وهدى المتهمة بالعمالة، والتي ضبطت بثوابت من خلال المراقبة الحثيثة لها من قبل المقاومة، واعترفت فورا بتهمتها، ولم تنكر ذلك، وبالتالي كان الحوار منطقيا من وجهة نظري. أولا إعطاء المحقق المقاوم المتهمة سيجارة واشعالها لها، امر منطقي، لانه اسوة بكل المحققين في العالم، حاول ان يستدرجها بلطفه، وتعاطيه الإيجابي معها لينتزع منها اعترافات إضافية، ولتعطيه أسماء الفتيات اللواتي ورطتهن. وثانيا اعتبر البعض ان جلوس المحقق على كرسي مقابلها بانها نقيصة؟! لكن عندما تجاوزت حدودها صرخ فيها، وقيدها، اضف إلى ان قرار اعدامها مبتوت به، بتعبير اخر لا يريد المحقق الا بعض التفاصيل لاكتمال التحقيق، وتنفيذ الحكم، وهو ما حصل بالضبط. وبصراحة من اشار لهكذا ملاحظة لا يفقه الف باء التحقيق واساليبه؟ وهل المطلوب من المحقق ان يبقى واقفا، ام هي مطلوب منها ان تبقى واقفة من اللحظة الأولى؟ غير صحيح. فضلا عن ان أساليب التحقيق متنوعة بتنوع التهم والمتهمين. ولا يمكن ان تكون أساليب التحقيق واحدة.
وعليه أرى على من يملك الشجاعة والجرأة في المؤسسات الثقافية والأدبية والفنية ان يعيد الاعتبار للفيلم. دون ان يسقط ملاحظاته على النواقص، وخاصة مشهد التعري المرفوض. واما من حملوا الفيلم احمالا اكثر مما يحتمل، اعتقد ان واجبهم يملي عليهم مراجعة مخرجاتهم التي تتجاوز حدود النقد البناء. وعلينا جميعا ان ندفع بتجربة الفن السابع ليحتل دوره ومكانه بقوة في أوساط الفنانين والمجتمع ككل.
[email protected]
[email protected]