زيلنسكي بلا غطاء

بي دي ان |

27 فبراير 2022 الساعة 12:13ص

للرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك مقولة غاية في الاهمية عن اميركا مفادها " ان المتغطي باميركا عريان". لا ثوابت في تحالفاتها، ولا ضمانة لاي دولة او رئيس في العالم عندها الا وفق ما ترتأيه مصالحها الاستراتيجية. ويمكن تطبيق المقولة ذاتها على حلف الناتو، الذي أكده الرئيس الاوكراني، فولوديمير زيلنسكي اول امس، عندما صرح، انه اتصل مع رؤساء الدول ال27 من دول الاتحاد الأوروبي، وسألهم عن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، فلم يسمع جوابا واحدا منهم، فقال "كلهم جبناء"، ووصف رئيس الوزراء البريطاني بنعوت قاسية. وأضاف "نحن نقاتل لوحدنا، سندافع عن بلدنا بما نستطيع."

كان محبطا وقانتا من دول الغرب الرأسمالي، التي تخلت عنه، وتركته لقمة سائغة للرئيس الروسي بوتين، الذي تابع حملته العسكرية على كل أوكرانيا بما في ذلك العاصمة كييف حتى تحقيق الأهداف الروسية كلها. والدرس الهام جدا والقديم الجديد الذي يمكن استخلاصه مجددا، ان مصالح الدول فوق كل اعتبار، ولا يعنيها احتلال هذه الدولة او تلك، او اعتقال رئيسها، او موت أي حاكم. لان حساباتها الخاصة اهم واعظم من ذلك.

لكن السؤال هنا، هل تقع المسؤولية على اميركا وحلفائها في حلف الناتو من بلاد الغرب الأوروبي، ام في زعماء الدول الذين يرهنون انفسهم لاجندات تلك القوى، نتاج عدم قراءتهم التاريخ جيدا، وكونهم لا يملكون القدرة على التقدير الجيد للموقف، ويسبحون في دوامة الأوهام، ويعتقدون انهم محميين بغطاء قوي؟ في الحقيقة، ان المسؤولية تقع على حكام الدول الراكضين في متاهة الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، والذين سلموا رقابهم ومصير بلادهم ومستقبلها لاجندات اكبر منهم، وعلى حسابهم الشخصي والقومي. ولو قرأ الرئيس الاوكراني، زيلنسكي تاريخ بلاده جيدا، وحاول ان يستوعب طبيعة علاقاتها التاريخية والثقافية والأمنية مع روسيا، والتحولات الدراماتيكية الجارية في العالم، وخاصة التطور الكبير في مكانة ودور روسيا الاتحادية كقطب مركزي في اللوحة الأممية الجديدة، وخلفية زعيم الكرملين الجيو سياسية، وما جرى منذ عام 2008 في جورجيا ومن ثم في إقليم القرم، لادرك جيدا، ان اللعبة التي تورط فيها، كانت أولا اكبر منه، وثانيا أراده الغرب أداة وظيفية لاستنزاف روسيا بهدف اضعافها، وتبديد قوتها، واعادتها لمرحلة غورباتشوف ويلتسين لخدمة الاجندة الأميركية أولا وثانيا وثالثا.

بيد ان الفنان زيلنسكي اعتقد ان القيصر الجديد لا يعدو اكثر من لاعب ثانوي على المسرح العالمي، يخشى اميركا وأوروبا الغربية وعقوباتهم، وبالتالي لن يجرؤ على المغامرة بالدفاع عن مكانة بلاده الإقليمية والدولية، ومصالحها الاستراتيجية. ولهذا افترض انه يقوم بدور هزلي على المسرح الاوكراني الروسيدون قراءة الفروق بينهما. وكما يبدو ان مستشاريه يغزلون بذات سنارة الرئيس المسرحي، فغابت عنهم جميعا الحكمة والقدرة على استشراف لوحة الصراع على حقيقتها، والمحصلة السقوط في فرضيات وسيناريوهات غير واقعية، وبعيدة كليا عن المنطق العقلاني، وكان الخاسر الأكبر الشعب الاوكراني. فضلا عن خسارة اهل النظام السياسي برمته مكانتهم ودورهم السياسي في اطار التداعيات التي ستنجم عن الصراع الدائر مع روسيا الاتحادية.

لعبة الأمم لا يجيدها إلا من علمته تجربة الحياة مرارة قسوتها، وضيمها، واستلهم دروس التاريخ والجغرافيا، وامتلك ناصية سبر اغوار العمليات السياسية المعقدة في الصراع مع الأقطاب الدولية، وميز بين الشعار السياسي والخطاب الجماهيري الحماسي والعاطفي، وبين مفردات الواقع على الأرض، واستلهم كيفية الدفاع عن مصالح بلاده دون عنتريات دونكشوتية لا تسمن ولا تغني من جوع، وباقل الخسائر، ان لم يتمكن من تحقيق مكاسب تكتيكية او استراتيجية في ضوء موازين القوى مع الطرف الاخر من الصراع.

اذا مرة أخرى، الدرس الاوكراني يؤكد للقاصي والداني في قارات الأرض كلها، وللزعماء السياسيين، ان اميركا واداراتها المختلفة لا تغطي أحدا، لا بل تبقي حلفائها دائما عراة باستثناء دولة المشروع الصهيويني، التي لم ينفذ حتى الان دورها، ومازال دورها الوظيفي قائما ومطلوبا وفاعلا حتى اللحظة. بيد ان كل المعادلات السياسية قابلة للتغيير، اما بانتهاء دور هذا الحليف او ذاك، او بتراجع مكانة القطب الدولي داخل بلاده وفي الإقليم وعلى المستوى العالمي، وبالاستناد للمصالح الخاصة لهذا القطب او ذاك. ولكن لا يعني ذلك استسلام الدول والزعماء لارادة الأقطاب، وانما مطلوب من الزعماء السياسيين الدفاع عن مصالح بلادهم من خلال تدوير الزوايا وتغيير بوصلة التحالفات بما يحمي الحقوق والمصالح للدول والشعوب.