القيصر يخلط الأوراق

بي دي ان |

23 فبراير 2022 الساعة 12:16ص

بين الشّد والتحريض السافر والمعلن من الغرب بقيادة اميركا على روسيا الاتحادية، والإصرار على تضليل الرأي العام العالمي، واقناعه بان القيادة الروسية حددت ساعة الصفر لاعلان الحرب واقتحام الجارة أوكرانيا المسالمة، ودق الطبول بوتيرة متسارعة، قام الزعيم الروسي باتخاذ خطوات دراماتيكية تجاه الجارة الأوكرانية، وخلط الأوراق في الإقليم والمعادلات مع الغرب وبدون اجتياح للجارة او اطلاق قذيفة مدفعية. وكانت قيادة الكرملين أعلنت الف مرة رفضها المبدئي لخيار الحرب، وعدم وضع البارود على اجندتها، ولا تفكر بها، وليست بواردها الا إذا فرضت عليها، عندئذ لكل حادث حديث. الا ان الغرب الانكلو سكسوني ومعه الفرانكوفوني واصلوا حملتهم الكاذبة لاغراق روسيا في دوامة الحرب، وبهدف اضعاف بلاد القياصرة، واعادتها لزمن ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وحرمانها من نصيبها في كعكة العالم كقطب مركزي في السياسة الدولية، ليس هذا فحسب، وابقاءها في دائرة المحوطة للغرب عموما وأميركا المثخنة بالجراح خصوصا.
بيد ان القيادة الروسية في ظل التطورات الجيوسياسية العالمية، وادراكا منها لمخططات الغرب المستهدفة بلادها، وبالتركيز على مصالحها القومية، وتعزيزا لنفوذها الدولي مع تراجع مكانة الولايات المتحدة الاميركية، وتكريسا لحصتها في إعادة تقاسم النفوذ الجديد لكعكة كوكب الأرض، ووفق خطة روسية ثابتة وواضحة المعالم بعدما استعادت أولا عافيتها، وخروجها من حالة التعثر الغورباتشوفية واليلتسينية، وترميم موانع القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، لجأت ثانيا للتمدد التدريجي في أراضيها التاريخية، التي سلختها القيادة البلشفية بقيادة لينين / ستالين من أراضيها الروسية لاراضي جمهورياتها السوفياتية، وكانت البداية في انتزاع القرم عام 2014، ومهدت في ذات الوقت التربة الملائمة لتطويق أوكرانيا تدريجيا من خلال دعم الانفصاليين في إقليمي دونتيسك ولوغانسك، تحسبا من طيش القيادات الأوكرانية الفاسدة الناكرة للجميل الروسي السوفياتي التاريخي، والمرتهنة لأجهزة الامن الغربية واجنداتها المعادية لروسيا.    
في ظل هذا المناخ كثيف الضباب والمخيم على الجبهة الروسية الأوكرانية خصوصا والعالم عموما، وردا على حملات الغرب وحلفائه في شرق أوروبا، القى اول امس القيصر الروسي الاثنين الموافق الحادي والعشرين من فبراير الحالي كلمة تاريخية بمضامينها التاريخية والاقتصادية والسياسية والأمنية والدينية والثقافية، تعرض فيها لكيفية نشوء وتطور أوكرانيا المعاصرة، وتحدث عن الروابط المشتركة على اكثر من مستوى وصعيد، وخاصة في المجال الجيو سياسي الاستراتيجي بين البلدين تاريخيا وحاضرا ومستقبلا، وأوضح ان العلاقة بينهما لا تنحصر بالجوار، فهو جوار معقد ومتشابك في العديد من الروابط العميقة بين الشعبين. كما تحدث عن فساد وافلاس النخب الأوكرانية، التي تجاهلت حجم المساعدات الروسية الهائل، والذي قدره ب150 مليار دولار أميركي ما بين عامي 1990 و2010 فقط، وانحازت للغرب عموما وأميركا خصوصا، واعتقدت انها بدعم الغرب تستطيع ان تتمرد على الجار والتاريخ والثقافة والقوة العسكرية الروسية، ولي ذراع روسيا الاتحادية بالانضمام لحلف الناتو.
وللأسف يبدو ان القيادات حديثة العهد تفترض ان اميركا، هي اميركا تسعينيات القرن الماضي، التي تبوأت مركز القرار الاول في العالم، وتجاهلت التحولات الدراماتيكية الجارية في الخارطة الدولية، وتراجع المكانة الأميركية كثيرا، رغم وجود السلاح النووي والبيولوجي والهيدروجيني بيدها، والذي هو عبْ عليها بقدر ما هو رصيد في حساب قوتها. لانه سلاح ذو حدين. الامر الذي جعل تلك القيادات المندفعة نسيان نفسها، لكن الرئيس بوتين في كلمته المطولة اكد على المؤكد الروسي في رفضه المطلق لانضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وعدم السماح لتمدده في دائرة نفوذ روسيا القومي، الذي يمس مركز القرار في الكرملين وروسيا عموما، واصراره على ابعاد الصواريخ الأميركية عن حدود بلاده، وإعادة الاعتبار للاتفاقيات ذات الصلة بالأسلحة النووية والصاروخية المبرمة بين روسيا وأميركا. وختم رجل ال KJB السابق خطابه باعترافه بجمهوريتي دونتيسك ولوغانسك، وسبقها بعقد مجلس الامن القومي الروسي على الهواء مباشر امام العالم، ووقع على وثائق الاعتراف فور انتهاء خطابه، وكان بجانبه رئيسي الجمهوريتين الانفصاليتين، اللذين وقعا على وثيقة الاعتراف بدولتيهما، وأعطى الأوامر لوزارات الدفاع والخارجية كل في مجال اختصاصها لتعميق الروابط مع الدولتين مباشرة، وطرح ملف الاعتراف على مجلس الدوما، الذي اقره امس الثلاثاء.
لم يتردد بوتين في قراراته، ولم ينتظر الاستماع لرأي اميركا والغرب في خطوته النوعية الجديدة. ولم يكن قراره انفعاليا، ولا ارتجاليا، وانما قرارا مدروسا بشكل جيد جدا، وقرأ بشكل متأن الأرباح والخسائر، كما انه يعلم علم اليقين مآلات حصار الغرب لبلاده، الذي سيدفع الثمن مضاعفا عن روسيا الاتحادية، ليس في حقل الغاز فقط، وانما في الحقول الأخرى الاقتصادية والتجارية، كما انه يعلم ان اميركا ليست جاهزة لان تطلق قذيفة واحدة، لان النتائج العكسية لها ستكون وبالا على البلدين وأوروبا والعالم عموما. ومع ذلك سياسة التمدد الروسي واستعادة المكانة التاريخية لها يتم بخطى حثيثة ليس في دول الجوار، انما في اكثر من قارة، ومازال الباب مفتوحا امامها لاستعادة نفوذها السوفياتي القديم باساليب واشكال مختلفة ومن دون اطلاق طلقة واحدة. وقادم الأيام كفيل باعطاء الجواب. 
[email protected]
[email protected]