كوابح التحرر في فلسطين

بي دي ان |

13 نوفمبر 2021 الساعة 01:03ص

كتابة وصناعة التاريخ ليست شعارا، ولا طريقا ممهدا ومنبسطا، انما تمر عبر طرق متعرجة ومتشابكة ومتناقضة، وتسير بخط لولبي صعودا وهبوطا، السكون نسبي والحركة والتغيير مطلق. وقضايا الأمم والشعوب والطبقات الاجتماعية دون استثناء، حتى البسيطة منها مرت وتمر بمحطات متنافرة حتى تصل منتهاها واهدافها. 
نعم كل القضايا العادلة انبثقت من رحم الظلم والاستعباد والاستغلال والقهر القومي او الاجتماعي، بيد انها ليست متشابهة ولم تحكمها ذات المعادلات الفكرية او السياسية، وان كانت القضايا ذات الابعاد القومية او الطبقية اتكأت على قوانين الصراع العامة بالارتباط مع محتوى ومضامين وشكل الصراع او التناقضات التناحرية المولدة والمؤصلة له هنا او هناك 
فلسطين وشعبها، الذي ابتلى بالهجمة الامبريا صهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر، لم تكن الصدفة الأساس فيه، انما هُيأت الخطط والمشاريع منذ تدشين او مستعمرة فيها 1878، ثم بانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول 1897، وبمخرجات مؤتمر كامبل نبرمان 1905/ 1907، وتعززت بالتوقيع على اتفاقية سايكس بيكو 1916، وتمظهرت تدريجيا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1914 / 1917، وتبلورت عبر وعد بلفور نوفمبر 1917 ثم مقررات مؤتمر سان ريمو 1920، وتكريس الانتداب البريطاني عليها، ولاحقا قرار التقسيم الدولي 1947، وقيام إسرائيل في أيار/ مايو 1948 على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني، ومازالت النكبة والهزائم والمصائب تعيث في الوطن العربي حتى يوم الدنيا الحالي، ولم يسمح العالم الرأسمالي بنشوء وتحرر الشعب الفلسطيني على ارض وطنه الام. رغم الاتفاقات المبرمة لبناء جسور السلام الممكن والمقبول.  
ما هي الأسباب الذاتية والموضوعية التي حالت دون تحرر فلسطين؟ ولماذا؟ وما هي المعايير لهكذا فجور امبريا صهيوني؟ 
أولا قراءة في العامل الذاتي. كثيرا ما حملنا العامل الوطني اعباءً فوق الطاقة، ولم ننصف الذات الفلسطينية. لا سيما وان الشعب الفلسطيني منذ السنوات الأولى للهجمة الاستيطانية الاستعمارية في فلسطين وهو يدافع عن حقوقه الوطنية، وتجلت لاحقا في ثورة يافا 1920 و 1921، وسلسلة طويلة من المظاهرات والمؤتمرات الفلسطينية والفلسطينية العربية، وهبة البراق 1929، والثورة الكبرى 1936 / 1939 التي مهد لها الاضراب الأطول في التاريخ من نيسان / ابريل إلى تشرين اول / أكتوبر 1936، وما تلاها من مقاومة بطولية خاضها الشعب الفلسطيني، ثم انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة 1965 وحتى اللحظة وما قدمته من تضحيات جسام على طريق الثورة لتحقيق الأهداف الوطنية. مع ذلك لم تتمكن الثورة من تحقيق أهدافها، وبقيت أسيرة ومكبلة بالقيود والنواظم الغربية الرأسمالية وادواتها العربية المذكورة أعلاه. 
بتعبير ادق العامل الذاتي الفلسطيني في المحطات التاريخية المختلفة من عقود الصراع قدم الاستحقاقات الكفاحية المشروعة ووفق امكانياته وتطور تجربته النضالية. واعتقد جازما ان التجربة الوطنية الفلسطينية لو حصلت في أي مكان من العالم لحققت الانتصار، واندحر العدو أي كان شكله وطبيعته. وهذا لا يلغي ولا يسقط الاعتراف بوجود ثغرات ونواقص في التجربة الوطنية. لكن هناك فرق بين الإقرار بالاخطاء والخطايا، وبين اغلاق الطرق كلها امام النصر الفلسطيني الجزئي على ارض الوطن. 
ثانيا العامل الموضوعي.  مما لا شك فيه، ان الغرب الرأسمالي الذي اعد وخطط ونفذ واصل للمشروع الكولونيالي الصهيوني، ومازال يرعاه، يعتقد ان وظيفة ومهمة المشروع والدولة الإسرائيلية الاستعمارية لم ينتهِ، ومازال له مهمات ينفذها في المنطقة، ليس هذا فحسب، انما قد يعمل الغرب الرأسمالي على بقاء وديمومة الدولة الاسرائيلية على كل فلسطين التاريخية، لاعتقاده ان الصراع مع الامة العربية وشعوب العالم الإسلامي لا ينتهي الا بانتهاء وتدمير وتمزيق وحدة الامة العربية، وحرف بوصلة الصراع نحو البعد الديني، واستحضار الحروب الصليبية وحرب يجوج وماجوج، التي حكمت منطق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن وادارته ضد العراق الشقيق والدول التي مزقتها جماعات التكفير والتهجير والزندقة خلال العقد الأخير بفعل دعم واسناد إدارة الرئيس الأسبق أوباما، التي انتجت وانشأت تلك العصابات وربيبتها اسرائيل، وحكمت سياسات وخطط الرئيس الأميركي السابق ترامب، التي عكستها صفقة القرن بشكل مباشر. 
وهذا المخطط كما اشرت ليس وليد اللحظة التاريخية الراهنة، وانما يعود لاهداف كامبل نبرمان وسايكس بيكو وسان ريمو وما تلاها من مشاريع تفصيلية أدخلت لتعديل سيناريوهات تنفيذها على الأرض وفي الواقع. ووقفت الولايات المتحدة ومعها كل الغرب الرأسمالي خلف الدولة اللقيطة إسرائيل في كل حروبها ضد دول المواجهة العربية، واخضعت الأنظمة الرسمية العربية لهيمنتها بشكل كامل او جزئي. كما انها اوجدت ادواتها الدينية وغير الدينية عبر المنظومة الرسمية والأهلية العربية لتحقيق اغراضها الاستعمارية من بدايات الشروع بتنفيذ أهدافها الاستعمارية الخليط بين نهب الثروات والطاقات والعائدات العربية واستغلال الموقع الاستراتيجي في حروبها ضد اعدائها الاخرين، وبين تحقيق هدفها الديني الصليبي. 
وتمكنت في السنة الأخيرة من تحقيق قفزة نوعية على طريق تعميد دولة المشروع الصهيوني كجزء من دول الإقليم، ليس هذا فحسب، لا بل غيرت كليا مركبات الصراع القومي العربي، واسقطت مفاهيم وقيم ونواظم قومية، واوجدت بدائل لها، حتى باتت إسرائيل حليفا للعديد من الدول العربية، ومازالت بعض الدول العربية تزحف نحو التطبيع المجاني المعلن وغير المعلن. 
طالما الغرب مازال متسيدا على العالم والوطن العربي سيبقى هنالك تعقيدات غاية في الصعوبة امام المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، وان لم ينهض ويستعيد عافيته، كما يليق به وبكفاحه التحرري، قد يكون مصيره مجهولا. الكرة أولا في الملعب الفلسطيني، الذي يفترض مواصلة نضاله الوطني دون يأس، واستعادة زمام المبادرة الكفاحيه لفرض حضوره القوي والقادر على التغيير النسبي في معادلة الصراع. ثانيا قد تتغير الاستراتيجية الرأسمالية عموما والأميركية خصوصا بازاحة الولايات المتحدة عن سدة عرش السياسة الدولية، وسحب ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من يدها. وقبل ذلك في حال نهضت بعض شعوب الدول العربية، وخرجت من نفق المعادلات القائمة.  
[email protected]
[email protected]