الخطاب نقلة نوعية

بي دي ان |

27 سبتمبر 2021 الساعة 06:55ص

القى الرئيس محمود عباس يوم الجمعة الفائت الموافق 24 أيلول / سبتمبر الحالي خطابا عبر الزووم امام الدورة ال76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، واجزم ان الخطاب حمل جديدا معلنا ونوعيا امام المنبر الدولي الأول والاهم والرأي العام بمستوياته المختلفة. لم يكن خطابا تقليديا، بل تجاوز النمطية السائدة في الرؤية السياسية الفلسطينية، وعكس المزاج الشعبي الفلسطيني في مخاطبة العالم في وصوله إلى حالة من القنوط والاستياء والسخط على حد سواء من اليات العمل الدولي تجاه مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحاكى العالم في كافة قضايا الملف الفلسطيني، والاستعصاء الاستعماري الإسرائيلي، والمداهنة العالمية عموما والأميركية خصوصا لدولة الإرهاب والجريمة المنظمة الإسرائيلية وعلى حساب الشعب الفلسطيني والتنفيذ الأمين والمسؤول لاستحقاقات السلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. ووضع خلفية له اثناء القاء كلمته مجموعة الخرائط الفلسطينية وحجم التآكل الذي حصل في الارض الفلسطينية نتاج عمليات الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، في ظل الصمت الدولي المريب، الذي اعطى دولة التطهير العرقي الضوء الأخضر لاستباحة حقوقنا ومصالحنا الوطنية، وقتل أبناء الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم كله دون ان يحرك ساكنا.
من تابع الخطاب جيدا بالتأكيد استوقفته جملة من المفاصل السياسية، التي تضمنها، وادلى بها رئيس الشعب الفلسطيني، ومنها: أولا بدأ على غير العادة بملف عودة اللاجئين الفلسطينيين، ولم يستخدم المفهوم السياسي السابق في الخطاب الفلسطيني العام، الذي كان يركز على حل مسألة اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، والأخيرة تحمل في ثناياها موقفا وسطيا. لكن الحديث هذه المرة جاء قاطعا لا يحمل التأويل او الغموض في هذا البعد، عندما أكد فقط على العودة وفق القرار الدولي 194، والذي يتضمن حق العودة والتعويض للاجىء الفلسطيني، ويشمل الكل الفلسطيني، اي السبعة ملايين. وعندما رفع وثيقة الطابو التي تخصه شخصيا، وتخص عائلته، كان ذلك ذات دلالة هامة، ليؤكد حقه في العودة لبيته وارضه ولحقوقه المسلوبة.
ثانيا رد وتحدى كل مزوري الحقائق، الذين كل ما دق الكوز بالجرة، حَّملوا القيادة والشعب الفلسطيني المسؤولية في تضييع الفرص في صناعة السلام، واكد ان القيادة لم تترك شاردة او واردة او دعوة من اجل السلام الا وطرقتها. قال انا شخصيا وضعت رصيدي كله من اجل بناء السلام. لكن دون نتيجة تذكر. لإن الإسرائيليين لا يريدون السلام، ولا يوجد فيهم شريكا لبناء ركائز السلام الممكن والمقبول، أي حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، واكد على ان القدس الشرقية كانت وستبقى عاصمة للدولة الفلسطينية، ورفض سياسة التطهير العرقي في احياءها، وعدد المذابح والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية والقرى التي دمرتها إسرائيل ويزيد عددها على ال500 قرية وبلدة.
ثالثا والنقطة الهامة التي طرحها بقوة ووضوح، ودون التباس او مناورة في ضوء الاستعصاء الإرهابي الصهيوني، وغياب وتلكؤ المجتمع الدولي لفرض خيار حل الدولتين، هي الخيارات الثلاثة، الثاني بالإضافة للحل المذكور انفا، العودة لتطبيق قرار التقسيم 181 الصادر في 1947، والذي قامت على أساسه الدولة الإسرائيلية نفسها، وربط بين اقامتها وإقامة الدولة الفلسطينية على مساحة 44% من مساحة فلسطين التاريخية، وهذه المساحة ضعف الدولة الفلسطينية على حدود حزيران 1967؛ والثالث الدولة الواحدة على كل فلسطين وعلى أساس المساواة في الواجبات والحقوق الكاملة.
رابعا وهذا البند ليس جديدا، انما عاد واكده مجددا، مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات الصلة بتأمين الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني من جرائم دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وأيضا المطالبة بالبدء فورا بوضع الترتيبات الضرورية لعقد مؤتمر دولي ملزم برعاية الرباعية الدولية لإحلال السلام خلال عام واحد. لان الشعب الفلسطيني ضاق ذرعا، ولم يعد مستعدا للمراوحة في ذات المكان. واكد في السياق، اننا لن نسمح للإسرائيليين الاستيلاء على احلامنا وطموحاتنا في الحرية والاستقلال. واكد اننا لن نستسلم وسنقاوم البلطجة والوحشية الإسرائيلية، ولن نسمح لهم بتسويق روايتهم الزائفة والكاذبة على حساب روايتنا الاصلية والحقيقية.  
خامسا وأيضا هذا البند ليس جديدا، ولكنه طرحه بقوة، واكد عبر تساؤله: لماذا نقبل بالاعتراف بإسرائيل؟ وعلى أي أساس؟ بتعبير آخر، ان القيادة الفلسطينية، التي اتخذت هذا القرار سابقا في المجلسين الوطني والمركزي ستعمل على سحب الاعتراف بإسرائيل، ولن نقبل بان يكون الاعتراف مجانيا وعلى حساب حقوقنا الوطنية المشروعة.
سادسا وجه التحية للأسرى في هبتهم ولدورهم الريادي في مواجهة الاستعمار الاسرائيلي، وتمسك بشكل قاطع لا لبس فيه بالدفاع عن حقوقهم وحقوق اسرهم واسر الشهداء والجرحي. وهو رد مباشر على الدعوات والمطالبات الإسرائيلية والأميركية ومن لف لفهم برفض وصفهم ب"الإرهابيين" وقال بالفم الملآن هؤلاء هم رموز وطنية، دافعوا عن حريتهم وحرية شعبنا.
سابعا رفض رفضا صريحا اتهام الشعب الفلسطيني بممارسة التحريض، وبث الكراهية، لان الشعب ومؤسساته الوطنية التربوية والإعلامية تتمسك بالرواية الوطنية، وتساءل لماذا نحن الذين يطلب منهم مراقبة خطابنا الإعلامي ومنهاجنا التربوية، وفي ذات الوقت يجري غض النظر عن الاعلام والمناهج التربوية والقوانين العنصرية وفتاوي رجال الدين الإسرائيليين، التي تنهل جميعها من وعاء العنصرية والكراهية والقتل والفاشية على مدار الساعة. ورفض المساواة بين خطابنا المدافع عن الرواية الوطنية والسلام في آن والخطاب الاستعماري العنصري الفاشي الإسرائيلي.
وجال في الملفات المختلفة بما في ذلك الملفات الداخلية ما يتعلق منها بالدولة ومؤسساتها، وتعزيز العملية الديمقراطية في أوساط الشعب، والوحدة الوطنية والانتخابات بمستوياتها المختلفة، واشكال المقاومة وعلى راسها المقاومة الشعبية الخ.
دون إطالة كان الخطاب نوعيا وواضحا وعميقا، ولا تشوبه شائبة من الغموض او الالتباس او التأويل. واعتقد ان الخطاب يحتاج للتدعيم والتجذير في الممارسة العملية عبر برامج عمل، واليات وامكانيات لتحقيق الأهداف الوطنية. وللحديث بقية.
[email protected]
[email protected]