الأمم المتحدة تتحول لمخبر

بي دي ان |

22 سبتمبر 2021 الساعة 07:09ص

الولايات المتحدة الأميركية كانت المبادرة لتأسيس منظمة الأمم المتحدة، ووضعت ركائز المشروع الاممي الجديد في العام 1944 بعد تصفية عصبة الأمم، وكانت تهدف لاستثمار هذا المنبر الاممي في تمرير سياساتها الاحتوائية لمنابع الصراع بهدف فرض هيمنتها الكلية على العالم، ومد نفوذها من النصف الغربي للكرة الأرضية إلى كامل العالم. وبالتالي عملت اميركا على الاستفادة من وجود المنبر الاممي على أراضيها، ودفعت بالعشرات والمئات من مخبريها داخل هيئات ومنظمات المنظمة الدولية الام لتحقيق أكثر من هدف، الأول الوقوف على الحوارات التي تجري داخل اروقتها، بحيث تكون عينها الساهرة فيها، والثاني لوضع السياسات الهادفة لتعزيز وجودها وفرض حضورها من خلال مجمل السياسات والاقتراحات التي تقترحها لتوجيه المنظمات الأممية وفق خياراتها ومحدداتها السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية؛ والثالث لتكريس حضورها في دوائر الصراع المختلفة. لا سيما وأنها كانت المساهم الأبرز والاهم في موازنة الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية، والمؤهلة أكثر من غيرها من الدول والاقطاب الدولية، التي خرجت جميعها، التابعة والمعادية لها من الحرب العالمية الثانية 1939/ 1945منهكة من نتائجها التدميرية.  
ومنذ تم تأسيس وانشاء دولة المشروع الكولونيالي الصهيوني في العام 1948 على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني والإدارات الأميركية المتعاقبة تعمل على اكثر من مستوى وصعيد على حرف بوصلة الصراع الفلسطيني الصهيوني، فأولا سعت عن سابق تصميم وإصرار على تغييب الملف السياسي للقضية الفلسطينية، وحولت الصراع لقضية إنسانية تتعلق بمساعدة اللاجئين وتأبيد اقامتهم حيث لجأوا لمناطق أخرى من فلسطين في الضفة والقطاع ودول الدول العربية؛ ثانيا قدمت جملة من مشاريع الاقتراحات لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء وغيرها من المناطق، واولها مشروع جونسون عام 1953 الذي تم التصدي له واسقاطه عام 1955؛ ثالثا استخدمت نفوذها في المنظمات الفرعية للأمم المتحدة لتطويع الوعي الفلسطيني، وقامت بمحاولات عدة ومتواصلة لعملية غسل دماغ لهم، ومنها سعيها وضع اطار قانوني لوجستي لتحويل المنظمة الدولية كمخبر لأجهزتها الأمنية، واستخدام نفوذها للتحريض على كفاح الشعب الفلسطيني التحرري؛ رابعا استخدام اسهاماتها غير المجانية للأمم المتحدة للي ذراع المنظمة الأممية، وتمرير سياساتها لفرض خططها ومشاريعها المتناقضة مع خيار السلام السياسي الممكن والمقبول.
ورغم ان اتفاقات الإطار السابقة مع الأمم المتحدة فشلت، غير ان الولايات المتحدة الأميركية لم تستسلم فعادت مجددا وبعد مغادرة وسقوط إدارة ترامب من مد جسورها مع القيادة الفلسطينية ومع المنظمة الدولية، وفعلا اعادت دفع اسهاماتها مجددا للأمم المتحدة بعد ان اوقفها الرئيس السابق في نهاية اب / اغسطس 2018، ولكن عملت على استغلال اللحظة السياسية لفرض اتفاق إطار جديد مع الأمم المتحدة، وقع في 14 تموز / يوليو 2021 وينتهي في 30/12/2022، والذي رسم ملامح العلاقات الثنائية بين اميركا والمنظمة الأممية، وحولها إلى أداة امنية، تعمل لصالح الCIA، واكد الاتفاق أن "الاونروا" تستوفي شروط المساهمات الأميركية وفقا للمادة 301 (ج) من "قانون المساعدات الخارجية لعام 1961." وتطبق المبادئ الإنسانية للأمم المتحدة، أي الحياد والإنسانية، والاستقلالية وعدم التحيز. وكانها ارادت بهذا البند ان تسقط عن الفلسطيني حقه في الدفاع المشروع عن أهدافه الوطنية، وارادت ان تحوله إلى شخص غير ذات صلة بكفاحه التحرري.
واستجابة مباشرة للمنطق الأميركي الداعم للدولة الإسرائيلية المارقة قام المفوض العام الجديد ل"الانروا" فيليب لازاريني وقبل توقيع الاتفاق، اثناء الحوارات بين الطرفين بإدانة جميع مظاهر التعصب الديني او التحريض او المضايقة." فضلا عن مواقفه التي أعلن عنها زمن المواجهات بين دولة إسرائيل والاذرع الفدائية الفلسطينية في أيار / مايو الماضي، مما اثار ردود فعل غاضبة ضده، استدعى مغادرته لقطاع غزة مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا).
كما والزم الاتفاق "الاونروا" بالحفاظ على حيادها في سلوك موظفيها، وموادها التعليمية، ومراجعة مناهج الدول المضيفة، وإدارة ابنيتها، وضمان الاستخدام السليم لأصولها." وتعميقا لتوجهها، ارادت ان تفرض الحيادية ليس على الشعب العربي الفلسطيني المتلقي للمساعدات، وانما اخضاع المدرسين لذات المنهجية، وفرض القيود عليهم، وابعادهم عن الكفاح التحرري الوطني تحت يافطة "الحيادية"، وبهدف طمس الرواية الفلسطينية، وهذا مخالف لأبسط معايير حقوق الانسان عموما، ولحقوق الشعوب عموما والشعب الفلسطيني خصوصا من الدفاع عن حقه في الحرية والاستقلال السياسي والثقافي والقانوني والاقتصادي، وتحويله (الشعب الفلسطيني) عمليا لأداة بيد إسرائيل ومشروعها الاستعماري، لإن الحيادية هنا تعني القبول بالاستعمار وتأبيده، وهو ما رفضه ويرفضه الشعب الفلسطيني جملة وتفصيلا.  
ودون الخوض في باقي نصوص الاتفاق، حول "الاونروا" إلى مخبر بوليسي عند الإدارة الأميركية وأجهزتها الأمنية، وبشكل مباشر عند دولة الاستعمار الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني؛ ثانيا تحييد الطلاب والموظفين وكل اللاجئين عن قضيتهم، وعن حريتهم واستقلالهم؛ ثالثا وضع السيف على رقابهم من خلال عملية الترهيب والتهديد في حال لم يقبلوا بالأمر الواقع، فإن المساعدات ستنقطع عنهم، وهو ما يعني تهديدهم بلقمة عيشهم والخدمات الطبية والتعليمية المتواضعة، التي تقدم لهم.
وعليه فإن الشعب العربي الفلسطيني وقواه السياسية الحية ومثقفيه واعلاميه ونخبه جميعها، عليهم رفض اتفاق الاطار، واسقاطه كما تم اسقاط اتفاق الاطار عام 2005و 2017 والتصدي لسياسة التغول الصهيو أميركية.
[email protected]
[email protected]