فائض الشيكل .. مقصلة تطوق عنق الإقتصاد الفلسطيني

بي دي ان |

20 أكتوبر 2020 الساعة 03:03م

تتوالي الازمات التي تعصف بالاقتصاد الفلسطيني جراء القيود والسياسات التي تتبعها سلطات الاحتلال للحيلولة دون تحرر واستقلال الاقتصاد الفلسطيني عن التبعية المقيتة للاقتصاد الاسرائيلي، والإعتماد عليه بشكل كبير.
فمشكلة تراكم الفائض النقدي من عملة الشيكل في البنوك الفلسطينية، واحدة من الأزمات المصطنعة اسرائيليا، للضغط على الاقتصاد الفلسطيني، وارهاق جهازه المصرفي، وحرمانه من الاستفادة من الأموال المودعة لديه، بل تحويلها الى كابوس وهم كبير قد يكبد الجهاز المصرفي خسائر كبيرة اذا ما استمرت هذه الفوائض من الشيقل جاثمة في خزائه
ورغم أن البنوك الاسرائيلية ملزمة باستقبال فوائض عملة الشيكل لدى البنوك الفلسطينية ، بموجب اتفاق باريس الاقتصادي مع السلطة الفلسطينية، ضمن سقف محدد متفق عليه، على ان يجري تعديله بين فترة وأخرى حسب تقييم الطرفين، الا أن اسرائيل حولت هذا البند من الاتفاق الى وسيلة ضغط جديدة توظفها اسرائيل لابتزاز السلطة في مواقف سياسية
وتعود مشكلة تراكم الفائض النقدي بعملة الشيكل لدى البنوك العاملة في الاراضي الفلسطينية، الى عدة أسباب أهمها هو أجور العاملين الفلسطينيين في الداخل الاسرائيلي، اذ يقدر عدد العاملين في اسرائيل بحوالي 130ألف عامل، يجلبون الى السوق الفلسطيني حوالي 700 مليون شيقل سيولة نقدية، بالإضافة إلى تحويل المقاصة من إسرائيل للسلطة (قبل توقف السلطة عن استلامها) والتي تصل قيمتها لحوالي 500 مليون شيكل شهريا، ومشتريات فلسطينيي الداخل من اسواق الضفة الغربية والتي تقدر بحوالي 250 مليون شيقل شهرياً، هذا التدفق بعملة الشيقل أكبر من قدرة النظام المصرفي الفلسطيني على استيعابه وتصريفه داخليا او محلياً، لذا تسعى سلطة النقد الى تصريف هذا الفائض الى البنوك الاسرائيلية، كما هو مصرح به بسقف 4 مليار شيقل كل ثلاثة أشهر، بهدف تحويل هذه الفوائض النقدية الى أرصدة، للاستفادة منها في اتمام الصفقات التجارية، وعمليات الاقراض والتمويل، وتغطية حسابات المراكز، وتلقي فوائد على أرصدة الودائع. 
لكن اسرائيل، ردا على موقف السلطة الفلسطينية، بقطع كل أشكال العلاقة مع الحكومة الاسرائيلية، طلبت من البنوك الاسرائيلية عدم استقبال أية شحنات نقدية من البنوك الفلسطينية، وفرضت سقف على الدفعات النقدية بحيث لا يتجاوز 11الف شيقل، في خطوة جديدة لفرض مزيد من الضغوط على السلطة، وتقييد النظام المصرفي، وتحجيم الاقتصاد الفلسطيني
فتراكم السيولة النقدية في المصارف الفلسطينية، يحولها الى أعباء، بسبب تكاليف تخزينها، ودفع الفوائد على ودائع العملاء منها، وتحمل الفوائد على حسابات المراكز المكشوفة لدى البنوك الاسرائيلية نتيجة عمليات التقاص على الشيكات أو الحوالات، ناهيك عن فقدان فرصة استثمار هذه الاموال في عمليات التمويل، أو صفقات أسعار الصرف مقابل العملات الاخرى كالدولار
وفي إطار تخفيف الضغوط عنها لجأت البنوك العاملة في الاراضي الفلسطينية، الى سياسة فرض سقف على الدفعات النقدية، وهذا أدى الى توليد أزمة جديدة لدى التجار، الذين اصبحوا عاجزين عن تغطية التزاماتهم المالية، سواء كانت شيكات أو حوالات، وهذا شكل عائق كبير أمام إتمام الصفقات التجارية وعمليات الاستيراد من الخارج. 
ورغم انعدام الحلول السحرية السريعة لمثل هذه المشكلة، فالإنفكاك النقدي عن الاحتلال سيكون الأصعب في ظل غياب العملة الفلسطينية، حيث يتطلب خطوات طويلة الاجل، فحجم الارتباط في العلاقات النقدية كبير جدا، فنحن بحاجة في البداية لعلاج التدفقات النقدية لدينا، لذا بات من الضروري زيادة الوعي المصرفي خاصة لدى العاملين في الداخل الاسرائيلي، الى أهمية استلام أجورهم عبر حساباتهم البنكية، أو بواسطة أدوات دفع مالية ورقية كالشيكات، أو وسائل دفع رقمية عبر الوسائط والمحافظ الرقمية، كما أنه أصبح من الضروري زيادة عدد الاتفاقيات مع المحال التجارية وشركات الدفع الالكتروني الفلسطينية، وتعديل العادات الشرائية لدى جمهور فلسطينيي الداخل للاستعاضة بوسائل الدفع الالكترونية عن عملة الشيكل النقدية، في إطار تعزيز الثقافة المصرفية وتقليل الاعتماد على السيولة النقدية وحل مشكلة الفوائض والكتل النقدية من عملة الشيقل
*باحث اقتصادي