التمرد الصهيوني على الحليف الأمريكي

بي دي ان |

14 يونيو 2021 الساعة 01:24م

بالرغم من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ينتمى إلى جيل من المسئولين الأمريكيين الذين يتشبثون برؤية عتيقة بائسة تعتبر إسرائيل ديمقراطية ساطعة في بحر الاستبداد العربي، وبالرغم أيضاً من دعم بايدن المفضوح لإسرائيل في عدوانها الأخير على غزة، وتغافله عمداً عما يرتكب من انتهاكات بحق  الفلسطينيين، إلا هذا الموقف الداعم لا يخفي حجم التغييرات التي طرأت مؤخراً على علاقة أمريكا بإسرائيل.. والواقع أنه حتى وقت قريب كان قادة الكيان الصهيوني والناخبون الإسرائيليون يتعاملون مع واشنطن على أنها ضرورية لبقائهم، إلا أن هذا الاعتماد وفقاً للمعطيات الراهنة يقترب الآن من نهايته، مع سعي إسرائيل الحثيث وبهدوء لتحقيق استقلال حقيقي عن الولايات المتحدة.
لم تعد تل أبيب بحاجة إلى ضمانات أمنية أمريكية، ولم تعد بحاجة إلى وساطة أمريكية في الصراع الفلسطيني، وفي السابق، كانت إسرائيل تعتمد على الأسلحة الأمريكية، لكنها حاليًا تُنتج أسلحتها الأساسية، ومن الناحية الدبلوماسية، أصبح الكيان الغاصب أكثر اعتمادًا على نفسه، إذ تمكن من تكوين تحالفات بعيدًا عن واشنطن، وحتى من الناحية الثقافية أصبح الإسرائيليون أقل حماساً للحصول على الرضى الأمريكي، وقليلًا ما يضغطون على قادتهم للحفاظ على وضع إسرائيل الجيد في بلاد العم سام.
رغم ارتفاع المساعدات الأمريكية لإسرائيل بشكل قياسي، إلا أن  تنامي الاقتصاد الإسرائيلي على مدى عقود جعله أقل اتكالية على الأمريكيين، وكانت مساعدات واشنطن لتل أبيب في عام 1981 تعادل نحو 10٪ من الاقتصاد الإسرائيلي، بينما قُدِّرت في عام 2020 بحوالي 4 مليار دولار، أي ما يُعادل نحو 1٪ من الاقتصاد الإسرائيلي، ويتزامن هذا مع غضب بعض النخبة من الديمقراطيين والنشطاء اليساريين الأمريكيين من الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة بحق الفلسطينيين، وهو ما يُعد تحديًا للإجماع الطويل الأمد في واشنطن بشأن إسرائيل. 
بطبيعة الحال، لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بقدر من النفوذ في إسرائيل، لكن هذا النفوذ الطاغي في عصر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يتراجع إلى النقطة التي تكون فيها إسرائيل قادرة ومستعدة لأن تفعل ما يحلو لها، سواء بإجماع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري أم من دون ذلك، وفي السنوات الماضية، كانت أهم أدوات إسرائيل العسكرية هي الطائرات الحربية الأمريكية وغيرها من المعدات المتطورة، والتي تطلبت موافقة الكونجرس والبيت الأبيض، لكنها الآن تعتمد على تكنولوجيا الدفاع الصاروخي التي يجري تصنيعها وصيانتها إلى حد كبير في الداخل الإسرائيلي.
بدأت إسرائيل العمل نحو تحقيق استقلالها العسكري تسعينات القرن الماضي، إذ أدَّت العلاقات الباردة مع إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش الأب، إلى جانب فشل الولايات المتحدة في منع الصواريخ العراقية من ضرب إسرائيل، إلى إقناع قادة إسرائيل بأنهم لا يستطيعون الاعتماد على الدعم الأمريكي إلى الأبد، وتعمق هذا الشعور أكثر في ظل الرؤساء الأمريكيين اللاحقين، الذين تتعارض الضغوط، التي يمارسونها من أجل تحقيق "السلام" مع الاختيارات الإسرائيلية المفضلة للحفاظ على السيطرة على الضفة الغربية ومحاصرة غزة حصارًا محكمًا.
هناك تهديد وجودي آخر عجل بالاستغناء الإسرائيلي عن الحماية الأمريكية، وهو العزلة الدولية، فقد سعَت إسرائيل في السابق إلى قبولها من الديمقراطيات الغربية، التي طالبت بأن تستوفي سلطة الاحتلال المعايير الديمقراطية، أما الآن فتعيش إسرائيل في مناخ دولي أكثر دفئًا، إذ انتهى عصر القوى المعادية للإمبريالية التي تحدَّت إسرائيل في يوم من الأيام، وبينما تبدو المواقف الدولية تجاه إسرائيل متباينة وتميل إلى السلبية في المجتمعات المسلمة، أقامت إسرائيل علاقات في دول أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.
منتصف عام 2010 شنَّ رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، حملة مباشرة ضد إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بسبب سياساته في الشرق الأوسط؛ ما أدَّى إلى تدهور العلاقات بين الطرفين، ومنذ ذلك الحين أنشأ نتنياهو شبكة علاقات مع دول ديمقراطية غير ليبرالية، مثل البرازيل، والمجر، والهند، والتي تتعامل مع الكيان الصهيوني بِمنأى عن إدانة الانتهاكات بحق الفلسطينيين، ونتيجة لذلك لم يعد الإسرائيليون يرون أن قبول الولايات المتحدة لسياساتها أمر ضروري لبقائها على قيد الحياة، كما أدى ارتفاع نزعة القومية لدى الإسرائيليين إلى استعدادهم لتجاهل النقد الدولي، وللأسف، فإن الأحداث غرست شعورًا لدي الإسرائيليين بالإفلات من العقاب، ولم يعودوا يخشون انتقام الساسة الأمريكيين.

• خبير دولي متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية