عشرون عامًا بتوقيت انتفاضة الأقصى

بي دي ان |

28 سبتمبر 2020 الساعة 02:08م

عشرون عامًا مرت كلمحة بصر، لحظة لا تزول رغم مرورها وتعاقب السنوات، لم تتزحزح عن حاضري ووعي شعوري، انطلاقي خوفي قلقي سهري على أنغام وين الملايين، وعلى صوت الحجر، مشهد الدرة المكرر في حضن أبيه، وجنازته الممتدة، أصبح عندي اليوم بندقية إلى فلسطين خذوني معكم، وجه الياسين الأنور، كوفية أبو عمار، صوت الرنتيسي أن عدونا لا يفهم إلا لغة الحراب، ودماء أبو علي مصطفى وجمال منصوررحمهما الله.

وداع الرفاق نور الدين صافي إسماعيل المعصوابي، أصدقاء البكاء والمدرسة، أحداث تتسارع، تغيرات كبيرة بلحظات وسنوات قليلة، كنت أخفق بشدة وألهث في تلاحق سريع، تحتاج عداء ماهر لا يتعب، يستوعب مئة عام في سنة. 

نعيش ذكرى انتفاضة الأقصى التي غيرت وجه القضية الفلسطينية. وكانت حلقةً هامةً في تاريخ نضال شعبنا وكفاحه ضد المحتل الصهيوني، وفيها اتحدت قوى وفصائل المقاومة والقطاعات المختلفة تحت رايةٍ واحدةٍ وعنوانٍ صريح، وقدمت خلالها نماذج فريدة مدهشة بعطائها وصمودها وإبداعها، وظهرت بطولات حية سجلها التاريخ، وودعنا خير قادتنا وجنودنا في قوافل من الشهداء تترى.

بدأت الانتفاضة كثورة شعبية برعايةٍ رسميةٍ وباتفاق مكونات الفلسطينيين فدعموها وساندوها بأطيافهم المختلفة، وفي البداية ظنناها محدودةً كهبة النفق وجبل أبو غنيم سرعان ما تنطفئ بقرار رسمي لاستثمارها بالتفاوض، إلا أنها كانت ككرة الثلج المتدحرجة كبرت يوماً بعد يوم، وكان للإعلام المحلي والعربي والدولي وانتشار الفضائيات، وبداية ظهور الانترنت الأثر الكبير في تعاظمها وريادتها، حيث بُثت الأحداث بصورة مباشرة، وظهرت الرموز الوطنية تباعاً وبشكل يومي للرأي العام، فنقلوا المعاناة وعززوا صمود شعبنا وتحدثوا حول رسالاتها وغاياتها.

ما ميز هذه الانتفاضة مشاركة الكل الفلسطيني إن كان بالداخل أو الخارج، وعلى كامل بقاع أرض الوطن بمن فيهم فلسطينيو 48 الذين أبدعوا بانطلاقتها وقدموا الشهداء وتفانوا بدعمها ثقافياً وإعلامياً، ومعنوياً ومادياً، مما أكمل المشهد والطاقات وحقق الكثير من الانتصارات على المستويات المختلفة.

كما أنها تحولت من انتفاضةٍ شعبيةٍ بالحجر والمقلاع رموزها أطفال الحجارة محمد الدرة وفارس عودة، إلى انتفاضةٍ مسلحةٍ داخل الأراضي المحتلة عام 67 يتم فيها اصطياد المستوطنين وجنود وحراس المستوطنات، ومن ثم انتقلت لانتفاضةٍ شاملةٍ وصلت لأن تضرب العمق الإسرائيلي في يافا وحيفا و(تل أبيب) بعمليات فدائية نوعية.

هذه الانتفاضة كبدت الاحتلال الإسرائيلي نسبةً كبيرةً من القتلى والجرحى لم يتكبدها من قبل، وكسرت قواعد الأمن والاطمئنان لديه وحطمت نظرية أمنه الداخلي وتجنيب الجبهة الداخلية الإسرائيلية نار الحروب، فنُقلت المعارك إلى العمق الصهيوني في القدس المحتلة و(تل أبيب) وحيفا ويافا وصفد.

وعلى الرغم من أن المحتل أوغل كثيراً بدماء شعبنا وقتل الآلاف من الأطفال والنساء والرجال إلا أن نسبة القتلى كانت متقاربة 1 إلى 2 أو و1 إلى 3، وهي أكبر نسبة تتجرعها (إسرائيل) في جميع حروبها.

إن الانتفاضة هي الوضع الطبيعي لشعبنا ما دمنا تحت الاحتلال، فبرغم الآلام والجراح وما نعانيه من جرائم إسرائيلية ضد شعبنا إلا أن أفضل أحوالنا كشعب وقضية كانت خلال ثوراتنا وانتفاضتنا، وكنا نشاهد القادة العظام من مختلف الاتجاهات والتوجهات في الضفة الغربية وقطاع غزة والمثلث والجليل ومخيمات لبنان وسوريا والأردن يدهم موحدة وقراراتهم مجتمعة وهدفهم واضح وجلي ومتفق عليه، وما عرفنا الصراع والانقسام والمشاكل الاقتصادية والهوان والأزمات إلا بعد خفوت صوت الانتفاضة.

واليوم نعيش أمل الوحدة من جديد، بمسيرات العودة، وحوارات اسطنبول، ولقاءات القادة واجتماع مجلس الأمناء العامون، وتفاعل مخيمات لبنان وحضورها، ووحدة الموقف الفلسطيني ضد صفقة القرن، وتحدي الإرادة الامريكية ومشاريع ترامب وموجات التطبيع العربي، لأمل أن خيار المواجهة والوحدة، وإعادة ترتيب الصف، والانطلاقة المتجددة الطريق الأنجع، لإعادة اعتبار قضيتنا ومسارها الصحيح.