لا انتخابات بدون القدس

بي دي ان |

16 ابريل 2021 الساعة 02:06ص

مسألة القدس تعود الى الواجهة السياسية مرة أخرى، بعدما أصرت حكومة الإحتلال الاسرائيلي على التنكر لإلتزاماتها الدولية والإتفاقات التي وقعت مع الجانب الفلسطيني؛ بما فيها إتفاق أوسلو 2 عام 1995، والذي يقضي بإجراء الإنتخابات في مدينة القدس المحتلة عبر صناديق البريد. في هذا الإطار، قال وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ في تغريدة له عبر حسابه في "تويتر" في فبراير الماضي "خاطبنا الحكومة الإسرائيلية رسمياً بموضوع مشاركة المقدسيين ترشحاً وانتخاباً، وتلقينا رداً إسرائيلياً على مطالبتنا بأنهم لن يعطوا جواب قبل الانتخابات الاسرائيلية". وللأسف، فإن إسرائيل التي تسعى لإرجاء والماطلة في الرد على هذا الطلب الفلسطيني تستمر في حججها غير المقبولة؛ ليس فقط بسبب الخارطة السياسية اليمينية التي ما زالت مهيمنة على الكنيست الاسرائيلية للمرة الرابعة خلال العامين المنصرمين، وإنما أيضاً بسبب حجج واهية أخرى مثل إنتشار كورونا؛ كما ورد في صحيفة "معاريف الإسرائيلية" التي نقلت خبراً مفاده رفض الحكومة الإسرائيلية لوجود مراقبين أوروبيين للإشراف على الإنتخابات الفلسطينية التي ستجري في 22 أيار القادم بسبب مخاوف إنتشار الوباء!. 
في الواقع، تخشى الحكومة اليمينية الإسرائيلية في سماحها للفلسطينيين بإجراء الإنتخابات في القدس أن تفقد ورقة " القدس الموحدة عاصمة للدولة العبرية"، وهي الورقة التي تغنى بها "نتنياهو" بإعتباره موجدها، بالتعاون وبالدعم من قبل حليفه الرئيس الأمريكي السابق "ترامب"، صاحب ما يسمى بصفقة القرن. ومن هنا، نجد نتنياهو يماطل في رده بخصوص السماح بعقد الإنتخابات في القدس من جهة، ومن جهة أخرى، لا يريد أن يعلن موقفه الصريح الممانع هذا حتى لا يتحمل مسؤولية عدم إجراء الإنتخابات الفلسطينية العامة أمام حلفائه الأوروبيين والأمريكيين. وفي المساحة بين هاتين الجهتين، تسعى الحكومة الإسرائيلية بصمت بالإستمرار في سياسة التهويد وهدم بيوت المقدسيين، ومنع عقد أي تجمعات أو مظاهر إنتخابية في المدينة المقدسة، بإعتبارها جميعها مخالفة صريحة للقانون الدولي سوف تحاسب إسرائيل عليها على حد تعبير الدكتور محمد اشتية رئيس الوزراء الفلسطيني. ومن جانب آخر، تقوم أجهزة الأمن الداخلية فيها بتهديد المقدسيين بعدم الترشح أو التصويت في الإنتخابات، كما تقوم بإعتقال العديد من النشطاء المقدسيين والمرشحين، وتستمر في إغلاق مكاتب الهيئات العامة الفلسطينية داخل المدينة. وفي كل هذه الإجراءات، تحاول إسرائيل أن توصل رسالة الى الفلسطينيين بمنع إجراء الانتخابات في القدس. ولم يقتصر الأمر على الرسائل غير المباشرة، وانما وحسب ما أورده الشيخ، فإن إسرائيل من خلال رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” نداف أرغمان حاولت الضغط على الأخ الرئيس محمود عباس، لإلغاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة هذا العام، والرئيس أبو مازن الذي أسقط صفقة القرن برفضه الأسطوري، أصر على عقد الإنتخابات مرة أخرى مؤكداً على رفض إجرائها بدون القدس. 
في الحقيقة، تصر القيادة الفلسطينية على موقفها الرافض لإجراء الإنتخابات بدون القدس، وقد أكدت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في إجتماعها الطارئ في مقر حركة فتح الإثنين الماضي على هذا الموقف الثابت في بيانها الختامي للإجتماع.  وصرح محمود العالول نائب رئيس حركة فتح بأنه "لا يمكن لأي فلسطيني جعل القدس خلف ظهره في الإنتخابات الفلسطينية" وشدد واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية في المنظمة على أن "جميع الفصائل تؤكد على أنه لا إنتخابات من دون مشاركة الفلسطينيين في القدس بالعملية الديمقراطية ترشحاً وتصويتاً، وأي مساس بالعملية الانتخابية في المدينة يعني تعطيل الانتخابات".
ويأتي موقف الفصائل الوطنية برفض إجراء الإنتخابات بدون القدس إنطلاقاً من منظومة الثوابت الوطنية الفلسطينية التي تعتبر مدينة القدس جزءاً من الأراضي الفلسطينية التي أحتلت من قبل إسرائيل عام 1967 وتنطبق عليها قرارات الشرعية الدولية؛ وأهمها قرار 242، وبالضرورة، فالإنتخابات في القدس ليست قضية فنية أو تكتيكية، وإنما هي قضية سياسية في جوهرها، بإعتبار التهاون في موضوعة إجراء الانتخابات في القدس يعني التماشي مع إرادة الإحتلال بتهويد المدنية، وإخراجها من على "طاولة المفاوضات" كما تفترض صفقة القرن، وهو الأمر الذي تسعى إسرائيل جاهدةً لإختبار الإرداة الفلسطينية حوله. وفي النتيجة، فإنه من خلال الموقف الفلسطيني الثابت والواضح حول هذه القضية، فإن رسالة الفلسطينيين لإسرائيل وللعالم أيضاً تختزل في عبارة صريحة وهي "لا إنتخابات بدون القدس". وهذه العبارة تشير أولاً الى أهمية القدس في الهوية الفلسطينية النضالية باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية، كما أنها تشير ثانياً الى ضرورة قيام العالم كله بمسؤولياته القانونية والسياسية بالضغط على حكومة الإحتلال بالسماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات في مدينية القدس المحتلة. وأنه اذا لم تتم الإنتخابات العامة الفلسطينية بسبب القدس، فإن إسرائيل وحدها هي التي تتحمل هذه المسؤولية، وعلى المنظومة الدولية بكل مكوناتها أن تحمل حكومة الاحتلال المسؤولية تجاه هذا الأمر. وبالضرورة، فإن معركة الإنتخابات في القدس ستكون حتماً إستكمالاً لمعركتنا ضد صفقة القرن، وإستمراراً لمعركتنا ضد الإحتلال الإسرائيلي في سبيل تحقيق الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.