ابن عربي سيد اللحظة
بي دي ان |
26 فبراير 2021 الساعة 08:16م
لا شك في أن "محي الدين بن عربي" من عباقرة زمانه، حيث فاقهم ابداعا ومعرفة كما كان رحّالة لا يعرف الملل أو الكلل، وعُرف أيضاً بأنه من أعظم وأشهر المتصوفين على مر العصور والأجيال. ولد من أب مورسي وأم أمازيغية، ونشأ وتلقى تعليمه في مدينة إشبيلية.
لم يتمسك ابن عربي بالموروث وسرعان ما شرع في البحث عما سماه "الطريق الروحي". إنه وريث الأفلاطونية الحديثة، حيث استطاع أن يوفق بين المذهب اليوناني والشرقي، واستخدم أبحاثه وتعاليمه في المجال الكوني لشرح العلاقة بين الخالق وصنعه.
جاب ابن عربي كل من الأندلس وشمال إفريقيا، كذلك زار القاهرة والقدس، وبعد عامين من التجارب في مدينة مكة، ذهب إلى بغداد وأخيرًا مر بسوريا. حيث استقر إلى حين وفاته وكان ذلك عام 1240. اليوم يمكن زيارة قبره، الذي يوجد في سرداب أحد المساجد بدمشق.
تعتبر جميع رحلات إبن عربي بالأساس رحلات روحية. جاب ابن عربي الأرض والبحر من أجل البحث في عالم العلامات الإلهية، بالإضافة إلى ذلك تجول في المناطق الجغرافية التي تبعث فيه حب الخيال والعلم. في الواقع هناك اعتقاد شائع عند المتصوفين أن كل ما هو موجود على وجه الأرض سيعيش لا محالة رحلة لا نهائية. حسب الإعتقاد الصوفي لا تتحرك الكواكب فحسب، بل تتحرك أيضًا المخلوقات نحو طريق مسير بواسطة الاله.
إن أصل الوجود هو الحركة والسفر، ولا يتوقف هذا الشغف سواء في العالم العلوي أو الدنيوي. مما يؤكد أن نمط الحياة المستقرة عند الصوفيين هو مجرد وهم، على غرار الأرض المسطحة أو الثابتة. كما أن شرط وجود الخلق في الحياة يتمثل في الحركة والمحبة هي أساسها. تجدر الإشارة إلى أن هذه الرحلة الحياتية تتركز على ثلاث مفاهيم، وهي رحلة من الله و رحلة في الله و رحلة نحو الله.
المفهوم الأول يمثل رحلة الحياة من المهد إلى اللحد. والمفهوم الثاني طريق الشعراء، الذي يتسم في غالبه بالضياع والحيرة. أما المفهوم الثالث فله بابان، باب الإيمان والثقة وهو طريق أرضي والباب الآخر يأخذك إلى المغامرة البحرية، وهي طريق نحو المعرفة. عموما بغض النظر عن اختيارك، فإن الرحلة لا تنتهي وعندما يُخيل إليك أنك وصلت إلى وجهتك المنشودة، تفتح لك الحياة أفقا جديدا.
في التقاليد الإبراهيمية، يقود هذه الرحلة أساسا الذات الإلهية، حيث أن جوهر الرحلة فيها ليس الإرادة والجهد، التي تعتبر نوعا ما نعمة إلهية غير مرغوب فيها عند الصوفية. وصف ابن عربي إحدى الرحلات الليلية، في مدينة فاس، على أنها رحلة أفقية مرت عبر العناصر الآتية (الأرض والنار والماء والهواء) وعبر ممالك الحيوانات والنباتات والمعادن. كلهم مظاهر إلهية، ونوع من الوجود الإلهي الطبيعي، وجود يمجد الذات الإلهية في نفس الوقت. يبدو للحظة أن التسلسل الهرمي منقلبا، النبات وجد قبل الحيوان، ولا يتحرك الحيوان إلا عند البحث عن الضوء ومن قبله وجد المعدن. وذلك لأنه لا يمكن أن يوجد مخلوق أعلى من الحجر.
من ناحية أخرى يؤدي الصعود العمودي إلى الكشف عن النورالأساسي، وإلى فهم مسار الوجود الإلهي. وهذا يُطلق عليه العلم الأسمى، من ينجح في الوصول إليه يصبح له قدرة روحية يستطيع أن يتأمل بها الوجود الإلهي. إن معرفة الذات لا تتحقق، إلا بالنظر باستمرار في الوجود اللامحدود للخلق. وعلى حسب توقع غوتفريد فيلهيلم لايبنتز، إنه على الرغم من أن نور الوجود فريد من نوعه، إلا أن كل شيء موجود على وجه الأرض يمكن أن ينعكس بطريقة ما، حيث أنه ليس هناك تساو بين جميع المخلوقات. بصفة عامة نظرة الإله أمر أساسي لمصير العالم. وإذا توقف الله عن رعاية خلقه، فسيَغرق العالم في الظلمة. حماية الاهية ترعانا وفي نفس الوقت يمثل غيابها دمار للوجود الإنساني.
المناخ الثامن
وفقًا للأسطورة الأفلاطونية، فإن الجزء العلوي من العالم أجساما دون وزن، وعالم روحي غير مادي. بينما الجزء السفلي يملأه العديد من التجارب الحسية للأجساد. في الحقيقة العالم ثالوث حقًا من خلال التنوع المنهج الصوفي، الذي يضع العالم الخيالي للأرواح في مكانه. هذا العالم البيني ليس عالمًا خياليًا، إنه تخيل واقعي لحقيقة الرمز، الذي يمكن أن يكون أكثر إثارة للجدل من حقيقة المعدن.
تتكون العوالم الثلاثة بالأساس من (المعرفة والخيال والإحساس)، هنا الخيال يمثل محور الكون، بما أنه يشترك في جميع فضائل العاملين الآخرين. ومن هنا اطلق عليه اسم البرزخ أو المصير الوجودي أو مكان الاجتماع، حيث يتم جمع أرواح الأجساد وهناك تتجسد الأرواح بطريقة ما، أين تسمى أرض الأجساد الروحية السماوية.
هاته العوالم الثلاثة، التي ترمز إلى علم الكونيات الفارسي، هي في الواقع منسوجة بتغيرات الزمن. إنهم يمارسون نفوذهم الفكري في كل وقت وحين. ومن يخطو على خطاهم يحصل على لقب "صاحب اللحظة". و سيد اللحظة هو الشخص الذي تشبث في التفكر في أصل وجوده، بالإضافة إلى أنه الشخص الذي يختبر هوية الأصل والحاضر.
إن النماذج الأصلية للعالم السامي في الحالة الوسيطة، يمثلها بدرجة أولى البرزخ، الذي يعتبر الخط الذي يفصل الظل عن الضوء، وكذلك الحالة الانتقالية بعد موت الجَسد المادي، بينما تسكن روح المُتَوفى البرزخ وتظل محصورة في شكل أفعالها. كما هو الحال في المعتقدات البوذية، كل فكر أو فعل له تكوينه التخيلي ويولد "جسدًا خفيًا" يأخذ حياة مستقلة في العالم الآخر. برزخ آخر هو الأحلام، حيث يوحّد الخيال ما يفصله العقل، ويتم التوفيق بين المفارقات وتتكامل الأضداد. توفر هذه المنطقة جوهر الحياة الداخلية.
إن الروح مضيئة وبسيطة ودقيقة والجسد مظلم ومركب وكثيف، والروح عبارة على مزيج من الاثنين. البرزخ هو أيضا موطن الرموز، الذي يعرف قوانينها فقط "أصحاب اللحظة". ويسمى بالمناخ الثامن لأنه يتجاوز السبع المعروفين من خلال الجغرافيا الإسلامية. إنه عالم شاسع حيث يصل الخيال إلى درجة لا يمكن أن يتمكّن منها لا المنطق ولا الإدراك. الخيال هو أحد الاختلافات اللامحدودة للضوء الأصلي. لكنه ضوء خاص قادر على الرؤية في الظلام كما أن محتوياته دائمًا صادقة. ( على أي حال أي أمر خاطئ يحدث سيكون له تفسيره) الخيال هو أيضا أساس الحب والتفاني.
هناك العديد من الكتب التي تحدث فيها ابن عربي عن الحب، حبًا منطقيا تتخلّله الحكمة. كما هو الحال في التانترية أو التقاليد الهندية، لا يمكن أن يوجد أمر ما ليس له معنى في العالم، أي تجربة أو عاطفة، بما في ذلك الغضب أو التعلق أو الغير، لها جذورها الإلهية. الغموض هو عادة تطهيرية أو لبيوريتانية بدون عيوب، حيث أن كل الحركات الكونية تتركز على المحبة. مع العلم أن أخطر معصية هو تجاهل حقوق القلب، لأن القلب هو منبع الاهي.
في الواقع إن المخلوق يمثل أساس الوجود الإلهي، وهذه العلاقة التي تتأسس على المحبة هي أساس الحياة في كل مكان. لا يوجد شيء خامل أو أخرس بل على عكس ذلك تماما، حيث تتحاور النجوم و الأحجار و الزهور مع بعضها البعض، لكن فقط أولئك الذين تطهّروا يمكنهم سماع أصواتهم، إن كل شيء يحتفل بمدح الحي.
إن الإصرار على الخيال لا ينبغي أن يجعلنا ننسى، كما يشير فرناندو مورا، مظاهر أخرى تتجاوز الشكل. هناك ضوء يتجاوز الصور وسيكون من التسرع القول إن كل المعرفة تنبع من الخيال. ما هو التخيل سوى مكان واحد من أماكن متعددة للقاء الشخص بالإله.
هناك مناطق ذات لمعان نقي لا يمكن التقاطها إلا بتحويل الذات إلى نور. هذا يتطلب موت الأنا وإبادة الوعي العادي. إنها عبارة على وضعية تعرف بالفناء تفترض نسيانا لذاتها وضياعا كاملا لمرتكزات أو مرجعيات معينة. نشوة لا تعتمد على إرادة المرء، بل على النعمة حصريًا. كما يمكن أن تكون اللحظة التي يجتمع فيها ما لم يكن أبدًا (الأنا) وما لم يتوقف عن كونه (الأصل)، لكن سرعان ما يظهر على أنه مجرد وهم آخر. إن الحديث عن الاتحاد الصوفي هو افتراض وجود كيانين مستقلين والإيمان بشيء منفصل عن الدعم الإلهي سيكون أعظم حماقة. الصوفي لا ينضم إلى أي فكر، إنه ببساطة "يتعرف" (أبينافاجوبتا)..
حسب المذهب الصوفي الحبيب يبحث عن الحبيب، وسيكون القلب ملتقى الإله مع ذاته، وسَيتلاقى المرئي معَ غير المرئي. ومن هنا سميت هذه المعرفة برُوحانيات القلب. القلب مثل المرآة المصقولة، التي تبحث عن معرفة الذات الإلهية، وقادر على افتراض لون الصور المعروضة عليه.
هناك مفارقة أخيرة. إن التعرف إلى الذات الالهية لا يشترط أن يكون بنفس الطريقة بل يقع التعرف على الله وفقًا لمعتقداتنا. ليس لله مقابل، فهو حاضر في جميع المذاهب ولكنه غائب أيضًا فيها كما لا يشمله أي وصف.
• فيلسوف إسباني
المصدر: البايس
لم يتمسك ابن عربي بالموروث وسرعان ما شرع في البحث عما سماه "الطريق الروحي". إنه وريث الأفلاطونية الحديثة، حيث استطاع أن يوفق بين المذهب اليوناني والشرقي، واستخدم أبحاثه وتعاليمه في المجال الكوني لشرح العلاقة بين الخالق وصنعه.
جاب ابن عربي كل من الأندلس وشمال إفريقيا، كذلك زار القاهرة والقدس، وبعد عامين من التجارب في مدينة مكة، ذهب إلى بغداد وأخيرًا مر بسوريا. حيث استقر إلى حين وفاته وكان ذلك عام 1240. اليوم يمكن زيارة قبره، الذي يوجد في سرداب أحد المساجد بدمشق.
تعتبر جميع رحلات إبن عربي بالأساس رحلات روحية. جاب ابن عربي الأرض والبحر من أجل البحث في عالم العلامات الإلهية، بالإضافة إلى ذلك تجول في المناطق الجغرافية التي تبعث فيه حب الخيال والعلم. في الواقع هناك اعتقاد شائع عند المتصوفين أن كل ما هو موجود على وجه الأرض سيعيش لا محالة رحلة لا نهائية. حسب الإعتقاد الصوفي لا تتحرك الكواكب فحسب، بل تتحرك أيضًا المخلوقات نحو طريق مسير بواسطة الاله.
إن أصل الوجود هو الحركة والسفر، ولا يتوقف هذا الشغف سواء في العالم العلوي أو الدنيوي. مما يؤكد أن نمط الحياة المستقرة عند الصوفيين هو مجرد وهم، على غرار الأرض المسطحة أو الثابتة. كما أن شرط وجود الخلق في الحياة يتمثل في الحركة والمحبة هي أساسها. تجدر الإشارة إلى أن هذه الرحلة الحياتية تتركز على ثلاث مفاهيم، وهي رحلة من الله و رحلة في الله و رحلة نحو الله.
المفهوم الأول يمثل رحلة الحياة من المهد إلى اللحد. والمفهوم الثاني طريق الشعراء، الذي يتسم في غالبه بالضياع والحيرة. أما المفهوم الثالث فله بابان، باب الإيمان والثقة وهو طريق أرضي والباب الآخر يأخذك إلى المغامرة البحرية، وهي طريق نحو المعرفة. عموما بغض النظر عن اختيارك، فإن الرحلة لا تنتهي وعندما يُخيل إليك أنك وصلت إلى وجهتك المنشودة، تفتح لك الحياة أفقا جديدا.
في التقاليد الإبراهيمية، يقود هذه الرحلة أساسا الذات الإلهية، حيث أن جوهر الرحلة فيها ليس الإرادة والجهد، التي تعتبر نوعا ما نعمة إلهية غير مرغوب فيها عند الصوفية. وصف ابن عربي إحدى الرحلات الليلية، في مدينة فاس، على أنها رحلة أفقية مرت عبر العناصر الآتية (الأرض والنار والماء والهواء) وعبر ممالك الحيوانات والنباتات والمعادن. كلهم مظاهر إلهية، ونوع من الوجود الإلهي الطبيعي، وجود يمجد الذات الإلهية في نفس الوقت. يبدو للحظة أن التسلسل الهرمي منقلبا، النبات وجد قبل الحيوان، ولا يتحرك الحيوان إلا عند البحث عن الضوء ومن قبله وجد المعدن. وذلك لأنه لا يمكن أن يوجد مخلوق أعلى من الحجر.
من ناحية أخرى يؤدي الصعود العمودي إلى الكشف عن النورالأساسي، وإلى فهم مسار الوجود الإلهي. وهذا يُطلق عليه العلم الأسمى، من ينجح في الوصول إليه يصبح له قدرة روحية يستطيع أن يتأمل بها الوجود الإلهي. إن معرفة الذات لا تتحقق، إلا بالنظر باستمرار في الوجود اللامحدود للخلق. وعلى حسب توقع غوتفريد فيلهيلم لايبنتز، إنه على الرغم من أن نور الوجود فريد من نوعه، إلا أن كل شيء موجود على وجه الأرض يمكن أن ينعكس بطريقة ما، حيث أنه ليس هناك تساو بين جميع المخلوقات. بصفة عامة نظرة الإله أمر أساسي لمصير العالم. وإذا توقف الله عن رعاية خلقه، فسيَغرق العالم في الظلمة. حماية الاهية ترعانا وفي نفس الوقت يمثل غيابها دمار للوجود الإنساني.
المناخ الثامن
وفقًا للأسطورة الأفلاطونية، فإن الجزء العلوي من العالم أجساما دون وزن، وعالم روحي غير مادي. بينما الجزء السفلي يملأه العديد من التجارب الحسية للأجساد. في الحقيقة العالم ثالوث حقًا من خلال التنوع المنهج الصوفي، الذي يضع العالم الخيالي للأرواح في مكانه. هذا العالم البيني ليس عالمًا خياليًا، إنه تخيل واقعي لحقيقة الرمز، الذي يمكن أن يكون أكثر إثارة للجدل من حقيقة المعدن.
تتكون العوالم الثلاثة بالأساس من (المعرفة والخيال والإحساس)، هنا الخيال يمثل محور الكون، بما أنه يشترك في جميع فضائل العاملين الآخرين. ومن هنا اطلق عليه اسم البرزخ أو المصير الوجودي أو مكان الاجتماع، حيث يتم جمع أرواح الأجساد وهناك تتجسد الأرواح بطريقة ما، أين تسمى أرض الأجساد الروحية السماوية.
هاته العوالم الثلاثة، التي ترمز إلى علم الكونيات الفارسي، هي في الواقع منسوجة بتغيرات الزمن. إنهم يمارسون نفوذهم الفكري في كل وقت وحين. ومن يخطو على خطاهم يحصل على لقب "صاحب اللحظة". و سيد اللحظة هو الشخص الذي تشبث في التفكر في أصل وجوده، بالإضافة إلى أنه الشخص الذي يختبر هوية الأصل والحاضر.
إن النماذج الأصلية للعالم السامي في الحالة الوسيطة، يمثلها بدرجة أولى البرزخ، الذي يعتبر الخط الذي يفصل الظل عن الضوء، وكذلك الحالة الانتقالية بعد موت الجَسد المادي، بينما تسكن روح المُتَوفى البرزخ وتظل محصورة في شكل أفعالها. كما هو الحال في المعتقدات البوذية، كل فكر أو فعل له تكوينه التخيلي ويولد "جسدًا خفيًا" يأخذ حياة مستقلة في العالم الآخر. برزخ آخر هو الأحلام، حيث يوحّد الخيال ما يفصله العقل، ويتم التوفيق بين المفارقات وتتكامل الأضداد. توفر هذه المنطقة جوهر الحياة الداخلية.
إن الروح مضيئة وبسيطة ودقيقة والجسد مظلم ومركب وكثيف، والروح عبارة على مزيج من الاثنين. البرزخ هو أيضا موطن الرموز، الذي يعرف قوانينها فقط "أصحاب اللحظة". ويسمى بالمناخ الثامن لأنه يتجاوز السبع المعروفين من خلال الجغرافيا الإسلامية. إنه عالم شاسع حيث يصل الخيال إلى درجة لا يمكن أن يتمكّن منها لا المنطق ولا الإدراك. الخيال هو أحد الاختلافات اللامحدودة للضوء الأصلي. لكنه ضوء خاص قادر على الرؤية في الظلام كما أن محتوياته دائمًا صادقة. ( على أي حال أي أمر خاطئ يحدث سيكون له تفسيره) الخيال هو أيضا أساس الحب والتفاني.
هناك العديد من الكتب التي تحدث فيها ابن عربي عن الحب، حبًا منطقيا تتخلّله الحكمة. كما هو الحال في التانترية أو التقاليد الهندية، لا يمكن أن يوجد أمر ما ليس له معنى في العالم، أي تجربة أو عاطفة، بما في ذلك الغضب أو التعلق أو الغير، لها جذورها الإلهية. الغموض هو عادة تطهيرية أو لبيوريتانية بدون عيوب، حيث أن كل الحركات الكونية تتركز على المحبة. مع العلم أن أخطر معصية هو تجاهل حقوق القلب، لأن القلب هو منبع الاهي.
في الواقع إن المخلوق يمثل أساس الوجود الإلهي، وهذه العلاقة التي تتأسس على المحبة هي أساس الحياة في كل مكان. لا يوجد شيء خامل أو أخرس بل على عكس ذلك تماما، حيث تتحاور النجوم و الأحجار و الزهور مع بعضها البعض، لكن فقط أولئك الذين تطهّروا يمكنهم سماع أصواتهم، إن كل شيء يحتفل بمدح الحي.
إن الإصرار على الخيال لا ينبغي أن يجعلنا ننسى، كما يشير فرناندو مورا، مظاهر أخرى تتجاوز الشكل. هناك ضوء يتجاوز الصور وسيكون من التسرع القول إن كل المعرفة تنبع من الخيال. ما هو التخيل سوى مكان واحد من أماكن متعددة للقاء الشخص بالإله.
هناك مناطق ذات لمعان نقي لا يمكن التقاطها إلا بتحويل الذات إلى نور. هذا يتطلب موت الأنا وإبادة الوعي العادي. إنها عبارة على وضعية تعرف بالفناء تفترض نسيانا لذاتها وضياعا كاملا لمرتكزات أو مرجعيات معينة. نشوة لا تعتمد على إرادة المرء، بل على النعمة حصريًا. كما يمكن أن تكون اللحظة التي يجتمع فيها ما لم يكن أبدًا (الأنا) وما لم يتوقف عن كونه (الأصل)، لكن سرعان ما يظهر على أنه مجرد وهم آخر. إن الحديث عن الاتحاد الصوفي هو افتراض وجود كيانين مستقلين والإيمان بشيء منفصل عن الدعم الإلهي سيكون أعظم حماقة. الصوفي لا ينضم إلى أي فكر، إنه ببساطة "يتعرف" (أبينافاجوبتا)..
حسب المذهب الصوفي الحبيب يبحث عن الحبيب، وسيكون القلب ملتقى الإله مع ذاته، وسَيتلاقى المرئي معَ غير المرئي. ومن هنا سميت هذه المعرفة برُوحانيات القلب. القلب مثل المرآة المصقولة، التي تبحث عن معرفة الذات الإلهية، وقادر على افتراض لون الصور المعروضة عليه.
هناك مفارقة أخيرة. إن التعرف إلى الذات الالهية لا يشترط أن يكون بنفس الطريقة بل يقع التعرف على الله وفقًا لمعتقداتنا. ليس لله مقابل، فهو حاضر في جميع المذاهب ولكنه غائب أيضًا فيها كما لا يشمله أي وصف.
• فيلسوف إسباني
المصدر: البايس