كيف يدير الشرق الأوسط أزمة كورونا؟

بي دي ان |

18 فبراير 2021 الساعة 06:56ص

عبر التاريخ، اجتمعت على منطقة الشرق الأوسط كوارث يشيب لها الولدان من عينة الحروب والاستعمار والأوبئة والمجاعات، ومع استمرار تفشي الموجة الثانية لوباء كورونا، يقفز للأذهان تساؤل بشأن كيفية إدارة الأزمة الصحية في هذه المنطقة المهمة من العالم، ولما كان استقصاء جميع الدول من خلال مقال محدود أمر لا يتصور، فقد اخترت لبنان كنموذج لطابع إدارة الأزمة في كثير من دول المنطقة، وبالرغم من أن الأمر قد يختلف قليلاً أو كثيراً بين لبنان وغيرها من الدول، إلا أن بصمة الإدارة الشرق أوسطية متشابهة إلى حد بعيد، وهذا هو مربط الفرس.
يمكن القول بأن استراتيجية لبنان إزاء مواجهة كورونا مرّت بمرحلتَين، الأولى بدأت مع أول إصابة مؤكّدة بالفيروس في أواخر شباط (فبراير) 2020، والثانية بدأت في أيار(مايو) 2020، وخلال المرحلة الأولى، كان الوباء لا يزال محدودًا نسبيًا، وانطبعت هذه المرحلة بانتشار الفيروس في مجموعات محددة تتمحور حول إصابات لمسافرين قادمين من الخارج، وقد تعاملت الحكومة اللبنانية مع الوضع من خلال سلسلة من الإجراءات الجذرية التي شملت التوقيف الكامل لحركة السفر البرّية والبحرية، وتكلّلت هذه المرحلة بنجاحٍ نسبي.
بعد ذلك، سيطر على الحكومة اللبنانية سلوكٌ احتفالي بالنصر، فأُعيد فتح المطار بطريقة فوضوية أواخر أيار(مايو)2020، وأصبحت الاستجابة متذبذبة وغير متماسكة تقودها العواطف والانفعالات وتستند إلى إجراءات غير مبررة، إذ لم يجرِ العمل على معالجات فعلية للمجالات المعرَّضة للخطر، ما أدّى إلى خروج الوضع عن السيطرة، وازدادت الأمور سوءًا بسبب الإفلاس المالي وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) الماضي، وإذا كان انتشار الوباء مستقر عند مستويات معتدلة نسبيًا، فإن ذلك يعود فقط إلى عامل القدر، ولا شيء سوى القدر.
في الظروف الطبيعية، لا تستطيع أي حكومة فرض إغلاق عام دون إعداد شبكة أمان اجتماعي للفئات الأشد احتياجاً، ولكن ذلك لم يتحقق، وإذا كان ذلك متعذّر حاليًا، فإن البديل أيضاً لم يتحقق، وهو التعاون بين القطاعات الاقتصادية المختلفة من أجل السلامة الموظفين.
علقت الحكومة اللبنانية سداد الضرائب التي لم يكن أحد يدفعها أصلاً، لكنها لم تحاول الحد من التضخم عبر خفض الإنفاق العام، وبينما اضطُرّ الطلاب إلى متابعة التعلّم عن بعد، لم تُقدَّم الحكومة أي مساعدة للأسر الفقيرة كي تتمكّن من توفير الإنترنت لأولادها الطلاب، وهذا الحرمان الاجتماعي يشكل خطرًا داهمًا تشعر به الشرائح السكانية الهشّة أكثر مما تشعر بتهديدٍ افتراضي يُشكّله فيروس، وعدم معالجة هذا الشعور يؤدّي إلى التململ والاضطرابات.
رغم أن وحدة الترصد الوبائي في وزارة الصحة هي الجهة الوحيدة التي يُفترَض بها جمع البيانات عن الوباء، إلا أن ثلاثة جهات أخرى كانت تجمع البيانات وهي مكتب منظمة الصحة العالمية في بيروت، ووحدة إدارة الكوارث التابعة لرئاسة الوزراء، والصليب الأحمر اللبناني، وهذا الأمر أدى إلى حدوث تداخل وتناقض في البيانات، ولم يتم تدقيق جدّي للتأكّد من صحة جميع هذه البيانات، ولا تُجري أيٌّ من هذه الوكالات الحكومية تحليلات مُجدية للبيانات، وفي الوقت الراهن، نرى أن  جميع التحليلات عبارة عن تقديرات مستندة إلى آراء مصادر مطّلعة.
لم تكن هناك خطة واضحة عند إغلاق المدارس والجامعات، فلم يتم تدريب المعلمين والإداريين على أسس خفض انتقال العدوى في قاعات التدريس، وأُغلِقت دور التعليم من دون اتخاذ أي خطوات إضافية مما تسبّبَ في عدم المساواة بين الطلاب، فالطلاب الفقراء خسروا سنوات دراسية، أما الطلاب الأغنياء فهم يمتلكون جميع الوسائل التكنولوجية للتعليم عن بعد.
تعتزم وزارة الصحة اللبنانية تنفيذ خطة للتطعيم مستمدّة من نموذج منظمة الصحة العالمية، فلا تتضمن الخطة تقدير للأعداد المتوقَع أن تُعطى لهم أولوية الحصول على اللقاح، ولا تُحدّد الخطة جدولًا زمنيًا استنادًا إلى العقود المبرَمة، ولم يجرِ تأمين الموازنة الضرورية لإدارة عملية التطعيم، بدءًا من شراء اللقاحات ووصولًا إلى استيرادها وتوزيعها، هذا في الوقت الذي يحيط فيه الالتباس والغموض بالنقاشات حول المسائل المتعلقة بحفظ اللقاحات في درجات حرارة متدنّية، وتخزينها الآمن، والاتفاقات المبرمة مع مراكز التطعيم، والاعتبارات الخاصة في تطعيم كبار السن.

استنادًا إلى السلوكيات السابقة للحكومة اللبنانية، فإن الجرعات الأولى التي جرى شراؤها سيجري توزيعها على أفراد الطبقة السياسية المفضلة وأقاربهم، أما باقي اللبنانيين فسيُترَكون لتدبّر أمورهم بأنفسهم وشراء اللقاحات المستورَدة بأسعار السوق التي يتلاعب بها كبار مستوردي الأدوية، ومن حسن الحظ، فإنه بحلول ذلك الوقت، ستكون مناعة القطيع قد بلغت العتبة المطلوبة لوقف تفشّي الوباء، ومن الواضح أن المستشفيات الخاصة في لبنان تبذل مجهودًا كبيرًا لاستيعاب الارتفاع في أعداد المرضى، وبحسب التقديرات، فإن نسبة الوفيات إلى الإصابات لا تزال أقل من 1 لكل 1000 إصابة، رغم زيادة أعداد الوفيات، حيث أصيب 30 % من اللبنانيين حتى الآن بالوباء وتعافوا منه، مما أكسبهم مستوى المناعة إلى حد ما، بيد أن الأخطاء الحكومية المتكررة قد تؤدّي إلى استمرار هذه المحنة الرهيبة حتى صيف 2021.

• خبير دولي متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية