الناشر المجبول بالكتاب
بي دي ان |
06 ديسمبر 2025 الساعة
02:55م
الكاتب
أرسل لي الناشر الصديق سمير منصور من تحت نيران وحرائق ودمار الإبادة الجماعية الصهيو أميركية على قطاع غزة وكل فلسطين أول ثمار ابنه البكر محمد الروائي الصاعد، الذي ابدع في انتاجه الروائي الأول بعنوان "بائع الكتب في غزة"، الصادرة في طبعتها الأولى عن مكتبة منصور هذا العام 2025، العام الثاني من الحرب المجنونة التي التهمت بقنابلها وصواريخها واسلحتها الأميركية الفتاكة وطائراتها الحربية والمسيرة، وحولت القطاع لمختبر لهول نيرانها ومجازرها الوحشية، والفتك بالأجنة والأطفال والنساء والابرياء عموما من الشعب، ودمارها غير المسبوق، واستباحت البشر والحجر والاخضر واليابس، في ملهاة تراجيدية سوداء نازية فاقت في همجيتها النازية الهتلرية، وضمت الرواية بين دفتيها 242 صفحة من القطع المتوسط، و28 عنوانا تفصيليا.
وجاء في الصفحة الأولى "النجاح، ذلك الحلم الذي يظنه البعض ثمرة صدفة، لا يأتي عابرا ولا يولد من فراغ. النجاح شجرة لا تنمو الا إذا سُقيت بالصبر، واعتنى بجذورها بالجد والاجتهاد، وواجهت رياح الحياة دون ان تنكسر. من يتوهم ان النجاح هدية تُلقى في الطريق، لم يجلس يوما مع الذين بنوا أنفسهم حجرا فوق حجر، وعرفوا أن لكل خطوة ثمنا، ولكل ثمن تضحية." ص5
وكون الاديب الجديد، النابت منذ ولادته وهو يتعطر برائحة الورق وأرفف الكتب، ويتنشق حبرها بين يدي والده، حرص على محاكاة تجربة ابيه سمير منصور، الذي أكمل دراسته وتعليمه خارج جدران الصفوف المدرسية منذ نعومة اظفاره، وجمع بين الدراسة وصناعة النشر والكتب، بين القرطاسية والطباعة، فقال في ذات الصفحة: "وليس التعليم دائما بين جدران المدرسة أو تحت سقف الصفوف؛ الحياة نفسها مدرسة، أكبر وأعمق أثرا من أي مناهج مكتوبة، في الشوارع، في التجارب، في العثرات التي تُسقط الانسان وتُجبره على النهوض من جديد." هادفا التأكيد على أهمية مدرسة الحياة وشق دروبها وزواريبها ومنحنياتها، صعودها وهبوطها، آمالها وآلامها، وجعها وفرحها، خسارتها حينا وارباحها أحيانا، تلك الثنائية المتلاحمة بطقوسها ومناخها المتلاطم بشتائها وصيفها، هي من شكلت وجبلت شخصية بطل الرواية سمير اللاجئ من قرية برير المحتلة في عام النكبة الأولى 1948.
ومن محاسن صدف سمير، انه عاش في كنف والديه، حيث كان والده المغفور له عبد الرؤوف منصور امتهن تجارة القرطاسية والكتب المدرسية، ومع ترعرع الطفل في المدرسة وشغفه في مرافقة ابيه، بدءً من توصيل طعام الغداء له في مكتبة منصور الصغيرة المجاورة لمدرسة الزهراء للبنات في شمال شرق مدينة غزة "تلك المدينة التي لم تعرف سلاما يوما، مدينة الطهر المهمش، وصاحبة الولاية على خارطة الكون، العالقة في حنجرة الزمن،" ص 7، كما وصفها الروائي الشاب محمد، نما وتطور حلم وطموح سمير في بناء صرح مكتبة ودار نشر أكبر وأوسع، مما قبل وارتضى والده عبد الرؤوف، ويوما تلو الآخر، والحلم يكبر ويرتقي في خيال الشاب الطموح سمير، الذي رافق تجربة والده لفترة لا بأس بها من الزمن، وأصبح شريكا له، ثم عندما نضج وأتقن درس الحياة وعالم المكتبة والكتب، كاشف والده برغبته في الاستقلالية، وبناء مكتبته ودار نشره الخاصة، فبارك والده الخطوة وقدم الدعم له، واعتبر ذلك امتدادا له ولتجربته، وتفتح زهرة جديدة، وفرعا لمكتبه منصور الأولى.
وكان سمير يعتبر الكتاب وإصداره ونشره، وتعميم الثقافة الملتزمة في أوساط أبناء الشعب، شكلا من اشكال الدفاع عن الهوية الوطنية، وحارسا لبوابة الحقيقة، وشق طريقه قدما الى الامام، رغم العثرات والحروب والدمار الذي أصاب مكتبته قبل واثناء زمن الإبادة الجماعية، وتضامن أبناء الشعب في الوطن والمهاجر معه، كما تضامن معه أصحاب دور النشر العربية والقائمين على معارض الكتب العربية، ونتاج سلوكه الإيجابي وتواضعه، ودعمه لأبناء الشعب عموما، أطفالا ونساءً وشيوخا، وكتاب ومبدعين، وكان يقول لكل من يدخل مكتبته، التي تفرعت الى ثلاثة فروع، في شارع الوحدة، وشارع الثلاثيني (جمال عبد الناصر) بجانب الجامعات والمدارس، وفي حي الرمال الراقي، وجعل من فروعه منبرا للقاء بين المثقفين والمبدعين، وعنوانا لمحاكاة الروايات والكتب العلمية والسياسية والدينية، وكانت محطة 2003 بالنسبة له نقطة تحول عندما اختاره وزير الأوقاف الأسبق المغفور له الدكتور يوسف سلامة لطباعة نسخة خاصة بفلسطين من القرآن الكريم، وأطلق عليه أكثر من عنوان، الى أن استقر على "قرآن الأقصى" نسبة للمسجد الأقصى، وفتح ذراعيه لكل كاتب او روائي جديد، وكان يقول لرواد المكتبة "من معه يدفع، ومن ليس معه لا يدفع، ويمنحه الكتاب الذي يريد، حرصا منه على نشر الكتاب.
وأهم ما لفت انتباهي في تجربة الرجل الذي جبل بالكتاب والطباعة، انه طبع قصص لطفلتين شقيقتين، إحداهن تملك ناصية القلم وإجادة الكتابة والأخرى إجادة الرسم، فتكاملتا في بناء قصصهن الجميلة، التي وجدت حاضنة لهن عند مكتبة سمير منصور، وغيرها الكثير من القصص الإنسانية والوطنية، والرغبة بتعميم ونشر الكتاب والرواية والقصة القصيرة، لتبقى غزة المكوفلة بالنار والبارود والدمار والموت والابادة نبراسا للثقافة والمعرفة.
كما ان براعة وابداع سمير، التي نقلها الروائي محمد، انه في زمن الإبادة الجماعية وبعد ان دمرت الحرب القذرة فروع مكتبته، قام اثناء الحرب، بإخراج الكتب من تحت الرماد والدمار، وعرضها على الشارع للمواطنين المنكوبين بالإبادة، ليبقى الكتاب رافعة للنهوض الوطني، والإصرار على تأكيد بقاء الثقافة والكتاب عنوانا هاما للصمود والبقاء واستمرار الحياة، واستعادة النهوض مجددا.
من المؤكد، أن محمد اجاد وأبدع في فن الكتابة الروائية، من خلال محاكاة تجربة والده، وإن كان لي ملاحظة على اختيار العنوان، والتكرار في العديد من العناوين ال28، الا أن ذلك لا ينتقص من انتاجه وروايته الأولى، واعتقد أن تجربته الأولى تحمل في ثناياها ميلاد اديب ومبدع فلسطيني جديد.
[email protected]
[email protected]
بي دي ان |
06 ديسمبر 2025 الساعة 02:55م
وجاء في الصفحة الأولى "النجاح، ذلك الحلم الذي يظنه البعض ثمرة صدفة، لا يأتي عابرا ولا يولد من فراغ. النجاح شجرة لا تنمو الا إذا سُقيت بالصبر، واعتنى بجذورها بالجد والاجتهاد، وواجهت رياح الحياة دون ان تنكسر. من يتوهم ان النجاح هدية تُلقى في الطريق، لم يجلس يوما مع الذين بنوا أنفسهم حجرا فوق حجر، وعرفوا أن لكل خطوة ثمنا، ولكل ثمن تضحية." ص5
وكون الاديب الجديد، النابت منذ ولادته وهو يتعطر برائحة الورق وأرفف الكتب، ويتنشق حبرها بين يدي والده، حرص على محاكاة تجربة ابيه سمير منصور، الذي أكمل دراسته وتعليمه خارج جدران الصفوف المدرسية منذ نعومة اظفاره، وجمع بين الدراسة وصناعة النشر والكتب، بين القرطاسية والطباعة، فقال في ذات الصفحة: "وليس التعليم دائما بين جدران المدرسة أو تحت سقف الصفوف؛ الحياة نفسها مدرسة، أكبر وأعمق أثرا من أي مناهج مكتوبة، في الشوارع، في التجارب، في العثرات التي تُسقط الانسان وتُجبره على النهوض من جديد." هادفا التأكيد على أهمية مدرسة الحياة وشق دروبها وزواريبها ومنحنياتها، صعودها وهبوطها، آمالها وآلامها، وجعها وفرحها، خسارتها حينا وارباحها أحيانا، تلك الثنائية المتلاحمة بطقوسها ومناخها المتلاطم بشتائها وصيفها، هي من شكلت وجبلت شخصية بطل الرواية سمير اللاجئ من قرية برير المحتلة في عام النكبة الأولى 1948.
ومن محاسن صدف سمير، انه عاش في كنف والديه، حيث كان والده المغفور له عبد الرؤوف منصور امتهن تجارة القرطاسية والكتب المدرسية، ومع ترعرع الطفل في المدرسة وشغفه في مرافقة ابيه، بدءً من توصيل طعام الغداء له في مكتبة منصور الصغيرة المجاورة لمدرسة الزهراء للبنات في شمال شرق مدينة غزة "تلك المدينة التي لم تعرف سلاما يوما، مدينة الطهر المهمش، وصاحبة الولاية على خارطة الكون، العالقة في حنجرة الزمن،" ص 7، كما وصفها الروائي الشاب محمد، نما وتطور حلم وطموح سمير في بناء صرح مكتبة ودار نشر أكبر وأوسع، مما قبل وارتضى والده عبد الرؤوف، ويوما تلو الآخر، والحلم يكبر ويرتقي في خيال الشاب الطموح سمير، الذي رافق تجربة والده لفترة لا بأس بها من الزمن، وأصبح شريكا له، ثم عندما نضج وأتقن درس الحياة وعالم المكتبة والكتب، كاشف والده برغبته في الاستقلالية، وبناء مكتبته ودار نشره الخاصة، فبارك والده الخطوة وقدم الدعم له، واعتبر ذلك امتدادا له ولتجربته، وتفتح زهرة جديدة، وفرعا لمكتبه منصور الأولى.
وكان سمير يعتبر الكتاب وإصداره ونشره، وتعميم الثقافة الملتزمة في أوساط أبناء الشعب، شكلا من اشكال الدفاع عن الهوية الوطنية، وحارسا لبوابة الحقيقة، وشق طريقه قدما الى الامام، رغم العثرات والحروب والدمار الذي أصاب مكتبته قبل واثناء زمن الإبادة الجماعية، وتضامن أبناء الشعب في الوطن والمهاجر معه، كما تضامن معه أصحاب دور النشر العربية والقائمين على معارض الكتب العربية، ونتاج سلوكه الإيجابي وتواضعه، ودعمه لأبناء الشعب عموما، أطفالا ونساءً وشيوخا، وكتاب ومبدعين، وكان يقول لكل من يدخل مكتبته، التي تفرعت الى ثلاثة فروع، في شارع الوحدة، وشارع الثلاثيني (جمال عبد الناصر) بجانب الجامعات والمدارس، وفي حي الرمال الراقي، وجعل من فروعه منبرا للقاء بين المثقفين والمبدعين، وعنوانا لمحاكاة الروايات والكتب العلمية والسياسية والدينية، وكانت محطة 2003 بالنسبة له نقطة تحول عندما اختاره وزير الأوقاف الأسبق المغفور له الدكتور يوسف سلامة لطباعة نسخة خاصة بفلسطين من القرآن الكريم، وأطلق عليه أكثر من عنوان، الى أن استقر على "قرآن الأقصى" نسبة للمسجد الأقصى، وفتح ذراعيه لكل كاتب او روائي جديد، وكان يقول لرواد المكتبة "من معه يدفع، ومن ليس معه لا يدفع، ويمنحه الكتاب الذي يريد، حرصا منه على نشر الكتاب.
وأهم ما لفت انتباهي في تجربة الرجل الذي جبل بالكتاب والطباعة، انه طبع قصص لطفلتين شقيقتين، إحداهن تملك ناصية القلم وإجادة الكتابة والأخرى إجادة الرسم، فتكاملتا في بناء قصصهن الجميلة، التي وجدت حاضنة لهن عند مكتبة سمير منصور، وغيرها الكثير من القصص الإنسانية والوطنية، والرغبة بتعميم ونشر الكتاب والرواية والقصة القصيرة، لتبقى غزة المكوفلة بالنار والبارود والدمار والموت والابادة نبراسا للثقافة والمعرفة.
كما ان براعة وابداع سمير، التي نقلها الروائي محمد، انه في زمن الإبادة الجماعية وبعد ان دمرت الحرب القذرة فروع مكتبته، قام اثناء الحرب، بإخراج الكتب من تحت الرماد والدمار، وعرضها على الشارع للمواطنين المنكوبين بالإبادة، ليبقى الكتاب رافعة للنهوض الوطني، والإصرار على تأكيد بقاء الثقافة والكتاب عنوانا هاما للصمود والبقاء واستمرار الحياة، واستعادة النهوض مجددا.
من المؤكد، أن محمد اجاد وأبدع في فن الكتابة الروائية، من خلال محاكاة تجربة والده، وإن كان لي ملاحظة على اختيار العنوان، والتكرار في العديد من العناوين ال28، الا أن ذلك لا ينتقص من انتاجه وروايته الأولى، واعتقد أن تجربته الأولى تحمل في ثناياها ميلاد اديب ومبدع فلسطيني جديد.
[email protected]
[email protected]