الإعلان الدستوري: بين إدارة الضرورة ومعضلة الشرعيّة
بي دي ان |
27 أكتوبر 2025 الساعة 11:00ص
في ظل الأحداث السياسية المتسارعة بشأن القضية الفلسطينية وفي ضوء الخطة الأميركية لإدارة غزة بعد إنتهاء الحرب، وكذلك التصريحات المُخَشّبة للفصائل الفلسطينية التي اجتمعت في القاهرة مؤخرًا، وفي ظل ظروف سياسية معقدة،بما في ذلك الضغوط الدولية والإقليمية، والتحديات الأمنية، والانقسام الفلسطيني الداخلي؛ أصدر الرئيس محمود عباس في 26 أكتوبر 2025، إعلانًا دستوريًا مُعدَّلًا يقضي بتوَلي نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية نائب رئيس دولة فلسطين حسين الشيخ مهام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في حال شغور المنصب، لمدة تسعين يومًا قابلة للتجديد مرة واحدة بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني؛ ويأتي هذا الإعلان مُعدِّلًا لإعلان سابق صدر في نوفمبر 2024 يقضي بتولي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح مهام الرئاسة حال شغورها، ما يشير إلى إعادة صياغة دقيقة في هيكل انتقال السلطة داخل النظام السياسي الفلسطيني.
تحوّل في معادلة المرجعية: من التمثيل إلى التنفيذ
يمثّل هذا التعديل تحوّلًا نحو إعادة تنظيم المرجعية السياسية بين مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية؛ فبينما منح الإعلان السابق دورًا محوريًا للمجلس الوطني بوصفه الهيئة التشريعية العليا للمنظمة، والتي تُمثل الشعب الفلسطيني في الشتات والداخل، يُعيد الإعلان المُعدَّل التركيز نحو اللجنة التنفيذية، القيادة الفعلية والسياسية العليا للمنظمة.
هذا التحوّل يعني، في جوهره، إعادة تثبيت مركز الثقل في القرار الفلسطيني داخل الإطار التنفيذي الضيق، لا في المؤسسات التمثيلية الأوسع التي تعاني من الجمود منذ سنوات.
ويمكن قراءة هذا على ثلاث مستويات:
• ضرورة عمليّة لضمان انتقال منظم ضمن دائرة القيادة القائمة، كما حدث في سابقة انتقال السلطة عقب رحيل الرئيس ياسر عرفات عام 2004 حين جرى الانتقال وفق آلية منضبطة في ذات الإطار.
• الحفاظ على قانونية ووحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني، في وجه المحاولات الساعية لخلق آليات وهيئات جديدة تتجاوز منظمة التحرير.
• في سيناريو تفاؤلي، يمكن أنْ يتحوّل هذا الإعلان إلى دافع للمجلس المركزي لعقد جلسات استثنائية في 2026، لربط التمديد المؤقت بانتخابات رئاسية شاملة، مُحوّلًا الضرورة إلى فرصة للتجديد.
تداخل الأُطر المؤسسية وتوحيد المرجعية
يأتي الإعلان في سياق النقاش المتواصل حول العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية، فإعادة ربط رئاسة السلطة بمنصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية تمثل محاولة لإعادة توحيد المرجعية الوطنية تحت مظلة منظمة التحرير، في خطوة تؤكد أنّ المنظمة – لا السلطة – هي الإطار الشرعي الذي سيُدار من خلاله أي انتقال سياسي، حيث كانت دائمًا تمثل الخيط الرابط بين التمثيل الشعبي وأي سلطة مؤقتة.
ويبعث القرار برسالة سياسية واضحة للفصائل الفلسطينية، وخصوصًا حركتي حماس والجهاد الإسلامي، مفادها أنّ المنظمة تبقى الإطار الشرعي الوحيد لأي عملية انتقالية.
دلالات التوقيت: بين الاستقرار الداخلي والضغوط الخارجية
توقيت الإعلان ليس معزولًا عن التطورات الداخلية والإقليمية، ففي ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، وتصاعد النقاشات حول إعادة هيكلة منظمة التحرير، ووسط حديث متكرر عن مرحلة السلطة المتجددة "مرحلة ما بعد الرئيس عباس"، تبرز الحاجة إلى آلية انتقال مدروسة ومنضبطة؛ ومع ذلك، يأتي الإعلان أيضًا في سياق غياب أي انتقال للسلطة وفق المسار الانتخابي الطبيعي منذ عام 2006، ما يجعل الشرعية الإجرائية "أي الشرعية الناتجة عن الإجراءات الدستورية الرسمية" المرجع الرئيس لاستمرار الحكم، هذا المنحى يطرح تساؤلًا جوهريًّا: هل يمثل الإعلان جسرًا مؤقتًا نحو تجديد الشرعية، في حال رَبَطَه المجلس المركزي بخطة انتخابات في 2026، أم يصبح بديلًا دائمًا عنها، كما حدث في الأزمات الإداريّة السابقة؟
وعلى الرغم من ذلك فقد لاقى الإعلان ترحيبًا من مجلس أوروبا، ومن المتوقع أن يلاقي ترحيبًا إقليميًا ودوليًا كخطوة إصلاحية إيجابية.
القراءة القانونية: إدارة الأزمة دون حلّها
من الناحية القانونية، يستند الإعلان إلى الصلاحيات الممنوحة للرئيس وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، الذي يتيح إصدار إعلانات دستورية في حالات الطوارئ، لكن غياب دستور دائم وتعطيل المجلس التشريعي، وتراجع دور المحكمة الدستورية جعل من هذه الإعلانات أداة بديلة لملء الفراغ الدستوري.
هذه الإعلانات تأتي في سياق إدارة الأزمة وليس إنهائها، وتُقدّم ضمانة مؤقتة دون معالجة جذرية لأزمة الشرعية المؤسسية، مما يُضفي عليها طابعًا إجرائيًا لا إصلاحيًا، إلا إذا أُدرجت آليات رقابة إضافية، مثل مشاركة المجتمع المدني في مراقبة الفترة المؤقتة.
بين التأبيد والمؤقت: الضرورة والمخاطرة
الجدل حول الإعلان لا يتعلق بصحته القانونية بقدر ما يرتبط بآثاره السياسية، فمن جهة، يُعدّ خطوة ضرورية نحو استقرار مؤسساتي ومنع الانقسام حول وراثة السلطة، خاصة في ظل البيئة السياسية المعقدة والانقسام الحاد، ومن جهة أخرى، قد تتحول الفترات "المؤقتة" إلى وضع دائم، واستمرار تعطيل العملية الانتخابية، فالنص على إمكانية التمديد 90 يومًا إضافية، وإن كان مُقيدًا "مرة واحدة" يخلق سابقة قد تُستخدم لتأجيل الانتخابات تحت ذرائع مختلفة، كما رأينا في تأجيل الانتخابات المقرّرة عام 2021 بسبب التوترات في القدس الشرقية.
خاتمة: تسكين ضروري في انتظار معالجة جذرية
يمثّل الإعلان الدستوري المُعدّل خطوة تنظيمية تجمع بين ضمان الاستمرارية المؤسسية ومحاولة إعادة ضبط ميزان القوة داخل النظام الفلسطيني.
من الناحية العملية، يُعد الإعلان الدستوري:
• إجراءً وقائيًا ضد الانهيار الفوري.
• وسيلة لقطع الطريق أمام الفوضى، سواءً كانت خلّاقة أو غير خلّاقة.
• أفضل ما يمكن عمله في أسوأ الظروف، لكنه يبقى ناقصًا ديمقراطيًا، إذ يُكرّس "الشرعية الإجرائية" على حساب "الشرعية الشعبية".
مع الاختلاف في قراءة الإعلان، إيجابًا أو سلبيًا، يبقى جوهر القضية مرتبطًا بمدى استعداد النظام السياسي الفلسطيني وقدرته على الانتقال من إدارة البقاء إلى تجديد الشرعية ومعالجة معضلتها عبر:
• إجراء انتخابات حرة وشاملة لجميع الفلسطينيين وفق القانون والدستور، لا وفق الأجندات الحزبية والفصائلية منتهية الصلاحية.
• توفير مظلة سياسية إقليمية ودولية، والتغلب على العقبات الأمنية والسياسية.
قيمة هذا الإعلان الحقيقية ستُقاس بقدرته على أنْ يكون جسرًا نحو الانتخابات لا سدًا مانعًا أمامها.
تحوّل في معادلة المرجعية: من التمثيل إلى التنفيذ
يمثّل هذا التعديل تحوّلًا نحو إعادة تنظيم المرجعية السياسية بين مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية؛ فبينما منح الإعلان السابق دورًا محوريًا للمجلس الوطني بوصفه الهيئة التشريعية العليا للمنظمة، والتي تُمثل الشعب الفلسطيني في الشتات والداخل، يُعيد الإعلان المُعدَّل التركيز نحو اللجنة التنفيذية، القيادة الفعلية والسياسية العليا للمنظمة.
هذا التحوّل يعني، في جوهره، إعادة تثبيت مركز الثقل في القرار الفلسطيني داخل الإطار التنفيذي الضيق، لا في المؤسسات التمثيلية الأوسع التي تعاني من الجمود منذ سنوات.
ويمكن قراءة هذا على ثلاث مستويات:
• ضرورة عمليّة لضمان انتقال منظم ضمن دائرة القيادة القائمة، كما حدث في سابقة انتقال السلطة عقب رحيل الرئيس ياسر عرفات عام 2004 حين جرى الانتقال وفق آلية منضبطة في ذات الإطار.
• الحفاظ على قانونية ووحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني، في وجه المحاولات الساعية لخلق آليات وهيئات جديدة تتجاوز منظمة التحرير.
• في سيناريو تفاؤلي، يمكن أنْ يتحوّل هذا الإعلان إلى دافع للمجلس المركزي لعقد جلسات استثنائية في 2026، لربط التمديد المؤقت بانتخابات رئاسية شاملة، مُحوّلًا الضرورة إلى فرصة للتجديد.
تداخل الأُطر المؤسسية وتوحيد المرجعية
يأتي الإعلان في سياق النقاش المتواصل حول العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية، فإعادة ربط رئاسة السلطة بمنصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية تمثل محاولة لإعادة توحيد المرجعية الوطنية تحت مظلة منظمة التحرير، في خطوة تؤكد أنّ المنظمة – لا السلطة – هي الإطار الشرعي الذي سيُدار من خلاله أي انتقال سياسي، حيث كانت دائمًا تمثل الخيط الرابط بين التمثيل الشعبي وأي سلطة مؤقتة.
ويبعث القرار برسالة سياسية واضحة للفصائل الفلسطينية، وخصوصًا حركتي حماس والجهاد الإسلامي، مفادها أنّ المنظمة تبقى الإطار الشرعي الوحيد لأي عملية انتقالية.
دلالات التوقيت: بين الاستقرار الداخلي والضغوط الخارجية
توقيت الإعلان ليس معزولًا عن التطورات الداخلية والإقليمية، ففي ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، وتصاعد النقاشات حول إعادة هيكلة منظمة التحرير، ووسط حديث متكرر عن مرحلة السلطة المتجددة "مرحلة ما بعد الرئيس عباس"، تبرز الحاجة إلى آلية انتقال مدروسة ومنضبطة؛ ومع ذلك، يأتي الإعلان أيضًا في سياق غياب أي انتقال للسلطة وفق المسار الانتخابي الطبيعي منذ عام 2006، ما يجعل الشرعية الإجرائية "أي الشرعية الناتجة عن الإجراءات الدستورية الرسمية" المرجع الرئيس لاستمرار الحكم، هذا المنحى يطرح تساؤلًا جوهريًّا: هل يمثل الإعلان جسرًا مؤقتًا نحو تجديد الشرعية، في حال رَبَطَه المجلس المركزي بخطة انتخابات في 2026، أم يصبح بديلًا دائمًا عنها، كما حدث في الأزمات الإداريّة السابقة؟
وعلى الرغم من ذلك فقد لاقى الإعلان ترحيبًا من مجلس أوروبا، ومن المتوقع أن يلاقي ترحيبًا إقليميًا ودوليًا كخطوة إصلاحية إيجابية.
القراءة القانونية: إدارة الأزمة دون حلّها
من الناحية القانونية، يستند الإعلان إلى الصلاحيات الممنوحة للرئيس وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، الذي يتيح إصدار إعلانات دستورية في حالات الطوارئ، لكن غياب دستور دائم وتعطيل المجلس التشريعي، وتراجع دور المحكمة الدستورية جعل من هذه الإعلانات أداة بديلة لملء الفراغ الدستوري.
هذه الإعلانات تأتي في سياق إدارة الأزمة وليس إنهائها، وتُقدّم ضمانة مؤقتة دون معالجة جذرية لأزمة الشرعية المؤسسية، مما يُضفي عليها طابعًا إجرائيًا لا إصلاحيًا، إلا إذا أُدرجت آليات رقابة إضافية، مثل مشاركة المجتمع المدني في مراقبة الفترة المؤقتة.
بين التأبيد والمؤقت: الضرورة والمخاطرة
الجدل حول الإعلان لا يتعلق بصحته القانونية بقدر ما يرتبط بآثاره السياسية، فمن جهة، يُعدّ خطوة ضرورية نحو استقرار مؤسساتي ومنع الانقسام حول وراثة السلطة، خاصة في ظل البيئة السياسية المعقدة والانقسام الحاد، ومن جهة أخرى، قد تتحول الفترات "المؤقتة" إلى وضع دائم، واستمرار تعطيل العملية الانتخابية، فالنص على إمكانية التمديد 90 يومًا إضافية، وإن كان مُقيدًا "مرة واحدة" يخلق سابقة قد تُستخدم لتأجيل الانتخابات تحت ذرائع مختلفة، كما رأينا في تأجيل الانتخابات المقرّرة عام 2021 بسبب التوترات في القدس الشرقية.
خاتمة: تسكين ضروري في انتظار معالجة جذرية
يمثّل الإعلان الدستوري المُعدّل خطوة تنظيمية تجمع بين ضمان الاستمرارية المؤسسية ومحاولة إعادة ضبط ميزان القوة داخل النظام الفلسطيني.
من الناحية العملية، يُعد الإعلان الدستوري:
• إجراءً وقائيًا ضد الانهيار الفوري.
• وسيلة لقطع الطريق أمام الفوضى، سواءً كانت خلّاقة أو غير خلّاقة.
• أفضل ما يمكن عمله في أسوأ الظروف، لكنه يبقى ناقصًا ديمقراطيًا، إذ يُكرّس "الشرعية الإجرائية" على حساب "الشرعية الشعبية".
مع الاختلاف في قراءة الإعلان، إيجابًا أو سلبيًا، يبقى جوهر القضية مرتبطًا بمدى استعداد النظام السياسي الفلسطيني وقدرته على الانتقال من إدارة البقاء إلى تجديد الشرعية ومعالجة معضلتها عبر:
• إجراء انتخابات حرة وشاملة لجميع الفلسطينيين وفق القانون والدستور، لا وفق الأجندات الحزبية والفصائلية منتهية الصلاحية.
• توفير مظلة سياسية إقليمية ودولية، والتغلب على العقبات الأمنية والسياسية.
قيمة هذا الإعلان الحقيقية ستُقاس بقدرته على أنْ يكون جسرًا نحو الانتخابات لا سدًا مانعًا أمامها.