ثلاث أسئلة كبرى تحتاج إلى إجابة حول النكبة الثانية للفلسطينيين

بي دي ان |

12 أكتوبر 2025 الساعة 07:21م

الكاتب
مرّ عامان على الإبادة الجماعية التي استهدفت الشعب الفلسطيني في نكبته الثانية بعد السابع من أكتوبر، والتي استُشهد خلالها أكثر من 67 ألف فلسطيني، ودُمّر نحو 80% من المباني والمنشآت، وانتشرت الأمراض والأوبئة والمجاعة، في مشهد يُعيد إلى الأذهان مآسي الحرب العالمية الثانية في اليابان وروسيا وألمانيا.

وقد تم الإعلان مؤخرًا عن وقف لإطلاق النار في مفاوضات شرم الشيخ، برعاية أمريكية وبوساطة القاهرة والدوحة وأنقرة، ينتظر الشعب الفلسطيني من خلالها وقف أعمال الإبادة في غزة، وإيصال المساعدات، ووقف الضم والتنكيل في الضفة الغربية المحتلة.
وبرغم التوقعات الإيجابية بشأن هذه المفاوضات، تبقى هناك ثلاثة أسئلة كبرى لا بد من الإجابة عليها، حتى لو توصلت الأطراف في شرم الشيخ إلى اتفاق. فالإجابة عليها ضرورية لتعزيز قدرة الشعب الفلسطيني ومؤسساته على محاسبة المسؤولين عن ما جرى في السابع من أكتوبر، كما تُسهم في ترشيد السياسات الوطنية المناهضة للمشروع الاحتلالي الاستعماري.



السؤال الأول:

لماذا أقدمت حركة حماس على الهجوم في السابع من أكتوبر وهي تدرك حجم الضرر الذي سيلحق بها وبالشعب الفلسطيني؟
علينا أولًا أن نؤكد أن حماس كانت تدرك تمامًا حجم الضرر الذي قد يترتب على مغامرة السابع من أكتوبر، فقد خاضت سابقًا خمس حروب، منها عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، والتي استشهد خلالها نحو 2000 فلسطيني، ودُمرت قرابة ربع البنية التحتية في القطاع.

تشير تقارير جهاز الموساد والشاباك الصادرة عام 2015 إلى أن المستوى السياسي الإسرائيلي كان يُفضّل تخفيف الحصار عن غزة مع الإبقاء على حماس في السلطة، بهدف تقسيم الصف الفلسطيني ومنع قيام دولة فلسطينية موحدة. وحذرت هذه التقارير من أن أي مغامرة عسكرية غير محسوبة من جانب حماس ستُقابل برد عسكري مدمر من قبل إسرائيل.

وعلى الرغم من ذلك، استمرت حماس في التخطيط للهجوم على مدار نحو عامين، ما يشير إلى تأثير عاملين أساسيين على قيادتها:
    1.    ضغوط إقليمية من قوى أرادت أن تُوظّف حماس لتعزيز أدوارها في الإقليم، ولو على حساب المصلحة الفلسطينية.
    2.    مراهنة خاطئة على فتح جبهات أخرى ضد إسرائيل، وهو ما حدث جزئيًا لكنه لم يرقَ إلى مستوى التوقعات.

كما تجاهلت القيادة الحمساوية قدرات إسرائيل الهجومية وتحالفاتها الدولية، وأغفلت احتمال نشوب حرب طويلة الأمد بخلاف الحروب السابقة.
بناءً على ما سبق، يتضح أن ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر كان يفتقر إلى العقلانية السياسية، ولا يستند إلى قوة عسكرية كافية لتحقيق إنجاز فعلي.



السؤال الثاني:

ما الأهداف التي حققتها حركة حماس من هذه المغامرة العسكرية غير المحسوبة؟
الانتصار في الحروب يُقاس عادة بتحقيق الأهداف المعلنة. وبالعودة إلى “خطاب الطوفان” الذي ألقاه محمد الضيف، وكذلك “خطاب النصر” الذي ألقاه خالد مشعل في مؤتمر كوالالمبور، فإن الأهداف المعلنة شملت:
    •    إنهاء الاحتلال
    •    تحرير المسجد الأقصى أو وقف تهويده
    •    فك الحصار عن غزة
    •    تحرير الأسرى الفلسطينيين

لكن الواقع يشير إلى أن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق، بل على العكس:
    •    قطاع غزة تعرض للاجتياح، وأُقيمت فيه منطقة عازلة واقتُطعت أجزاء منه
    •    دُمّرت معظم مدن وقرى القطاع
    •    من المتوقع أن تتولى قوات دولية وعربية، وربما مجلس سلام بإدارة غربية، الإشراف على غزة
    •    تصاعدت اعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى والضفة الغربية
    •    توسّع الاستيطان، وبدأت خطوات عملية لضم الضفة

أما ما يُروَّج له من إنجاز يتمثل في “تحرير الأسرى”، فإن معظم المحكومين بالمؤبدات لم يُفرج عنهم، ومن المتوقع إبعاد غالبيتهم  إلى الخارج. ولو سُئل هؤلاء الأسرى أنفسهم إن كانوا يقبلون هذا الثمن الباهظ مقابل حريتهم، لربما كانت إجابتهم “لا”. فلا يوجد عاقل يقبل أن يُقدَّم هذا الكم من الدماء والدمار كثمن لتحرير الأسرى.



السؤال الثالث:

لماذا أصرت حركة حماس طوال فترة العدوان على تهميش منظمة التحرير الفلسطينية رغم الحاجة الماسة إلى وحدة الصف الفلسطيني؟
الإجابة واضحة: وهي عقدة حماس من حركة فتح.
حماس اتخذت قرار الهجوم منفردة، وأصرت على إدارة المعركة بعيدًا عن رام الله. فهي لم تُلبِّ المطالب الشعبية أو الضغوط الإقليمية والدولية التي دعت إلى وحدة وطنية. ووقعت اتفاقات مصالحة مع حركة فتح في بكين وموسكو، لكنها لم تنفذ أيًا منها، كما لم تفِ بالتزاماتها السابقة قبل السابع من أكتوبر.

وحين وافقت — مُجبرة — على مقررات القمة العربية في القاهرة بشأن تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة القطاع، رفضت أن تكون اللجنة تحت مرجعية السلطة الوطنية الفلسطينية. وهذا يبيّن أن حماس تخشى من السلطة أكثر مما تخشى من الاحتلال، لأن الاحتلال لا شرعية له، أما السلطة فهي تمثل الشرعية الفلسطينية كذراع تنفيذي لمنظمة التحرير.



خاتمة: تقييم عام

من خلال استعراض هذه الأسئلة الثلاثة، يمكن القول بوضوح إن ما حدث في السابع من أكتوبر لم يكن “طوفانًا للنصر” بل طوفانًا للهزيمة والإبادة.

من حق الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية أن تُحاسب المسؤولين عن هذه الكارثة، هؤلاء الذين لم يعتذروا عن منح الاحتلال الذريعة لارتكاب مجازر بحق المدنيين وتصفية القضية الفلسطينية.
هؤلاء الذين رموا بأبنائهم إلى الموت دون تأمين أو ضمان، واحتكروا المساعدات ليبيعوها في السوق السوداء، واغتالوا كل من عارضهم أو كسر صمتهم، ثم لجأوا إلى الفنادق الفاخرة بينما يتلظى الناس تحت النار والجوع.

كفى لهم، وكفى على هذا الشعب العظيم.
شعبٌ يحتاج إلى من يعترف بإنسانيته ويخدم قضيته، لا من يتعامل معه كـ”مصنع لإنتاج الشهداء”، كما قال أبو زهري، أو يبرر ترك المدنيين للموت بأن “مسؤوليتهم تقع على الأمم المتحدة”، كما صرح أبو مرزوق.