الاعترافات بالدولة والافق المفتوح

بي دي ان |

24 سبتمبر 2025 الساعة 12:38ص

الكاتب
ساعات حاسمة في مسار القضية والدولة الفلسطينية، حيث شهدت تطورات ديبلوماسية وسياسية نوعية نحو ولوج منعطف هام في ارتقاء العديد من الدول الغربية المركزية خطوة الى الامام في تحمل مسؤولياتها تجاه الحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية، رغم تأخرها ما يزيد عن 75 عاما، وينطبق عليها المثل الشعبي "أن تأتي متأخرا، خير من ان لا تأتي"، ولم يكن لها أن تأتي الا بفضل صمود وتجذر الشعب العربي الفلسطيني على ترابه الوطني، ودفاعه المستميت عن حقوقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة، ومع مواصلة دولة إسرائيل اللقيطة الإبادة الجماعية على مدار 718 يوما، التي أودت بحياة مئات الالاف من الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء عموما من أبناء الشعب، ودمرت نحو 90% من الوحدات السكانية والمؤسسات والمرافق العامة والمستشفيات والمعابد الإسلامية والمسيحية والبنى التحتية في قطاع غزة ومدن ومحافظات الوطن المختلفة.
بين أول أمس الاحد وأمس الاثنين 21 و22 أيلول / سبتمبر الحالي (2025) أعلنت العديد من الدول الوازنة اعترافها بالدولة الفلسطينية، وهي بريطانيا، كندا، استراليا، البرتغال، فرنسا، بلجيكا، لوكسمبورغ، نيوزيلندا، مالطا، بأندورا وسان مارينو، وهي خطوة ضرورية وهامة، وتحمل في طياتها دلالات سياسية وديبلوماسية وقانونية واقتصادية إيجابية. لا سيما وان بين الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية ذات ثقل ووازنة، فمن بينها دولتين عضوتين دائمتين في مجلس الامن الدولي، كما ان المملكة المتحدة هي صاحبة وعد بلفور المشؤوم الصادر في تشرين ثاني / نوفمبر 1917، ولهذا الاعتراف أهمية خاصة لجهة الالتزامات المستحقة عليها تجاه الشعب والدولة والقضية الفلسطينية تاريخيا، فضلا عن الاعتذار التاريخي للشعب الفلسطيني عن نكبته واثقالها التي القت بها على كاهله، كونها المساهم الرئيس في تبديد وضياع حقوقه ومصالحه الحيوية السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والسيكولوجية على مدار العقود الماضية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ومن اهم الإنجازات التي ستنجم عن الاعترافات الحالية هي: أولا من حيث الكم، ارتفع عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية الى 160 دولة، وهذا العدد يتجاوز عدد الدول المعترفة بالدولة الإسرائيلية؛ ثانيا تعزيز مكانة الدولة الفلسطينية دوليا؛ ثالثا الاسهام برفع مكانة دولة فلسطين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، رغم عصا واشنطن الغليظة حتى الان، أي الفيتو الأميركي؛ رابعا إعطاء زخم سياسي وديبلوماسي قوي لعملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967؛ خامسا زيادة عزلة الدولة الإسرائيلية بفعل الإبادة الجماعية والمجاعة القاتلة التي تفرضها على أبناء الشعب في القطاع؛ سادسا زيادة الدعم المالي والاقتصادي واللوجستي للدولة الفلسطينية؛ سابعا تثبيت وتكريس الحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية أكثر من المراحل السابقة، لما للدول المعترفة من مكانة هامة في صناعة القرار الدولي، وغيرها من الإنجازات التي قد يكون فاتني تسليط الضوء عليها.
كما ان أهمية الاعترافات الدولية الجديدة، تكمن في ان الدول المعترفة جلها من الدول الامبريالية الغربية التي ساهمت ودعمت قيام الدولة الإسرائيلية المارقة والخارجة على القانون، وهي التي لعبت دورا خطيرا خلال العقود الماضية في تغييب مكانة الدولة الفلسطينية، وسعت مع غيرها من الدول لطمس القضية والحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وبالتالي يأتي اعترافها الان في لحظة حاسمة وخطيرة من الصراع نتاج تغول وبلطجة الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها إسرائيل على الشعب وحقوقه كافة، فضلا عن انتهاكاتها وجرائم حربها وابادتها الجماعية والتهجير القسري بهدف تعميق عملية التطهير العرقي الاوسع والأخطر على مستقبل الشعب واستقلال دولته وعملية السلام برمتها، التي تسعى لتبديدها كليا، وعليه فإن الموجة النوعية من الاعترافات ستشكل بالضرورة رافعة لعملية السلام، وكما كانت قضية الصراع من أساسها انتاج وصناعة القوى الغربية، وأصلت لنشوء وإقامة الدولة الإسرائيلية على انقاض نكبة الشعب الفلسطيني، فإن اعتراف الدول الأوروبية والغربية الرأسمالية بالدولة الفلسطينية يعيد الاعتبار للدور الدولي في الاسهام المباشر باستقلال الدولة الفلسطينية، وحماية الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية الوحشية.
من المؤكد ان حملة الاعترافات الجديدة والهامة خطت بالدولة الفلسطينية خطوة متقدمة نحو انبلاج فجرها وشمسها، وباتت على مرمى حجر، رغم كل التعقيدات والصعوبات الأميركية والإسرائيلية، لكن صيرورة التطورات الجارية مع اتساع وتعاظم التضامن العالمي الأهلي والرسمي سيضاعف من الضغط على إسرائيل الاستعمارية، وسيؤثر في التحولات الإيجابية في الساحة الأميركية، التي انطلقت من داخل مجلسي الشيوخ والنواب مؤخرا، بالإضافة للرأي العام الأميركي المتنامي باضطراد لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووقف ارسال الأسلحة بكل صنوفها لدولة الإبادة الجماعية الاسرائيلية، وهو ما سيحدث التغير النوعي المطلوب لاحقا في الولايات المتحدة الأميركية.
[email protected]
[email protected]