لا موسيقى للإبادة الجماعية

بي دي ان |

21 سبتمبر 2025 الساعة 08:58ص

الكاتب
الثقافة والفن تلعب أدوارا مهمة وملهمة لشعوب الأرض، وتشكل رافعة مهمة في الارتقاء بمنسوب وعي الجماهير، رغم انها مستقلة نسبيا عن السياسة ودروبها، الا ان المبدعين في حقول الادب والفن كافة عندما يستشعرون ان الواجب الإنساني والأخلاقي والقيمي يدعوهم لوقفة عز شجاعة تجاه قضايا عادلة لا يتوانون عن الانحياز لصوت الضمير وحقوق الانسان لرفع الضيم والظلم عن الشعوب التي تتعرض لوحشية النظم السياسية والقائمة بالحروب والاستعمار بأشكاله القديمة والجديدة، ويرفعون الصوت عاليا دون وجل او خشية من تداعيات القوى المتغطرسة والعنصرية والإرهابية، انسجاما وتماهيا مع دورهم الفني والثقافي الملتزم بصيانة السلم العالمي، وليس في اوطانها فقط.
وبنتيجة تعاظم وحشية الإبادة الجماعية والمجاعة القاتلة والامراض والاوبئة الصهيو أميركية على الشعب العربي الفلسطيني على مدار العامين الماضيين تحديدا بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 وحتى الان في ال 21 من أيلول / سبتمبر 2025، أخذت أصوات الفنانون والمثقفون والادباء والأكاديميون تتعالى تدريجيا رفضا للجرائم الوحشية التي ترتكبها الولايات المتحدة ودولتها اللقيطة إسرائيل، حيث أعلن 400 فنان عالمي في الآونة الأخيرة تشكيلهم مبادرة بعنوان "لا موسيقى للإبادة الجماعية"، وهي مبادرة جديدة لمقاطعة الثقافة (الابادوية)، تطالب الفنانين وأصحاب الحقوق بإزالة الموسيقى التي يملكونها من منصات البث في إسرائيل. وجاء في بيانها أنها تأتي ردا على "الإبادة الجماعية المستمرة في غزة"، وأن أي فنان أو شركة إنتاج مشاركة مُلزمة باستبعاد إسرائيل من المناطق التي تُوزع فيها موسيقاهم، أو ارسال طلبات حظر جغرافي الى إسرائيل غير شركات التوزيع، وفقا لصحيفة "هآرتس" العبرية.
ويقود المقاطعة فنانون مستقلون وشركات تسجيلات تمكنوا من تجنيد فرق ضخمة مثل: Massive Attack ، Fountains DC،Scream Primal، الى جانب موسيقيين بارزن مثل: Rina Sawayama ومغني الراب MIKE وFaye Websterو Japanese Breakfast وKing Carol ، Arca ، و MJ Lederman ، والمغني MO وغيرهم. وتضمن بيان قادة المبادرة دعوة مباشرة لشركات التسجيل الكبرى مثل سوني ويونيفرسال ووارنر للانضمام الى المقاطعة، وأضاف البيان "الثقافة وحدها لا توقف القنابل، لكنها قادرة على رفض القمع السياسي، وتوجيه الرأي العام نحو العدالة، ومعارضة تطبيع المجتمعات أو الدول التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية." وتابع بيانها التأكيد أنها "جزء من حركة عالمية أوسع تهدف الى تقويض الدعم الدولي الذي تحتاجه إسرائيل لمواصلة جرائمها." وأشار البيان الى تحركات ثقافية وسياسية أخرى شهدتها الأسابيع الأخيرة معارضة للحرب على غزة، بما في ذلك إضراب "صانعي الأفلام من أجل فلسطين" وقرار الحكومة الاسبانية بمنع السفن والطائرات من دخول إسرائيل، ومنعت أيضا مشاركات الإسرائيليين في الألعاب الرياضية الدولية. وتؤكد المبادرة أنها مصممة لإلهام الفنانين وتزويدهم بأداة موسيقية للتأثير على الحرب من خلال موسيقاهم. وتشير الى ان "الهدف الأول للمبادرة .. هو تشجيع المزيد من الفنانين على تحمل المسؤولية وتوجيه تأثيرهم نحو أفعال ملموسة. كلما كبرنا زادت قوتنا، وهذه ليست سوى الخطوة الأولى."
كما دعت أعداد متزايدة من الفنانين الغربيين في مجالات الموسيقى وصناعة الأفلام والنشر الى مقاطعة إسرائيل ثقافيا بسبب حربها في غزة، على أمل تحقيق نجاح مماثل للتحرك في جنوب افريقيا خلال حقبة الفصل العنصري. وردا على رفض معظم الحكومات الغربية فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، يأمل الموسيقيون والمشاهير والكتاب في حشد ضغط شعبي عالمي لاتخاذ مزيد من الإجراءات. وصرح الممثل البريطاني خالد عبد الله (الممثل في فيلمي "عداء الطائرة الورقية" و"التاج") لفرانس برس بعد توقيعه عريضة تدعو الى مقاطعة بعض هيئات السينما الإسرائيلية "لا شك لدي مطلقا في أننا أصبحنا عالميا عند نقطة تحول."
وحشدت الرسالة المفتوحة الصادرة عن "عاملون في مجال السينما من أجل فلسطين" الاف الموقعين، بينهم الممثلان خولكين فينيكس وإيما ستون، الذين تعهدوا قطع العلاقات مع أي مؤسسات إسرائيلية "متورطة في الإبادة الجماعية" في غزة. وتابع عبد الله خلال مقابلته الجمعة 19 أيلول / سبتمبر الحالي "التعبئة بدأت الآن وتمتد الى شتى المجالات، ليس فقط في مجال صناعة السينما"، انما في المجالات المختلفة. ومن الأمثلة المميزة على هذا الصعيد، في حفلة توزيع جوائز إيمي هذا الأسبوع تحدث الفائزون من خافيير بارنيم الى هانا ابنييندر نجمة فيلم "هاكس"، عن غزة في أصداء لتصريحات مماثلة خلال مهرجان البندقية السينمائي في وقت سابق من هذا الشهر. والخميس الماضي أعلنت فرقة "ماسيف أتاك" رواد الموسيقى التريب هوب البريطانية انضمامها الى مجموعة موسيقى "لا موسيقى للإبادة" التي ستتيح للفنانين منع بث اغانيهم في إسرائيل. وفي السياق، تواجه إسرائيل مقاطعة في مسابقة الاغنية الأوروبية (يوروفيجن)، وقد وقع مؤلفون رسائل مفتوحة بينما يقود رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز، حملة لاستبعاد إسرائيل من الاحداث الرياضية.
كما أعلن قائد الأوركسترا الإسرائيلي إيلان فولكوف الأسبوع الماضي خلال حفلة موسيقية في بريطانيا أنه لن يعزف في إسرائيل بعد الان. وقال هاكان ثورن الأكاديمي السويدي في جامعة غوتنبرغ الذي ألف كتابا عن حركة المقاطعة في جنوب افريقيا "أعتقد اننا نشهد وضعا مماثلا لحركة المقاطعة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا." وتعقيبا على ما تقدم، صرح كاتب السيناريو الإسرائيلي الشهير هاغاي ليفي لفرانس برس في وقت سابق هذا الشهر أن "90% من الوسط الفني" يعارض الحرب، وأضاف "انهم يعانون ومقاطعتهم ستساهم في اضعافهم."
إذا شرارة المقاطعة الفنية والثقافية والرياضية عموما تنامت حتى اشعلت السهل الابداعي العالمي، وباتت تتعاظم وتنتشر في سهوب ووديان وجبال الكرة الأرضية، وبالضرورة سيكون لها دور هام في توسيع المقاطعة لدولة إسرائيل، وتعمق عزلتها عالميا، وستترك بصمات قوية، ولكن مطلوب من الدول فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية والعسكرية وعلى الصعد كافة لتسهم بشكل جاد بوقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم الوطن الفلسطيني.
[email protected] 
[email protected]