التأشيرة المرفوضة: معركة فلسطين القانونية والسياسية في الأمم المتحدة
بي دي ان |
30 أغسطس 2025 الساعة 01:39م

في خطوة تصعيدية جديدة، وفي قلب نيويورك، حيث يُفترض أن يكون مقر الأمم المتحدة فضاءً محايداً لرفع الأصوات والدفاع عن القانون الدولي والشرعية الدولية، وجدت فلسطين نفسها مجدداً أمام جدار من الرفض: إذ أعلنت الإدارة الأمريكية يوم الجمعة، 29 أغسطس 2025، رفض منح الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والوفد المرافق له تأشيرة دخول للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤمر انفاذ حل الدولتين المزمع عقده في سبتمبر المقبل.
هذا القرار ليس مجرد إجراء إداري، بل اختبار حقيقي للشرعية الدولية؛ فوفقاً لاتفاقية المقر لعام 1947، تتحمل الولايات المتحدة، بصفتها الدولة المضيفة، مسؤولية تمكين جميع الوفود من دخول أراضيها دون أي تمييز سياسي. وأي تقييد لهذا الحق يعد خرقاً صريحاً للالتزامات الدولية ويضع حياد المنظمة على المحك.
بررت وزارة الخارجية الأمريكية قرارها بأن الخطوة تهدف إلى حماية الأمن القومي، متهمة السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير بعدم نبذ الإرهاب بما فيه عملية السابع من أكتوبر 2023، ومواصلة السعي إلى اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية، بما يعرقل – حسب زعمها – فرص استئناف المفاوضات السياسية، المعدومة أصلاً-.
ن رفض الإدارة الأمريكية منح التأشيرة للوفد الفلسطيني لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق السياسي الراهن؛ فبعيداً عن المبررات الرسمية، تكمن الدوافع الحقيقية في مخاوف واشنطن من أن يتضمن خطاب الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة إعلانًاً دستورياً بالاستقلال، يحوّل وظيفة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى دولة تحت الاحتلال، بما قد يغيّر جذرياً طبيعة التعامل مع القضية الفلسطينية على الساحة. كما قد يشمل خطاب الرئيس المطالبة بنزع الشرعية عن الاحتلال لعدم التزامه بالقانون الدولي، وربما الدعوة إلى فرض حصار سياسي واقتصادي نتيجة ارتكابه جرائم الإبادة الجماعية، والتمييز العنصري، والتهجير القسري، واستخدام سلاح التجويع، فضلاً عن تحويل قطاع غزة إلى أرض محروقة. ويأتي ذلك في وقت يشهد تصاعداً في الاعتراف بدولة فلسطين، لا سيما من بعض حلفاء واشنطن البارزين مثل فرنسا وبريطانيا، إلى جانب كندا وأستراليا.
التحوّل في مواقف الدول الغربية يعكس تغيراً جوهرياً في الرأي العام الدولي تجاه فلسطين، في ظل العدوان الذي تشارك فيه الإدارة الأمريكية على شعبنا في الأراضي المحتلة، خصوصاً في غزة ومخيمات شمال الضفة الغربية، وتصاعد الغضب العالمي من سياسات الاحتلال، مما يفاقم عزلة الأخير على الساحة الدولية. وفي المقابل، يعزّز هذا الواقع موقف القيادة الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية.
وتشير تقارير متعددة إلى أن الولايات المتحدة وبعض العواصم الغربية تمارس ضغوطاً غير مسبوقة على القيادة الفلسطينية لسحب الدعاوى القانونية المرفوعة ضد الاحتلال، تجنّباً لتصعيد الموقف القانوني والسياسي. فالسياسة الأمريكية تجاه فلسطين محكومة بمصالح استراتيجية وإقليمية، حيث يُنظر إلى أي حضور فلسطيني فاعل على الساحة الدولية باعتباره تهديداً لموازين القوة التي تضمن استمرار المشروع الاستعماري الصهيوني، الذي بدأ يتآكل مع تغير المزاج الدولي، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، حتى داخل الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي، ولا سيما بين فئة الشباب.
ومن المتوقع أن تكون ردود الفعل الدولية حاسمة في رسم ملامح هذه الأزمة؛ إذ ستواجه الخطوة الأمريكية إدانات واسعة من غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكونها تمس هيبة المنتظم الدولي وتقوض مبدأ التمثيل المتكافئ للدول، الأمر الذي يعزّز المطالبات بإصلاح النظام الدولي والحد من هيمنة القطب الواحد.
وفي مواجهة هذا القرار الجائر، تمتلك القيادة الفلسطينية أدوات قانونية وإجرائية لحماية حقوقها، من أبرزها:
1- تقديم احتجاج رسمي إلى الأمين العام للأمم المتحدة وتسجيل خرق الولايات المتحدة لاتفاقية المقر كسابقة خطيرة تهدد حياد المنظمة، مع الدعوة إلى عقد جلسة عاجلة لمناقشة هذا الإجراء.
2- المطالبة بنقل الاجتماعات إلى جنيف أو فيينا بموجب اتفاقية المقر، إذا استمر التعنّت الأمريكي، على غرار أزمة عام 1988 عندما مُنع الرئيس الراحل ياسر عرفات من دخول نيويورك، فاضطرت الأمم المتحدة لعقد اجتماعاتها في جنيف، حيث ألقى خطابه التاريخي. واليوم، تُعيد الإدارة الأمريكية إنتاج الظروف ذاتها.
3- اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري يثبت أن منع التأشيرات يمثل خرقاً للقانون الدولي.
4- تعبئة الرأي العام العالمي عبر بيانات الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وحركة عدم الانحياز، ومجموعة البريكس، وغيرها من المنظمات الدولية، لتسليط الضوء على طبيعة الانتهاك وتبعاته على السلام والعدالة الدولية.
ختاماً: لا يمكن قراءة القرار الأمريكي باعتباره مجرد إجراء عقابي ضد شعبنا وقيادته، بل هو ضربة قاسية للشرعية الدولية، وخاصة لمبدأي المساواة والعدالة اللذين تأسست عليهما الأمم المتحدة. ويؤكد أن النظام الدولي يعيش أزمة بنيوية عميقة تحت هيمنة القطب الواحد. ومع ذلك، فإن الصوت الفلسطيني لن يصمت، والتاريخ يعلّمنا أن العدالة تشق طريقها حتى في أحلك الظروف. إن نقل الاجتماعات إلى جنيف أو فيينا ليس مجرد حل قانوني، بل رمز عالمي للإنصاف وحقوق الإنسان وشرعية الأمم المتحدة. أما عدالة القضية الفلسطينية، فلن تثني شعبنا عن مواصلة نضاله المشروع من أجل الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على أرضه وعاصمتها القدس.
[email protected]
هذا القرار ليس مجرد إجراء إداري، بل اختبار حقيقي للشرعية الدولية؛ فوفقاً لاتفاقية المقر لعام 1947، تتحمل الولايات المتحدة، بصفتها الدولة المضيفة، مسؤولية تمكين جميع الوفود من دخول أراضيها دون أي تمييز سياسي. وأي تقييد لهذا الحق يعد خرقاً صريحاً للالتزامات الدولية ويضع حياد المنظمة على المحك.
بررت وزارة الخارجية الأمريكية قرارها بأن الخطوة تهدف إلى حماية الأمن القومي، متهمة السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير بعدم نبذ الإرهاب بما فيه عملية السابع من أكتوبر 2023، ومواصلة السعي إلى اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية، بما يعرقل – حسب زعمها – فرص استئناف المفاوضات السياسية، المعدومة أصلاً-.
ن رفض الإدارة الأمريكية منح التأشيرة للوفد الفلسطيني لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق السياسي الراهن؛ فبعيداً عن المبررات الرسمية، تكمن الدوافع الحقيقية في مخاوف واشنطن من أن يتضمن خطاب الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة إعلانًاً دستورياً بالاستقلال، يحوّل وظيفة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى دولة تحت الاحتلال، بما قد يغيّر جذرياً طبيعة التعامل مع القضية الفلسطينية على الساحة. كما قد يشمل خطاب الرئيس المطالبة بنزع الشرعية عن الاحتلال لعدم التزامه بالقانون الدولي، وربما الدعوة إلى فرض حصار سياسي واقتصادي نتيجة ارتكابه جرائم الإبادة الجماعية، والتمييز العنصري، والتهجير القسري، واستخدام سلاح التجويع، فضلاً عن تحويل قطاع غزة إلى أرض محروقة. ويأتي ذلك في وقت يشهد تصاعداً في الاعتراف بدولة فلسطين، لا سيما من بعض حلفاء واشنطن البارزين مثل فرنسا وبريطانيا، إلى جانب كندا وأستراليا.
التحوّل في مواقف الدول الغربية يعكس تغيراً جوهرياً في الرأي العام الدولي تجاه فلسطين، في ظل العدوان الذي تشارك فيه الإدارة الأمريكية على شعبنا في الأراضي المحتلة، خصوصاً في غزة ومخيمات شمال الضفة الغربية، وتصاعد الغضب العالمي من سياسات الاحتلال، مما يفاقم عزلة الأخير على الساحة الدولية. وفي المقابل، يعزّز هذا الواقع موقف القيادة الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية.
وتشير تقارير متعددة إلى أن الولايات المتحدة وبعض العواصم الغربية تمارس ضغوطاً غير مسبوقة على القيادة الفلسطينية لسحب الدعاوى القانونية المرفوعة ضد الاحتلال، تجنّباً لتصعيد الموقف القانوني والسياسي. فالسياسة الأمريكية تجاه فلسطين محكومة بمصالح استراتيجية وإقليمية، حيث يُنظر إلى أي حضور فلسطيني فاعل على الساحة الدولية باعتباره تهديداً لموازين القوة التي تضمن استمرار المشروع الاستعماري الصهيوني، الذي بدأ يتآكل مع تغير المزاج الدولي، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، حتى داخل الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي، ولا سيما بين فئة الشباب.
ومن المتوقع أن تكون ردود الفعل الدولية حاسمة في رسم ملامح هذه الأزمة؛ إذ ستواجه الخطوة الأمريكية إدانات واسعة من غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكونها تمس هيبة المنتظم الدولي وتقوض مبدأ التمثيل المتكافئ للدول، الأمر الذي يعزّز المطالبات بإصلاح النظام الدولي والحد من هيمنة القطب الواحد.
وفي مواجهة هذا القرار الجائر، تمتلك القيادة الفلسطينية أدوات قانونية وإجرائية لحماية حقوقها، من أبرزها:
1- تقديم احتجاج رسمي إلى الأمين العام للأمم المتحدة وتسجيل خرق الولايات المتحدة لاتفاقية المقر كسابقة خطيرة تهدد حياد المنظمة، مع الدعوة إلى عقد جلسة عاجلة لمناقشة هذا الإجراء.
2- المطالبة بنقل الاجتماعات إلى جنيف أو فيينا بموجب اتفاقية المقر، إذا استمر التعنّت الأمريكي، على غرار أزمة عام 1988 عندما مُنع الرئيس الراحل ياسر عرفات من دخول نيويورك، فاضطرت الأمم المتحدة لعقد اجتماعاتها في جنيف، حيث ألقى خطابه التاريخي. واليوم، تُعيد الإدارة الأمريكية إنتاج الظروف ذاتها.
3- اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري يثبت أن منع التأشيرات يمثل خرقاً للقانون الدولي.
4- تعبئة الرأي العام العالمي عبر بيانات الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وحركة عدم الانحياز، ومجموعة البريكس، وغيرها من المنظمات الدولية، لتسليط الضوء على طبيعة الانتهاك وتبعاته على السلام والعدالة الدولية.
ختاماً: لا يمكن قراءة القرار الأمريكي باعتباره مجرد إجراء عقابي ضد شعبنا وقيادته، بل هو ضربة قاسية للشرعية الدولية، وخاصة لمبدأي المساواة والعدالة اللذين تأسست عليهما الأمم المتحدة. ويؤكد أن النظام الدولي يعيش أزمة بنيوية عميقة تحت هيمنة القطب الواحد. ومع ذلك، فإن الصوت الفلسطيني لن يصمت، والتاريخ يعلّمنا أن العدالة تشق طريقها حتى في أحلك الظروف. إن نقل الاجتماعات إلى جنيف أو فيينا ليس مجرد حل قانوني، بل رمز عالمي للإنصاف وحقوق الإنسان وشرعية الأمم المتحدة. أما عدالة القضية الفلسطينية، فلن تثني شعبنا عن مواصلة نضاله المشروع من أجل الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على أرضه وعاصمتها القدس.
[email protected]