من أزمة الرواتب إلى معركة الاعتراف بالدولة: هل يفشل الفلسطينيون مخططات الضم الإسرائيلي؟
بي دي ان |
26 أغسطس 2025 الساعة 08:50م

الأزمة المالية التي تضرب السلطة الفلسطينية لم تعد مسألة تقنية مرتبطة بعجز الموازنة أو اقتطاعات المقاصة، بل تحولت إلى أداة ضغط سياسي تستخدمها إسرائيل والولايات المتحدة لمعاقبة الفلسطينيين على تحركهم في المحافل الدولية. فمنذ نشوء السلطة الفلسطينية ارتبطت شرعيتها بالقدرة على دفع الرواتب وتقديم الخدمات، واليوم، مع عجزها عن الوفاء بهذه الالتزامات، تهتز ركائز بنيتها وتتعرض لمخاطر التفكك في لحظة إقليمية ودولية بالغة التعقيد.
المال هنا ليس مجرد حساب مصرفي؛ بل سلاح سياسي يرفع ويخفض وفقاً لمدى التزام الفلسطينيين بالخطوط الحمراء الإسرائيلية. وكلما تقدمت القيادة الفلسطينية خطوة نحو محكمة العدل الدولية أو محكمة الجنائية الدولية أو وسعت دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ضُيّقت الخناق المالي وشُدد الحصار. إنه عقاب جماعي متدرج يطال الموظف والمواطن والبنية الخدماتية، بهدف كسر الإرادة السياسية وإجبار الفلسطينيين على التراجع.
الموقف العربي في هذا المشهد ما زال متردداً؛ دعم متقطع وإسناد غير مستدام يترك السلطة عُرضة للابتزاز المالي والسياسي. لكن أي انهيار للسلطة لن يكون خلاصاً، بل مدخلاً لعودة الاحتلال المباشر بأشكال أكثر فجاجة، وذريعة لتعميق مشروع الضم وتوسيع ما تسميه إسرائيل "الإدارة المدنية". الانهيار هنا ليس نهاية، بل بداية لمرحلة أشد خطراً على الفلسطينيين والعرب معاً.
التحول الأكبر يتمثل في انتقال الخطاب الفلسطيني من "سلطة حكم ذاتي" إلى "دولة تحت الاحتلال". هذا التوصيف يعيد القضية إلى مسارها القانوني الصحيح: إسرائيل قوة احتلال خاضعة لاتفاقيات جنيف الأربع، والشعب الفلسطيني صاحب حق غير قابل للتصرف في تقرير المصير. من هنا تنبع أهمية الاعترافات الدولية المتزايدة بدولة فلسطين، خاصة من الدول الأوروبية، وما تحمله من تداعيات قانونية وسياسية تضعف سردية إسرائيل حول "أراضٍ متنازع عليها".
الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة ستكون ساحة اختبار. صحيح أن الولايات المتحدة ستواصل استخدام الفيتو في مجلس الأمن، لكن تراكم الاعترافات وتحولها إلى أغلبية أممية يضع إسرائيل في زاوية العزلة، ويقوض مشروع الضم وشرعية الاستيطان، ويفتح الباب لتدابير عملية مثل حظر منتجات المستوطنات ومساءلة الاحتلال في المحاكم الدولية.
التحدي اليوم أن يحول الفلسطينيون هذه الأزمة إلى فرصة. المطلوب خطة مالية تحمي الخدمات الأساسية وتعزز الشفافية والثقة، وشبكة أمان عربية دائمة لا موسمية، وبرنامج قانوني دولي مُؤسَّس يقود إلى مساءلة الاحتلال بلا هوادة. داخلياً، لا بد من تجديد الشرعية عبر الشراكة الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير على قاعدة التمثيل الواسع، حتى لا تبقى السلطة مجرد إدارة خدماتية قابلة للانهيار عند كل أزمة مالية.
إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة تحت الاحتلال ليس ترفاً سياسياً، بل استحقاق قانوني وأخلاقي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية. كل تأخير في هذا المسار يمنح إسرائيل فسحة جديدة لمراكمة وقائع الضم والفصل العنصري. أما تثبيته كخيار دولي جامع، فيمثل بداية لتفكيك المشروع الاستيطاني وإعادة الاعتبار لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
الخلاصة أن أزمة الرواتب والخدمات هي وجه ظاهر لمعركة أعمق، معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كواقع قانوني وسياسي يواجه مشروع الضم. وإذا ما أحسن الفلسطينيون إدارة هذه اللحظة التاريخية، بدعم عربي واستناد إلى القانون الدولي، فإن المخطط الإسرائيلي سيصطدم بجدار الشرعية الأممية، وسيجد الاحتلال نفسه معزولاً في مواجهة حقيقة لم يعد بالإمكان طمسها: هناك شعب تحت الاحتلال، وهناك دولة فلسطينية تفرض حضورها رغم الحصار.
المال هنا ليس مجرد حساب مصرفي؛ بل سلاح سياسي يرفع ويخفض وفقاً لمدى التزام الفلسطينيين بالخطوط الحمراء الإسرائيلية. وكلما تقدمت القيادة الفلسطينية خطوة نحو محكمة العدل الدولية أو محكمة الجنائية الدولية أو وسعت دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ضُيّقت الخناق المالي وشُدد الحصار. إنه عقاب جماعي متدرج يطال الموظف والمواطن والبنية الخدماتية، بهدف كسر الإرادة السياسية وإجبار الفلسطينيين على التراجع.
الموقف العربي في هذا المشهد ما زال متردداً؛ دعم متقطع وإسناد غير مستدام يترك السلطة عُرضة للابتزاز المالي والسياسي. لكن أي انهيار للسلطة لن يكون خلاصاً، بل مدخلاً لعودة الاحتلال المباشر بأشكال أكثر فجاجة، وذريعة لتعميق مشروع الضم وتوسيع ما تسميه إسرائيل "الإدارة المدنية". الانهيار هنا ليس نهاية، بل بداية لمرحلة أشد خطراً على الفلسطينيين والعرب معاً.
التحول الأكبر يتمثل في انتقال الخطاب الفلسطيني من "سلطة حكم ذاتي" إلى "دولة تحت الاحتلال". هذا التوصيف يعيد القضية إلى مسارها القانوني الصحيح: إسرائيل قوة احتلال خاضعة لاتفاقيات جنيف الأربع، والشعب الفلسطيني صاحب حق غير قابل للتصرف في تقرير المصير. من هنا تنبع أهمية الاعترافات الدولية المتزايدة بدولة فلسطين، خاصة من الدول الأوروبية، وما تحمله من تداعيات قانونية وسياسية تضعف سردية إسرائيل حول "أراضٍ متنازع عليها".
الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة ستكون ساحة اختبار. صحيح أن الولايات المتحدة ستواصل استخدام الفيتو في مجلس الأمن، لكن تراكم الاعترافات وتحولها إلى أغلبية أممية يضع إسرائيل في زاوية العزلة، ويقوض مشروع الضم وشرعية الاستيطان، ويفتح الباب لتدابير عملية مثل حظر منتجات المستوطنات ومساءلة الاحتلال في المحاكم الدولية.
التحدي اليوم أن يحول الفلسطينيون هذه الأزمة إلى فرصة. المطلوب خطة مالية تحمي الخدمات الأساسية وتعزز الشفافية والثقة، وشبكة أمان عربية دائمة لا موسمية، وبرنامج قانوني دولي مُؤسَّس يقود إلى مساءلة الاحتلال بلا هوادة. داخلياً، لا بد من تجديد الشرعية عبر الشراكة الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير على قاعدة التمثيل الواسع، حتى لا تبقى السلطة مجرد إدارة خدماتية قابلة للانهيار عند كل أزمة مالية.
إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة تحت الاحتلال ليس ترفاً سياسياً، بل استحقاق قانوني وأخلاقي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية. كل تأخير في هذا المسار يمنح إسرائيل فسحة جديدة لمراكمة وقائع الضم والفصل العنصري. أما تثبيته كخيار دولي جامع، فيمثل بداية لتفكيك المشروع الاستيطاني وإعادة الاعتبار لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
الخلاصة أن أزمة الرواتب والخدمات هي وجه ظاهر لمعركة أعمق، معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كواقع قانوني وسياسي يواجه مشروع الضم. وإذا ما أحسن الفلسطينيون إدارة هذه اللحظة التاريخية، بدعم عربي واستناد إلى القانون الدولي، فإن المخطط الإسرائيلي سيصطدم بجدار الشرعية الأممية، وسيجد الاحتلال نفسه معزولاً في مواجهة حقيقة لم يعد بالإمكان طمسها: هناك شعب تحت الاحتلال، وهناك دولة فلسطينية تفرض حضورها رغم الحصار.