حين يصبح حر الخيام قصفًا صامتًا
بي دي ان |
15 أغسطس 2025 الساعة 12:09م

حرفيًا، في مثل هذه الأيام كانت حرارة الخيمة نارًا تلفح وجوهنا وأجسادنا، كأننا في قلب أفران لا ترحم. كنا نبحث عن ظلٍّ أو نسمة هواء كما يبحث المرء عن إبرة وسط كوم قش. العرق يتصبب منّا بغزارة، نمسك قطعًا من ورق الكرتون نحركها أمام وجوهنا علّها تسرق شيئًا من الحرّ، نقذف الماء فوق رؤوسنا بين الحين والآخر، حتى يخيل لنا أن بخارًا يتصاعد من أجسادنا من شدّة القيظ. أمّا الملابس، فلا تمضي دقائق حتى تجف وكأن شيئًا لم يكن.
نتسلل من ركن إلى آخر بحثًا عن الظل، وحين نعثر عليه نجلس تحته متلاصقين كسرب نحلٍ أنهكه الطواف. من خلف الخيمة، سألتني زوجة أخي أكثر من مرة:
– عندكم هواء؟
فأجبتها ضاحكة بمرارة: نحن تمامًا كقطعة بوظة تُركت في منتصف النهار تحت شمس آب، نذوب موتًا وعرقًا، فيما يعلو في الخلفية صوت قصف يتبعه صفير سيارات الإسعاف.
الأطفال يبكون، أجسادهم تغطيها حبوب حمراء منتفخة، يهرشونها بأصابعهم حتى تسيل دماؤهم. أمهم تحمل قطعة شاش ملطخة باليود الطبي، تمسح بها جراحهم فيصرخون ويهربون منها. عمر ذو الثلاث سنوات، يصعد على كرسي ليغرف الماء من البرميل، يطلب من أمه أن تحمّمه للمرة الثانية، ولن تكون الأخيرة. الأطفال تعودوا على الاستحمام بالماء البارد دون تذمر، يسكبون إبريقًا كاملاً على أجسادهم دفعة واحدة.
وبعضهم يكتفي بجالون ماء يُترك عشر دقائق تحت الشمس ليصبح ساخنًا، أما نحن فنتوضأ بأقل القليل، ونعيد استخدام الماء لأكثر من غرض حفاظًا على ما تبقى. أصبح منتهى أمانينا أن نفتح صنبور ماء، أو نحظى بحمام تحت الدش.
يا إلهي، كم تغيّرت حياتنا! في مثل هذا الوقت من كل عام، لم أكن أغادر البيت إلا للضرورة القصوى، وبرفقة السيارة كنت أشغّل المكيّف منذ الانطلاق وحتى العودة، ورغم ذلك كنت أشعر بالإرهاق. في البيت، كنت أعمل في المطبخ والمروحة تدور طوال النهار بفضل الطاقة الشمسية، وفي غرفتي مروحة بطارية وأخرى في السقف، وغالبًا أشغّلهما معًا.
اليوم، في الخيام، منذ السابعة صباحًا لا يقدر أحد على البقاء بداخل الخيمة، تبلغ المعاناة ذروتها بين الحادية عشرة ظهرًا والرابعة عصرًا. الكل يتصبب عرقًا ويتوق لشربة ماء بارد، لكن الماء يزداد سخونة كلما اشتد الحر.
سألني أحد الصغار: "عمتو وين المي؟"
أجبته: "هناك، في غرفة الفرن" — أقصد مخزنًا صغيرًا نضع فيه حاجياتنا، حيث تزداد الأشياء لهيبًا.
هي مأساة نعيشها وجوه شاحبة داكنة، وأجساد مثقلة بالطفح الجلدي، واستهلاك مضاعف للماء في ظل قلّته. كانت أمي رحمها الله تقول: "آب اللهاب هازم الشيب والشباب"، وكان أبي يردد: "في آب اقطف العنب ولا تهاب".
لكن آب اليوم لم يعد كما كان؛ صار غولًا ينهش ما تبقى من صبرنا، يتآمر مع الطائرات الحربية التي تجوب السماء ليل نهار، فتقذف حممها على أجسادنا المحترقة من شدة الحر، لتتركها متفحمة بلا حياة.
نتسلل من ركن إلى آخر بحثًا عن الظل، وحين نعثر عليه نجلس تحته متلاصقين كسرب نحلٍ أنهكه الطواف. من خلف الخيمة، سألتني زوجة أخي أكثر من مرة:
– عندكم هواء؟
فأجبتها ضاحكة بمرارة: نحن تمامًا كقطعة بوظة تُركت في منتصف النهار تحت شمس آب، نذوب موتًا وعرقًا، فيما يعلو في الخلفية صوت قصف يتبعه صفير سيارات الإسعاف.
الأطفال يبكون، أجسادهم تغطيها حبوب حمراء منتفخة، يهرشونها بأصابعهم حتى تسيل دماؤهم. أمهم تحمل قطعة شاش ملطخة باليود الطبي، تمسح بها جراحهم فيصرخون ويهربون منها. عمر ذو الثلاث سنوات، يصعد على كرسي ليغرف الماء من البرميل، يطلب من أمه أن تحمّمه للمرة الثانية، ولن تكون الأخيرة. الأطفال تعودوا على الاستحمام بالماء البارد دون تذمر، يسكبون إبريقًا كاملاً على أجسادهم دفعة واحدة.
وبعضهم يكتفي بجالون ماء يُترك عشر دقائق تحت الشمس ليصبح ساخنًا، أما نحن فنتوضأ بأقل القليل، ونعيد استخدام الماء لأكثر من غرض حفاظًا على ما تبقى. أصبح منتهى أمانينا أن نفتح صنبور ماء، أو نحظى بحمام تحت الدش.
يا إلهي، كم تغيّرت حياتنا! في مثل هذا الوقت من كل عام، لم أكن أغادر البيت إلا للضرورة القصوى، وبرفقة السيارة كنت أشغّل المكيّف منذ الانطلاق وحتى العودة، ورغم ذلك كنت أشعر بالإرهاق. في البيت، كنت أعمل في المطبخ والمروحة تدور طوال النهار بفضل الطاقة الشمسية، وفي غرفتي مروحة بطارية وأخرى في السقف، وغالبًا أشغّلهما معًا.
اليوم، في الخيام، منذ السابعة صباحًا لا يقدر أحد على البقاء بداخل الخيمة، تبلغ المعاناة ذروتها بين الحادية عشرة ظهرًا والرابعة عصرًا. الكل يتصبب عرقًا ويتوق لشربة ماء بارد، لكن الماء يزداد سخونة كلما اشتد الحر.
سألني أحد الصغار: "عمتو وين المي؟"
أجبته: "هناك، في غرفة الفرن" — أقصد مخزنًا صغيرًا نضع فيه حاجياتنا، حيث تزداد الأشياء لهيبًا.
هي مأساة نعيشها وجوه شاحبة داكنة، وأجساد مثقلة بالطفح الجلدي، واستهلاك مضاعف للماء في ظل قلّته. كانت أمي رحمها الله تقول: "آب اللهاب هازم الشيب والشباب"، وكان أبي يردد: "في آب اقطف العنب ولا تهاب".
لكن آب اليوم لم يعد كما كان؛ صار غولًا ينهش ما تبقى من صبرنا، يتآمر مع الطائرات الحربية التي تجوب السماء ليل نهار، فتقذف حممها على أجسادنا المحترقة من شدة الحر، لتتركها متفحمة بلا حياة.