زياد سيبقى ايقونة لبنانية

بي دي ان |

28 يوليو 2025 الساعة 12:36ص

الكاتب
ترجل زياد عاصي الرحباني، أول أمس السبت الموافق 26 تموز / يوليو عن عمر ناهز ال69 عاما، الذي يعتبر من أهم الفنانين والملحنين والمسرحيين في لبنان، كونه شكل مدرسة خاصة به في حقول الفن المذكورة، وكان نسيج ذاته، وتميز بسمات إبداعية فريدة في المسرح والموسيقى، حتى تجاوز والده عاصي وعمه منصور، المعروفان بالأخوين رحباني، وتفوق عليهما في انتاجه الموسيقي الخاص، وشب عن الطوق الرحباني الكلاسيكي. كما انه برز من خلال المسرحيات الناقدة للواقع اللبناني والعربي عموما بأسلوب فكاهي ساخر.
بدأ زياد الرحباني نجل الفنانة اللبنانية العربية العظيمة فيروز مشواره الفني باكرا جدا، ووضع بصمته الفنية وهو في سن ال17 من عمره، عندما قام بتلحين أغنية "سألوني الناس" لوالدته فيروز عام 1973، إثر تعرض والده لوعكة صحية منعته من متابعة العمل في العام نفسه. كما كتب وأخرج أولى مسرحياته بعنوان "سهرية"، التي شكلت انطلاقة مشروعه المسرحي الذي اتسم بلغة مباشرة ونقد سياسي واجتماعي بعيدا عن الغموض والالتباس، أو اللجوء لأسلوب الغمز والهمس والالتفاف على تسمية الأشياء بمسمياتها.
قدم الفنان القدير زياد عددا من المسرحيات التي ضجت بها الساحة، ولاقت رواجا واسعا، وحضورا ملفتا في الأوساط الفنية والشعبية اللبنانية والعربية، من أهمها: "نزل السرور"، "بالنسبة لبكرا شو؟"، و"فليم أميركي طويل"، و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد"، و"شي فاشل"، وتميزت اعماله باعتماد اللهجة العامية اللبنانية، وركزت على الحرب الاهلية في لبنان وتداعياتها، والطائفية واخطارها، والفساد السياسي والاجتماعي والمالي، وعالج هموم الناس البسطاء اليومية بأسلوبه النقدي الساخر.
وعلى الصعيد الموسيقي، أنتج أعمالا موسيقية إبداعية شكلت هويته الفريدة، حيث مزج فيها بين الجاز والموسيقى الشرقية وصاغ موسيقى عدد من الالبومات، أبرزها "أبو علي"، "إلى عَندما"، و"ولا كلمة"، كما لحن وأنتج أغنيات لعدد من الفنانين، منهم جوليا بطرس وماجدة الرومي وأميمة خليل، فضلا عن الأعمال التي جمعت بينه وبين والدته الفنانة فيروز.
ومنذ سطوع نجمه الفني في سبعينيات القرن الماضي، وهو يمثل حالة فنية عبقرية ملتزمة بهموم الشعب اللبناني الوطنية والقومية والإنسانية ، ومسكون بقضايا الامة العربية وخاصة القضية الفلسطينية، حيث مزج في اعماله بين الموسيقى والمسرح والكتابة السياسية، وترك بصمة خاصة به، تركت أثرا هاما وواسعا بين الأجيال المتعاقبة من الجمهور اللبناني والعربي. والفنان زياد المجدد لمدرسة الرحابنة الإباء كان يساري الانتماء وعضو الحزب الشيوعي اللبناني، لذا وقف بصلابة ضد نظام المحاصصة الطائفي اللبناني، ودعا لنظام المواطنة والمساواة.
الراحل الكبير والفنان القدير زياد الرحباني، رغم غيابه النسبي في السنوات الأخيرة لظروف ذاتية وموضوعية، كان وسيبقى أحد أعمدة الفن المسرحي والموسيقي اللبناني والعربي، حيث شكل ايقونة استثنائية في حقول الفن التي ابدع فيها، وأعطى أهم ما لديه، وقدم نفسه بعيدا عن إرث عائلته الفنية المتميزة، غير أنه تميز عن تميزهم، وشكل ركيزة من ركائز الفن اللبناني، ولعل ما ميز الراحل الكبير زياد التصاقه غير العادي بالمسألتين اللبنانية والفلسطينية، وبقي مهموما بالهم العربي العام، لذا انتهج أسلوبه الخاص في المسرح والموسيقى والكتابة السياسية النقدية والساخرة، ولكن الهادفة وحاملة رسالة الالتزام العميق بقضايا وهموم الشعب والمستقبل، وحارب بلا هوادة ودون تردد حالة التردي والتمزق العربية، ولم يجامل او يداهن قائدا او نظاما، وكان مؤيدا قويا لكل اشكال المقاومة ومدافعا صادقا عن حرية الانسان وكرامته، وظل حتى آخر يوم في حياته، رغم المرض والاوجاع مسكونا بقضايا الناس.
رحل الفنان القدير زياد الرحباني تاركا إرثا مسرحيا وموسيقيا عظيما للأجيال القادمة، وسيبقى خالدا في سجل الخالدين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب عموما، لروحه ألف سلام. كان رثاء زياد واجبا ضروريا لي شخصيا ولكل انسان ملتزم بقضايا شعبه وامته العربية، رغم وحشية الإبادة الجماعية التي يعيشها شعبنا العظيم في فلسطين كل فلسطين وخاصة في قطاع غزة المنكوب بالاستعمار النازي الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية التي قادت وتقود حتى اللحظة الإبادة والكارثة والنكبة الأخطر على مستقبل القضية الوطنية والقومية.
سنفتقد زياد الرحباني وفنه وابداعه وصرخته التي حاكت وتحاكي الام الشعب والشعب الفلسطيني وشعوب الامة العربية كل يوم، ومع ذلك لن نقول وداعا زياد الرحباني، ولكن سلاما والف سلام لروحك الطاهرة.
[email protected]
[email protected]