مدلولات التحركات الدولية ضد تجويع غزة: هل يسقط إدخال الغذاء من الجو مسؤولية الاحتلال؟

بي دي ان |

27 يوليو 2025 الساعة 09:11م

الكاتب
ضمن سلسلة التحليلات السياسية والقانونية

تتصاعد التحركات الشعبية والحقوقية في مختلف دول العالم للمطالبة بوقف سياسة التجويع الممنهج التي تتبعها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة، في وقت تتجه فيه منظمات دولية نحو إعلان "يوم غضب عالمي ضد تجويع غزة"، احتجاجاً على استمرار الحصار وانهيار الأوضاع الإنسانية.

هذه التحركات، التي تأتي بعد عشرة أشهر من الحرب الشرسة، تعكس تنامي الإدراك الدولي بأن ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة مكتملة الأركان ترتكبها قوة احتلال في خرق صريح للقانون الدولي الإنساني.

التجويع سلاح حرب ممنوع دولياً

وفقاً للمرجعيات القانونية الدولية، فإن استخدام التجويع كسلاح حرب محظور بشكل قاطع:

المادة (54) من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف تحظر مهاجمة أو تدمير المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين.

المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعتبر تجويع المدنيين جريمة حرب.

قرار مجلس الأمن رقم 2417 (2018) يدين استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب ويدعو لمحاسبة مرتكبيه.

ما تقوم به إسرائيل من منع دخول الغذاء والدواء، وتقييد المساعدات، وتدمير سلاسل التوريد، لا يمكن وصفه إلا بأنه سلوك ممنهج لفرض التجويع كوسيلة ضغط عسكرية وسياسية.

إدخال الغذاء من الجو: إقرار بالجريمة وليس تبرئة

في مواجهة الضغوط الدولية المتصاعدة، سمحت إسرائيل مؤخرًا بإدخال بعض المواد الغذائية عبر الجو أو معابر محدودة. ورغم أن هذا الإجراء شكّل متنفسًا محدودًا للمدنيين، إلا أن الخطوة لا تُعفي إسرائيل من مسؤوليتها القانونية.

بل على العكس، فإن القانون الدولي يؤكد أن:

القيام بخطوة إنسانية تحت الضغط لا يُسقط الجريمة السابقة.

أي مساعدات لاحقة لا تلغي النية الجنائية المبيتة باستخدام التجويع كسلاح.

وقد نص قرار مجلس الأمن 2417 بشكل صريح على أن إدخال الغذاء لا يُبرر الحصار السابق ولا يُزيل آثاره القانونية.

بل إن قيام الاحتلال بذلك يُعد إقراراً ضمنياً بأنه كان يملك القدرة على السماح بدخول المساعدات لكنه اختار منعها، مما يُعزز من عناصر الجريمة لا يُضعفها.

تحرك عالمي ويوم غضب مرتقب

تسعى منظمات حقوقية، بالتعاون مع ناشطين ومؤسسات دولية، إلى تنظيم يوم غضب عالمي لفضح جريمة التجويع، والضغط على الحكومات والمؤسسات الأممية لاتخاذ خطوات عاجلة:

دعوات لفتح ممرات إنسانية دائمة وآمنة بعيدًا عن إرادة الاحتلال.

مطالبة بإحالة ملف التجويع إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتباره جريمة حرب.

حملات مقاطعة وتوثيق ميداني مستمر لتعزيز الضغط الحقوقي والإعلامي.

ويأتي هذا التحرك بالتزامن مع جهود قانونية لتفعيل مبدأ "مسؤولية الحماية" الذي يلزم المجتمع الدولي بالتدخل لحماية المدنيين عندما تفشل السلطات المحلية، أو عندما تكون هي مصدر التهديد، كما هو حال إسرائيل بصفتها قوة احتلال.

هل يسقط الصمت الدولي الحُجّة الأخلاقية للمنظومة الأممية؟

إن استمرار الصمت الدولي أمام مشاهد الجوع والأمراض وانعدام الماء والغذاء في غزة، يقوّض مصداقية القانون الدولي بأسره. فكيف لمجتمع دولي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن يتجاهل صور الأطفال الذين يموتون جوعًا كل يوم؟

إن المساءلة القانونية والسياسية ضرورة أخلاقية قبل أن تكون التزامًا قانونيًا. وإذا لم يتم التعامل مع ما يجري في غزة كجريمة ضد الإنسانية، فإن ما تبقى من منظومة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن سيكون مجرد أدوات شكلية بلا أثر حقيقي.

توصيات ومواقف مطلوبة

محاسبة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية عن جريمة التجويع.

دعم جهود يوم الغضب العالمي شعبيًا ورسميًا.

التحرك العاجل عربيًا وإسلاميًا من خلال مؤسسات كمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.

مطالبة المفوض السامي لحقوق الإنسان بزيارة قطاع غزة فورًا لتوثيق الواقع الإنساني والانتهاكات.
وحقيقة القول ما يحدث في غزة اليوم من تجويع وقتل صامت، ليس مجرد كارثة إنسانية، بل جريمة حرب تُرتكب على الهواء مباشرة. وإن إدخال الغذاء من الجو لا يُبرئ الاحتلال، بل يثبت أنه استخدم الجوع كسلاح سياسي.

لقد آن الأوان للعالم أن ينتفض... لا من أجل غزة فقط، بل من أجل الإنسانية وكرامة القانون الدولي الذي يتعرض اليوم لأقسى اختباراته.

• رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة