المرأة بين وعي الواقع ولاوعي السلطة الذكورية
بي دي ان |
21 يوليو 2025 الساعة 08:29ص

لا يمكن الحديث عن تحرر الإنسان، دون أن نتوقف أمام المسألة الأعمق والأشد رسوخًا في تاريخ الهيمنة: النظرة الدونية للمرأة في اللاوعي الذكوري. هي ليست فكرة عابرة، ولا موقفًا وليد اللحظة، بل هي منظومة متكاملة من المفاهيم والمقولات المتوارثة التي تشكّل بنية وعي الرجل منذ طفولته، وتتحول إلى جزء أصيل من إدراكه للعالم ولمكانة المرأة فيه.
من داخل سجني، كتبت هذا النص، لا لأجل البوح أو التنفيس، بل لأضع بين أيدي القارئ العربي ورقة بحثية تحاول تفكيك بنية هذا الخطاب الذكوري الذي تسلل إلى الدين، والعرف، والتاريخ، وحتى إلى اللغة ذاتها. وقد انطلقت من حادثة واقعية هزتني: مقتل الشابة لبنى وليد منصور على يد زوجها لأنها طالبت بالطلاق. لم تكن جريمة عابرة، بل مرآة لما يختزنه العقل الذكوري من احتقار دفين للمرأة، وإنْ تزيّن بأقنعة الشرف أو الحب أو الدين.
من عشتار إلى الشريعة: انقلاب السلطة
تاريخ البشرية، كما تكشف الأساطير القديمة، لم يكن دائمًا ذكوريًا. في بداية التكوين، كانت المرأة إلهة تُعبد، رمزًا للخصب والقوة والعطاء. آلهات مثل عشتار وإيزيس ومامي مثّلن المركز في الوعي الكوني. لكن هذا التوازن انقلب مع ظهور أنظمة الهيمنة الذكورية، فجرى القضاء على الإلهة الأنثى واستبدالها بإله ذكر، وتحولت المرأة من مركز للكون إلى هامش في الحكاية.
الأديان والمرأة: بين النص والتأويل
استعرضت في بحثي موقف الديانات السماوية الثلاث من المرأة، وخلصت إلى أن النصوص المقدسة –وخصوصًا في الإسلام– أعطت المرأة حقها الكامل في الإنسانية والتكليف والحقوق. لكن الذي حصل لاحقًا هو عملية مأسسة ذكورية للدين، أعادت إنتاج النصوص والتأويلات بما يرسّخ سلطة الرجل ويقمع المرأة، حتى أصبح الحديث عن حقوقها يُصنَّف تهديدًا “للثوابت”.
في اليهودية، وُصمت المرأة بالخطيئة والنجاسة. في المسيحية، حاول المسيح رفع مكانتها لكن الكنيسة أعادتها إلى موقع الخضوع. وفي الإسلام، جاءت الشريعة منصفة، لكن سيطرة الفقه الذكوري حرفت البوصلة. حتى عائشة أم المؤمنين وجدت نفسها تدافع عن النساء ضد أحاديث مختلقة على لسان النبي.
اللاوعي الذكوري: الخطر المستتر
الخطير في المسألة ليس ما يقوله الرجل عن المرأة علنًا، بل ما يخزنه في لاوعيه عنها. فاللاوعي الذكوري، كما وضّحت باستخدام مفاهيم فرويد ويونغ، يُنتج سلوكًا تلقائيًا يرى في المرأة كائنًا ناقصًا، خطيرًا، أو تابعًا. هذه الرؤية، وإنْ أنكرتها الألسنة، تحكم التصرفات وتبرر العنف.
حين تطالب امرأة بحقها في الطلاق، أو في أن تُعامَل ككائن مستقل، يتعامل الرجل معها كمن يهدد “المنظومة”. في اللاوعي، هي كائن يجب ترويضه، لا احترامه. وإذا تمردت، كان الرد عنيفًا، كما حدث مع لبنى. إنها تموت لأنها خرجت عن “نص الذكورة”، لا عن نص الدين.
باشتم ولبنى: من يعرف المصير؟
طرحت في دراستي مقارنة رمزية بين “باشتم” البابلية، التي عاشت في عصر قانون حمورابي وعرفت أنها ستُغرَق إن طلبت الطلاق، و”لبنى” التي قتلتها الذكورة باسم الشرف في زمن ادّعى الحداثة. المفارقة القاسية أن باشتم كانت تعلم مصيرها، أما لبنى فقتلتها مفاجأة الوحش المستتر في لاوعي المجتمع.
ختامًا: ليست معركة نسوية، بل معركة وعي
ما أدعو إليه ليس حربًا على الرجل، ولا تبنّيًا أعمى لخطاب “التمركز حول الأنثى” كما تفعل بعض الحركات النسوية الغربية التي وقعت في فخ الصراع والنفي المتبادل. بل أدعو إلى إعادة إنتاج الوعي، وقراءة الدين والتاريخ بعين الإنسان لا بعين الذكر.
على الرجل أن يتحرر من ذكورته الزائفة كما على المرأة أن تتحرر من خوفها. علينا أن نرى بعضنا شركاء لا خصومًا، أرواحًا متساوية لا كائنات وظيفية. أما الحضارة التي لا تحفظ كرامة المرأة، فهي حضارة ساقطة مهما ادّعت الحداثة.
من داخل سجني، كتبت هذا النص، لا لأجل البوح أو التنفيس، بل لأضع بين أيدي القارئ العربي ورقة بحثية تحاول تفكيك بنية هذا الخطاب الذكوري الذي تسلل إلى الدين، والعرف، والتاريخ، وحتى إلى اللغة ذاتها. وقد انطلقت من حادثة واقعية هزتني: مقتل الشابة لبنى وليد منصور على يد زوجها لأنها طالبت بالطلاق. لم تكن جريمة عابرة، بل مرآة لما يختزنه العقل الذكوري من احتقار دفين للمرأة، وإنْ تزيّن بأقنعة الشرف أو الحب أو الدين.
من عشتار إلى الشريعة: انقلاب السلطة
تاريخ البشرية، كما تكشف الأساطير القديمة، لم يكن دائمًا ذكوريًا. في بداية التكوين، كانت المرأة إلهة تُعبد، رمزًا للخصب والقوة والعطاء. آلهات مثل عشتار وإيزيس ومامي مثّلن المركز في الوعي الكوني. لكن هذا التوازن انقلب مع ظهور أنظمة الهيمنة الذكورية، فجرى القضاء على الإلهة الأنثى واستبدالها بإله ذكر، وتحولت المرأة من مركز للكون إلى هامش في الحكاية.
الأديان والمرأة: بين النص والتأويل
استعرضت في بحثي موقف الديانات السماوية الثلاث من المرأة، وخلصت إلى أن النصوص المقدسة –وخصوصًا في الإسلام– أعطت المرأة حقها الكامل في الإنسانية والتكليف والحقوق. لكن الذي حصل لاحقًا هو عملية مأسسة ذكورية للدين، أعادت إنتاج النصوص والتأويلات بما يرسّخ سلطة الرجل ويقمع المرأة، حتى أصبح الحديث عن حقوقها يُصنَّف تهديدًا “للثوابت”.
في اليهودية، وُصمت المرأة بالخطيئة والنجاسة. في المسيحية، حاول المسيح رفع مكانتها لكن الكنيسة أعادتها إلى موقع الخضوع. وفي الإسلام، جاءت الشريعة منصفة، لكن سيطرة الفقه الذكوري حرفت البوصلة. حتى عائشة أم المؤمنين وجدت نفسها تدافع عن النساء ضد أحاديث مختلقة على لسان النبي.
اللاوعي الذكوري: الخطر المستتر
الخطير في المسألة ليس ما يقوله الرجل عن المرأة علنًا، بل ما يخزنه في لاوعيه عنها. فاللاوعي الذكوري، كما وضّحت باستخدام مفاهيم فرويد ويونغ، يُنتج سلوكًا تلقائيًا يرى في المرأة كائنًا ناقصًا، خطيرًا، أو تابعًا. هذه الرؤية، وإنْ أنكرتها الألسنة، تحكم التصرفات وتبرر العنف.
حين تطالب امرأة بحقها في الطلاق، أو في أن تُعامَل ككائن مستقل، يتعامل الرجل معها كمن يهدد “المنظومة”. في اللاوعي، هي كائن يجب ترويضه، لا احترامه. وإذا تمردت، كان الرد عنيفًا، كما حدث مع لبنى. إنها تموت لأنها خرجت عن “نص الذكورة”، لا عن نص الدين.
باشتم ولبنى: من يعرف المصير؟
طرحت في دراستي مقارنة رمزية بين “باشتم” البابلية، التي عاشت في عصر قانون حمورابي وعرفت أنها ستُغرَق إن طلبت الطلاق، و”لبنى” التي قتلتها الذكورة باسم الشرف في زمن ادّعى الحداثة. المفارقة القاسية أن باشتم كانت تعلم مصيرها، أما لبنى فقتلتها مفاجأة الوحش المستتر في لاوعي المجتمع.
ختامًا: ليست معركة نسوية، بل معركة وعي
ما أدعو إليه ليس حربًا على الرجل، ولا تبنّيًا أعمى لخطاب “التمركز حول الأنثى” كما تفعل بعض الحركات النسوية الغربية التي وقعت في فخ الصراع والنفي المتبادل. بل أدعو إلى إعادة إنتاج الوعي، وقراءة الدين والتاريخ بعين الإنسان لا بعين الذكر.
على الرجل أن يتحرر من ذكورته الزائفة كما على المرأة أن تتحرر من خوفها. علينا أن نرى بعضنا شركاء لا خصومًا، أرواحًا متساوية لا كائنات وظيفية. أما الحضارة التي لا تحفظ كرامة المرأة، فهي حضارة ساقطة مهما ادّعت الحداثة.