الاندفاع العاطفي ومخاطره على أمن وسلامة المجتمع: قراءة تحليلية معمقة

بي دي ان |

15 يوليو 2025 الساعة 04:21م

الكاتب
في ظل الأزمات المتلاحقة والتوترات المتصاعدة التي تشهدها منطقتنا، تبرز ظاهرة خطيرة بدأت تتغلغل في نسيجنا المجتمعي وهي الاندفاع العاطفي والانجرار وراء الشعارات الرنانة، التي قد تبدو في ظاهرها نبيلة، لكنها تحمل في طياتها مخاطر جسيمة على أمن وسلامة المواطنين، واستقرار المجتمع ككل.

لقد علّمتنا التجارب أن التحركات والقرارات التي تنطلق من مشاعر انفعالية غير محسوبة تقود في كثير من الأحيان إلى نتائج عكسية، وربما كارثية. ففي لحظات الغضب والاحتقان، يغيب صوت العقل، ويحل محله خطاب تعبوي يستغل العواطف لتحقيق أجندات خفية لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية العليا. هذه الظاهرة لا تهدد فقط حالة السلم الأهلي، بل تفتح الباب واسعًا أمام الفوضى، والتدخلات الخارجية، ومحاولات تفتيت وحدة المجتمع.

بين العاطفة والعقل: مفترق طرق خطير

إن الخطورة تكمن في أن الأفراد والجماعات التي تندفع وراء هذه المسميات لا تدرك حجم التداعيات المترتبة على تصرفاتها، ولا ترى سوى البعد اللحظي للأحداث. وهنا يصبح المجتمع بأسره رهينة لقرارات عشوائية وممارسات قد توفر الذرائع لقوى معادية تتربص بأمنه واستقراره.

إن العاطفة، رغم أهميتها كدافع إنساني نبيل، يجب ألا تتحول إلى أداة يستغلها أصحاب الأجندات الضيقة أو القوى الخارجية لإثارة الفتن الداخلية وتمزيق النسيج الاجتماعي.

مسؤولية جماعية لمواجهة المخاطر

أمام هذا الواقع، تقع المسؤولية على عاتق الجميع – مؤسسات الدولة، والنخب السياسية والفكرية، والقيادات المجتمعية – للتحرك العاجل في اتجاهين:

1. تعزيز ثقافة الوعي لدى المواطنين، من خلال برامج إعلامية وتربوية تبرز خطورة الانجرار وراء العواطف، وأهمية تغليب لغة العقل والحوار المسؤول.

2. رصد وتفكيك الخطابات التحريضية التي تعتمد على استثارة المشاعر، وكشف الأهداف الحقيقية الكامنة وراءها.

إن دور وسائل الإعلام هنا بالغ الأهمية، فهي القادرة على توجيه الرأي العام نحو التفكير النقدي، وكشف زيف المسميات والشعارات التي يُراد بها باطل. كما أن مؤسسات الدولة مطالبة بمزيد من الانفتاح على هموم الناس، وتوفير قنوات للتعبير الآمن عن آرائهم، ما يقلل من فرص استغلال احتقانهم من أطراف مشبوهة.

نحو استراتيجية وطنية للوعي المجتمعي

يتطلب الحفاظ على السلم الأهلي إطلاق استراتيجية وطنية شاملة لتعزيز الوعي المجتمعي، تشمل:

بناء شراكات مع المؤسسات التعليمية والدينية لنشر ثقافة المسؤولية الوطنية.

إنشاء منصات رقمية للتوعية بمخاطر الشائعات والانجرار وراء الحملات العاطفية.

إشراك الشباب في حوارات مجتمعية هادفة لتعزيز انتمائهم الوطني وإبعادهم عن مسارات الانفعال غير المدروس.

ان الحكمة أساس الصمود

إن المرحلة التي نمر بها دقيقة وحساسة، وتستدعي منا جميعًا أن نتحلى بأعلى درجات الحكمة والوعي. فالحفاظ على مجتمعنا وحماية أبنائنا من الفوضى والانهيار هو واجب وطني وأخلاقي، لا يتحقق إلا بتكاتف الجهود لوقف أي اندفاع عاطفي قد يُستغل للنيل من وحدتنا واستقرارنا.