الانفجار الكبير: إيران والاحتلال الصِّهيو-أمريكي في خريطة ترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد
بي دي ان |
19 يونيو 2025 الساعة 06:09م

منذ الساعات الأولى للثالث عشر من حزيران 2025، حيث شنت قوات الاحتلال الصِّهيو-أمريكي سلسلة من الضربات الجوية الواسعة النطاق وغير المسبوقة على أهداف داخل الأراضي الإيرانية شملت منشآت نووية، ومصانع صواريخ باليستية، وقواعد عسكرية، وعلماء نوويين؛ تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة فارقة ومتفجرة في تاريخها المعاصر، تتقاطع فيها الملفات الجيوسياسية الكبرى مع صراعات القوى العظمى، وتطفو على السطح ملامح خريطة جديدة تُعاد صياغتها تحت وقع النار والبارود.
فالضربات المتبادلة والمتصاعدة لم تعد مجرد تبادل ضربات أو صراع مصالح، بل باتت - في نظر الكتّاب والمحللين السياسيين والعسكريين - حرباً تأسيسية ستُغيّر معالم ميزان القوى الإقليمي والدولي لعقود قادمة.
ويأتي هذا "الانفجار الكبير" في ظل استمرار عدوان الاحتلال على شعبنا الفلسطيني بشكل عام، وعلى أهلنا في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية بشكل خاص، للشهر التاسع عشر على التوالي منذ السابع من أكتوبر 2023، بينما تتعاظم حالة الرفض الدولي لجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها قوات الاحتلال، مما يُضيف بُعداً أخلاقياً واستراتيجياً جديداً للمشهد برمّته.
الأهداف الحقيقية لعدوان الاحتلال على إيران:
باختصار، هذه الحرب تتجاوز معادلة الردع أو الدفاع، وتسعى من خلالها سلطات الاحتلال إلى تحطيم البرنامج النووي الإيراني أو إعاقته طويلاً من خلال استهداف بوابات مباني المفاعلات النووية، وإعادة هندسة الإقليم على قاعدة التطبيع القسري وفرض الاتفاقات الاستراتيجية المسماة "اتفاقات أبراهام"، وضرب محور المقاومة في أكثر نقاطه حيوية، بالإضافة إلى حرف الأنظار عن جرائمها المستمرة في فلسطين المحتلة لا سيما في غزة وشمال الضفة الغربية.
أما إيران، فإنها تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتثبيت مكانتها كقوة إقليمية قائدة لا يمكن تجاوزها، وردّ الاعتبار لحلفائها الذين تلقوا ضربات قاصمة، تهاوت على إثرها مواقعهم كأحجار الدومينو تباعاً بعد السابع من أكتوبر 2023.
الالتباس في المواقف الدولية: واشنطن أنموذجاً
من أبرز مظاهر اللحظة الراهنة تذبذب مواقف الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ففي تطور لافت، غادر الرئيس "ترامب" مبكراً اجتماع مجموعة السبع (G7) في كندا دون التوقيع على البيان الختامي المشترك لقادة المجموعة، في إشارة واضحة إلى وجود خلافات عميقة داخل المعسكر الغربي حول كيفية التعامل مع الأزمة الحالية.
وسرعان ما عاد ترامب إلى واشنطن، وطلب من مجلس الأمن القومي البقاء في حالة تأهّب في غرفة العمليات. وفي وقت لاحق، دعا ترامب، في منشور على منصة "تروث سوشيال"، سكان العاصمة الإيرانية طهران إلى مغادرتها فوراً، دون أي توضيحات إضافية، مما فتح الباب واسعاً أمام التحليلات التي ترجّح انخراطاً مباشراً أو غير مباشر للولايات المتحدة في مسار الحرب.
هذا التناقض السياسي الأمريكي يعكس حالة الارتباك الاستراتيجي التي تعيشها واشنطن منذ أن فقدت السيطرة على مخرجات الحرب الروسية-الأوكرانية، وتراجعت قدرتها على الردع في المسرح الآسيوي لصالح الصين.
وبقي موقفها يتراوح بين الدعم غير المباشر للاحتلال، وبين الخشية من التورط في حرب إقليمية شاملة قد تقوّض ما تبقّى من هيبتها العالمية.
إيران وأحجار الدومينو:
منذ السابع من أكتوبر 2023، تلقت أذرع إيران، التي اعتمدت سابقاً استراتيجية "وحدة الساحات" ثم انتقلت إلى استراتيجية "الاقتراب المجزأ"، ضربات غير مسبوقة من قبل قوات الاحتلال وتتهاوت كأحجار الدومينو: ففي قطاع غزة: استنزاف يومي طال البنية التحتية والبشرية، وارتُكبت جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، وبلغ عدد الشهداء والجرحى والمعوقين والمعتقلين أكثر من 250 ألفاً، بينما في لبنان: تلقّى حزب الله ضربات متتالية عبر استخدام الذكاء الاصطناعي (تفجيرات البياجر)، أفضت إلى اغتيال معظم قياداته، وعلى رأسهم الأمين العام الشيخ حسن نصر الله في غارة جوية كبيرة، أما في العراق: تصاعدت ضربات الاحتلال الصِّهيو-أمريكي ضد الحشد الشعبي والقواعد الإيرانية، وفي سوريا، أسفر الضربات الجوية عن انهيار المنظومة الأمنية للنظام/ وتفككه التدريجي وصولاً على انهياره التام.
هكذا، تهاوت أذرع إيران تباعاً، باستثناء الحوثيين في اليمن، مما دفع طهران إلى الانتقال من استراتيجية الحرب بالوكالة إلى الانخراط المباشر، وهو تطور ينذر بانفجار شامل في المنطقة.
الحرب إلى أين؟
تشير المؤشرات الحالية إلى أربعة سيناريوهات محتملة:
1. سيناريو حرب محدودة الطول والمكان: تستهدف أهدافاً داخل إيران أو قواعد ميليشيوية، دون توسع إقليمي كبير.
2. سيناريو حرب إقليمية شاملة: تشمل إيران وأذرعها، خصوصاً اليمن، مع استمرار التصعيد العسكري المتبادل.
3. سيناريو الانهيار الداخلي في إيران: عبر ضربات استباقية كبرى تؤدي إلى فوضى داخلية، ومحاولة تقويض النظام لصالح نظام ملكي أو معارض أكثر ولاءً للغرب.
4. سيناريو تسوية دولية مفروضة: عبر تدخل من الأمم المتحدة تقوده واشنطن وحلفاؤها، لإعادة توزيع النفوذ في المنطقة.
ورغم صعوبة ترجيح أي من السيناريوهات أعلاه، إلا أن سيناريو الحرب الإقليمية الشاملة هو الأكثر واقعية، خاصة مع تصاعد الردود العسكرية واستمرار الاستنزاف المتبادل.
ما قبل الحرب ليس كما بعدها.
حرب تأسيسية:
من خلال ما سبق، نستنتج أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب لحظة تاريخية تأسيسية جديدة تنبئ بولادة نظام إقليمي مختلف، لا يشبه ما كان قبل 13 حزيران 2025؛ لأن التهديد الحقيقي لا يكمن حصره في اتساع رقعة المواجهة، بل في إمكانية تحوّل هذه الحرب إلى صراع شامل يستنزف قدرات وموارد المنطقة، ويُعيد تركيب التحالفات الدولية بشكل قد يُفضي إلى سقوط أنظمة أو اندلاع حروب أهلية، تكون نتيجتها تفتيت المُفتّت وتقسيم المُقسّم على أسس طائفية وإثنية وعرقية، ومن ثم اخضاع المنطقة، وإنفاذ المشروع الصهيوني الأوسع: "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ومن أبو ظبي إلى طنجة". ضمن إطار ما يُعرف بالولايات المتحدة الإبراهيمية، باختصار نحن أمام ثلاث سيناريوهات هي :
• في حال حقّقت سلطات الاحتلال نصراً، فإنّ ذلك يعني بداية عصر صِّهيو-أمريكي جديد وهيمنة مطلقة على المنطقة، بدعم مباشر من القوى الكبرى ومُلّاك المشروع الصهيوني، خاصة الولايات المتحدة.
• إذا فشلت في تحقيق النصر، فسنكون أمام العدّ العكسي للمشروع الاستعماري الصهيوني، بفعل العجز عن حسم الصراع في فلسطين المحتلة، والعجز عن توظيف الإنجازات الاستخباراتية والعسكرية في غزة ولبنان وإيران.
• في حال تحقيق نوع من التوازن، فذلك يعني أن التغيير قادم، لكن بوتيرة بطيئة، ويحتاج إلى المزيد من التحولات الكبرى حتى يُعاد رسم خارطة الشرق الأوسط الجديدة.
فالضربات المتبادلة والمتصاعدة لم تعد مجرد تبادل ضربات أو صراع مصالح، بل باتت - في نظر الكتّاب والمحللين السياسيين والعسكريين - حرباً تأسيسية ستُغيّر معالم ميزان القوى الإقليمي والدولي لعقود قادمة.
ويأتي هذا "الانفجار الكبير" في ظل استمرار عدوان الاحتلال على شعبنا الفلسطيني بشكل عام، وعلى أهلنا في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية بشكل خاص، للشهر التاسع عشر على التوالي منذ السابع من أكتوبر 2023، بينما تتعاظم حالة الرفض الدولي لجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها قوات الاحتلال، مما يُضيف بُعداً أخلاقياً واستراتيجياً جديداً للمشهد برمّته.
الأهداف الحقيقية لعدوان الاحتلال على إيران:
باختصار، هذه الحرب تتجاوز معادلة الردع أو الدفاع، وتسعى من خلالها سلطات الاحتلال إلى تحطيم البرنامج النووي الإيراني أو إعاقته طويلاً من خلال استهداف بوابات مباني المفاعلات النووية، وإعادة هندسة الإقليم على قاعدة التطبيع القسري وفرض الاتفاقات الاستراتيجية المسماة "اتفاقات أبراهام"، وضرب محور المقاومة في أكثر نقاطه حيوية، بالإضافة إلى حرف الأنظار عن جرائمها المستمرة في فلسطين المحتلة لا سيما في غزة وشمال الضفة الغربية.
أما إيران، فإنها تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتثبيت مكانتها كقوة إقليمية قائدة لا يمكن تجاوزها، وردّ الاعتبار لحلفائها الذين تلقوا ضربات قاصمة، تهاوت على إثرها مواقعهم كأحجار الدومينو تباعاً بعد السابع من أكتوبر 2023.
الالتباس في المواقف الدولية: واشنطن أنموذجاً
من أبرز مظاهر اللحظة الراهنة تذبذب مواقف الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ففي تطور لافت، غادر الرئيس "ترامب" مبكراً اجتماع مجموعة السبع (G7) في كندا دون التوقيع على البيان الختامي المشترك لقادة المجموعة، في إشارة واضحة إلى وجود خلافات عميقة داخل المعسكر الغربي حول كيفية التعامل مع الأزمة الحالية.
وسرعان ما عاد ترامب إلى واشنطن، وطلب من مجلس الأمن القومي البقاء في حالة تأهّب في غرفة العمليات. وفي وقت لاحق، دعا ترامب، في منشور على منصة "تروث سوشيال"، سكان العاصمة الإيرانية طهران إلى مغادرتها فوراً، دون أي توضيحات إضافية، مما فتح الباب واسعاً أمام التحليلات التي ترجّح انخراطاً مباشراً أو غير مباشر للولايات المتحدة في مسار الحرب.
هذا التناقض السياسي الأمريكي يعكس حالة الارتباك الاستراتيجي التي تعيشها واشنطن منذ أن فقدت السيطرة على مخرجات الحرب الروسية-الأوكرانية، وتراجعت قدرتها على الردع في المسرح الآسيوي لصالح الصين.
وبقي موقفها يتراوح بين الدعم غير المباشر للاحتلال، وبين الخشية من التورط في حرب إقليمية شاملة قد تقوّض ما تبقّى من هيبتها العالمية.
إيران وأحجار الدومينو:
منذ السابع من أكتوبر 2023، تلقت أذرع إيران، التي اعتمدت سابقاً استراتيجية "وحدة الساحات" ثم انتقلت إلى استراتيجية "الاقتراب المجزأ"، ضربات غير مسبوقة من قبل قوات الاحتلال وتتهاوت كأحجار الدومينو: ففي قطاع غزة: استنزاف يومي طال البنية التحتية والبشرية، وارتُكبت جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، وبلغ عدد الشهداء والجرحى والمعوقين والمعتقلين أكثر من 250 ألفاً، بينما في لبنان: تلقّى حزب الله ضربات متتالية عبر استخدام الذكاء الاصطناعي (تفجيرات البياجر)، أفضت إلى اغتيال معظم قياداته، وعلى رأسهم الأمين العام الشيخ حسن نصر الله في غارة جوية كبيرة، أما في العراق: تصاعدت ضربات الاحتلال الصِّهيو-أمريكي ضد الحشد الشعبي والقواعد الإيرانية، وفي سوريا، أسفر الضربات الجوية عن انهيار المنظومة الأمنية للنظام/ وتفككه التدريجي وصولاً على انهياره التام.
هكذا، تهاوت أذرع إيران تباعاً، باستثناء الحوثيين في اليمن، مما دفع طهران إلى الانتقال من استراتيجية الحرب بالوكالة إلى الانخراط المباشر، وهو تطور ينذر بانفجار شامل في المنطقة.
الحرب إلى أين؟
تشير المؤشرات الحالية إلى أربعة سيناريوهات محتملة:
1. سيناريو حرب محدودة الطول والمكان: تستهدف أهدافاً داخل إيران أو قواعد ميليشيوية، دون توسع إقليمي كبير.
2. سيناريو حرب إقليمية شاملة: تشمل إيران وأذرعها، خصوصاً اليمن، مع استمرار التصعيد العسكري المتبادل.
3. سيناريو الانهيار الداخلي في إيران: عبر ضربات استباقية كبرى تؤدي إلى فوضى داخلية، ومحاولة تقويض النظام لصالح نظام ملكي أو معارض أكثر ولاءً للغرب.
4. سيناريو تسوية دولية مفروضة: عبر تدخل من الأمم المتحدة تقوده واشنطن وحلفاؤها، لإعادة توزيع النفوذ في المنطقة.
ورغم صعوبة ترجيح أي من السيناريوهات أعلاه، إلا أن سيناريو الحرب الإقليمية الشاملة هو الأكثر واقعية، خاصة مع تصاعد الردود العسكرية واستمرار الاستنزاف المتبادل.
ما قبل الحرب ليس كما بعدها.
حرب تأسيسية:
من خلال ما سبق، نستنتج أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب لحظة تاريخية تأسيسية جديدة تنبئ بولادة نظام إقليمي مختلف، لا يشبه ما كان قبل 13 حزيران 2025؛ لأن التهديد الحقيقي لا يكمن حصره في اتساع رقعة المواجهة، بل في إمكانية تحوّل هذه الحرب إلى صراع شامل يستنزف قدرات وموارد المنطقة، ويُعيد تركيب التحالفات الدولية بشكل قد يُفضي إلى سقوط أنظمة أو اندلاع حروب أهلية، تكون نتيجتها تفتيت المُفتّت وتقسيم المُقسّم على أسس طائفية وإثنية وعرقية، ومن ثم اخضاع المنطقة، وإنفاذ المشروع الصهيوني الأوسع: "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ومن أبو ظبي إلى طنجة". ضمن إطار ما يُعرف بالولايات المتحدة الإبراهيمية، باختصار نحن أمام ثلاث سيناريوهات هي :
• في حال حقّقت سلطات الاحتلال نصراً، فإنّ ذلك يعني بداية عصر صِّهيو-أمريكي جديد وهيمنة مطلقة على المنطقة، بدعم مباشر من القوى الكبرى ومُلّاك المشروع الصهيوني، خاصة الولايات المتحدة.
• إذا فشلت في تحقيق النصر، فسنكون أمام العدّ العكسي للمشروع الاستعماري الصهيوني، بفعل العجز عن حسم الصراع في فلسطين المحتلة، والعجز عن توظيف الإنجازات الاستخباراتية والعسكرية في غزة ولبنان وإيران.
• في حال تحقيق نوع من التوازن، فذلك يعني أن التغيير قادم، لكن بوتيرة بطيئة، ويحتاج إلى المزيد من التحولات الكبرى حتى يُعاد رسم خارطة الشرق الأوسط الجديدة.