مؤتمر نيويورك: الفرصة الأخيرة أم اختبار أخلاقي لإرادة العالم؟!
بي دي ان |
09 يونيو 2025 الساعة 08:53ص

في ظل العدوان الصِّهيو-أمريكي على شعبنا العربي الفلسطيني بشكل عام، وعلى قطاع غزة وشمال الضفة بشكل خاص، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وفي ظل تصاعد التوترات المحلية والإقليمية والدولية، تتبوأ باريس والرياض موقع القيادة في مؤتمر نيويورك المزمع عقده خلال الفترة من 15 – 17 حزيران / يونيو 2025 بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، والذي يمثل محاولة استراتيجية حاسمة لإجبار سلطات الاحتلال على الالتزام بمبدأ حل الدولتين، ويقود هذا التحالف الدولي جهوداً سياسية ودبلوماسية مكثفة، تهدف إلى كسر الانغلاق السياسي المزمن منذ تولي نتنياهو رئاسة حكومة الاحتلال في تسعينيات القرن الماضي، وتحويل حل الدولتين النظري إلى واقع ملموس على الأرض، مع التركيز على تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة خاصة المواد من 41- 43 المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، ويأتي هذا المؤتمر في وقت حرج، حيث تتداخل فيه المصالح المحلية والإقليمية والدولية، ما يجعل من قيادته المشتركة دلالة واضحة على التزام عالمي متجدد يهدف إلى إعادة رسم خارطة سياسية فلسطينية جديدة، عبر خطوات عملية تؤدي إلى تبريد الصراع ووصولاً إلى سلام دائم في منطقة الشرق الأوسط، وتعود دوافع انعقاد المؤتمر إلى :
1- استمرار سلطات الاحتلال في عدوانها على شعبنا، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، وفرض سياسة الأمر الواقع من خلال ضم وتهويد أراضي الضفة الغربية بما فيها العاصمة المحتلة القدس في مخالفة صريحة لقرارات المنتظم الدولي، وخاصة القرار رقم 2334 الصادر في 23 ديسمبر 2016، المتعلق بوضع نهاية للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
2- الفشل الدولي المتراكم في تطبيق قرارات المنتظم الدولي والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي وصل عددها إلى المئات، بالإضافة غياب آليات تنفيذ ملزمة نتيجة انحياز المُلَّاك للمشروع الصِّهيوني.
3- تصاعد الأصوات الشعبية، والرسمية، والبرلمانية الأوروبية، خاصة في فرنسا، وبريطانيا، وإيرلندا، وإسبانيا، الداعية للاعتراف بالدولة الفلسطينية كخطوة متقدمة لتصويب مسار حل سياسي متوازن للقضية الفلسطينية.
الأهداف السياسية والاستراتيجية للتحالف الفرنسي – السعودي:
يهدف تحالف باريس-الرياض إلى خلق زخم دولي جيد يضمن انتقال حل الدولتين من مرحلة التصور إلى مرحلة التطبيق العملي. ووضع آلية دولية مُلزمة لتنفيذ قرارات المنتظم الدولي ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وفق ميثاق الأمم المتحدة خاصة المادتين 24 و25 من الفصل السابع. كما يسعى التحالف إلى تهيئة البيئة الإقليمية لتبريد الصراع، وصولاً إلى سلام شامل ومستدام وبالتالي دعم الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، كما اشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حال عدم تراجع باريس ودول غربية أخرى، عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية نتيجة الضغط الصِّهيو-أمريكي كما اشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية يوم السبت الموافق 7/6/2025.
ويشمل التحالف تكثيف التنسيق السياسي والدبلوماسي بين دول مركزية مثل: فرنسا، الدولة الداعمة ظاهرياً لحل الدولتين؛ والسعودية، القوة الإقليمية الصاعدة؛ ومصر؛ قلب الأمة العربية النابض؛ والأردن، الدولة العربية الفاعلة في الإقليم؛ لبناء توافق دولي يجبر الاحتلال على تنفيذ حل الدولتين وفق قرارات المنتظم الدولي، وصولاً إلى تشكيل قاعدة حماية دولية للفلسطينيين مستندة إلى ميثاق الأمم المتحدة، بما يشمل تطبيق المواد 41-43 من الفصل السابع، في حال رفض التنفيذ من قبل الاحتلال.
فرص المؤتمر في رسم خارطة فلسطينية جديدة:
مؤتمر نيويورك ليس نهاية المسار، بل ربما يكون بدايته، وقد يشكل فرصه تاريخيه نادرة لإطلاق عملية دولية مُنظمة ترسم ملامح خارطة فلسطينية جدية تستند إلى الحدود المعترف بها دولياً، لقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في الرابع من حزيران 1967، والمتمثلة في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، بالاستناد إلى قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242، و 338، بالإضافة إلى الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية الناشئة كعضو كامل في الأمم المتحدة.
ومن شأن المؤتمر أن يشكل لجاناً لرسم الحدود والمراقبة الدولية تحت إشراف الأمم المتحدة لضمان التزام الاحتلال بالتنفيذ. وربما لا ينتج عنه تغيير فوري، لكنه على الأقل يُعطي صوتاً آخر في زمن صمت فيه العالم طويلاً عن هولوكوست العصر. ومن هذا المنطلق تطرح المبادرة الفرنسية السعودية إمكانية إعادة رسم خارطة سياسية فلسطينية بحلول نهاية 2025، وبناءً على ذلك، فإن مخرجات المؤتمر لن تخرج عن واحد من ثلاث سيناريوهات:
• السيناريو الأول: الاعتراف السياسي دون تنفيذ على الأرض نتيجة معارضة صهيو-أمريكية.
• السيناريو الثاني: فشل المؤتمر في خلق توافق دولي عملي، مما يؤدي إلى العودة لمربع انغلاق الأفق السياسي.
• السيناريو الثالث: تبني خطة دولية متعددة الأطراف بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء دولة فلسطينية ضمن جدول زمني محدد، مع إمكانية تفعيل المادة 41 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، التي تجيز فرض عقوبات سياسية واقتصادية تجبر الاحتلال على الانصياع للقرارات الدولية، إلى جانب تفعيل قرارات محكمة العدل الدولية المتعلقة بشرعية الاحتلال كأداة قانونية داعمة للموقف الدولي، وهو السيناريو المرجح.
ردود الفعلي الإقليمية والدولية المتوقعة:
هذا المؤتمر سوف يؤدي إلى ردود فعلي محلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة، وفق لما يلي:
1- على المستوى الفلسطيني:
على المستوى الفلسطيني نستطيع القول: مهما بلغ مستوى الدعم الدولي، لن يُكتب لأي تحرك دبلوماسي النجاح ما لم يتوافر له غطاء وطني جامع، يضع المصالح الحزبية الضيقة جانباً، ويُعيد اللحمة لجناحي الوطن، وبالتالي اعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني كقضية تحرر، لا قضية خدمات أو سلطات منقوصة. وفي حالة الاخفاق في توظيف الزخم السياسي لصالح إدارة معركة الاعتراف والتفاوض الفعّال، فمن المؤكد أن العالم سوف يُكرّس صيغ التجاهل والكيل بمكيالين، أو الحياد المضلّل، وسنخسر مرة أخرى فرصةً كنا في امسّ الحاجة إلها. ورغم ذلك، قد ينتج المؤتمر ديناميكية جديدة تُحفز المجتمع الدولي على دعم مشاريع الاستقرار السياسي والاجتماعي، مما ينعكس إيجابياً على بنية مؤسسات الدولة الفلسطينية الناشئة، إذ يمكن فتح الباب أمام تحسين البنية التحتية، ودعم تدفّق المشاريع الدولية التي تؤدي إلى تنمية مستدامة في مختلفة المجالات، خاصة في مجالي الصحة والتعليم.
2- على المستوى الإقليمي:
أولاً: الدول العربية:
في ظل التدهور الخطير في الوضع الإنساني والسياسي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، سوف تُظهر الدول العربية اهتماماً كبيراً بمؤتمر نيويورك، ومن المرجّح إصدار بيان رسمي عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية يُظهر دعمها الكامل لمبادرة نيويورك، مع التشديد على ضرورة الالتزام بمرجعية القرارات الدولية، ورفض أي صيغة تنتقص من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 1967. كما يتوقع أن يشمل البيان الدعوة إلى وقف فوري للعدوان على غزة، ووقف الاستيطان كإجراء أولي، مع الغاء كافة الممارسات أحادية الجانب التي تُعيق الحل السياسي، وذلك من خلال تأطير المبادرة ضمن إطار أممي تحت مظلة الأمم المتحدة، أو من خلال نشاء آلية دولية متعددة الأطراف لضمان تنفيذها ومتابعة تطبيقها. وبالتأكيد، سوف يرتبط الدعم العربي بقدرة الفصائل الفلسطينية على إنها الانفصال البغيض بين جناحي الوطن، باعتبار أن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي أساس نجاح أي مسار تفاوضي. وسوف تظهر حساسية موقف الجامعة العربية في تباين المواقف بين دولها، بسبب التطبيع أو التحالف الاستراتيجي (الاتفاقات الابراهيمية) لبعض الدول مع الاحتلال، في حين يشترط البعض الآخر ربط أي تقدم في مسار التطبيع بتقدم ملموس في مسار الدولة الفلسطينية، بينما يبقى موقف طرف ثالث ملتبساً رغم علاقاته الوطيدة مع الاحتلال، بالإضافة إلى دوره البارز في المفاوضات بين حماس والاحتلال عبر الوسيط الأمريكي لوقف العدوان على أهلنا في غزة. وهذا يُحتم على الجامعة العربية صياغة موقف عربي موحّد ودقيق يراعي التوازنات الداخلية دون اضعاف المبادرة الفرنسية السعودية.
ثانياً: الفواعل الإقليميون (تركيا وإيران، والاحتلال):
أ) تركيا: تلعب أنقرة دوراً سياسياً ودبلوماسياً بارزاً يعزز مكانتها كقوة إقليمية داعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية، من خلال تبني خطاب سياسي رافض للاحتلال والاستيطان، والسعي لجمع الفرقاء الفلسطينيين، بشرط عدم تتناقض هذه الجهود مع دورها الإقليمي المتنامي، مما يؤدي إلى ضغط سياسي على الاحتلال، وبالتالي يُعزز فرصة تنفيذ حل الدولتين، من خلال التشبيك بين مختلف الأطراف وتبني مبادرات إقليمية تُكمّل الجهود الدولية.
ب) إيران: تلعب طهران دوراً محورياً في المشهد الإقليمي، حيث تدعم عدة فصائل فلسطينية، أبرزها حماس والجهاد الإسلامي، وتتبنى خطاباً معادياً للأمريكيين، والاحتلال ظاهرياً، لكنها تستغل الملف الفلسطيني في صراعاتها الإقليمية والدولية، ومن المتوقع أن تُراقب المؤتمر بتحفظ، مع احتمال معارضة أي مبادرة لا تراعي مصالحها. ويُخشى من أي ترتيبات إقليمية تُهمّش دورها، خاصة بعد انهيار محور ما يسمى بالمقاومة، مما قد يدفعها إلى التصعيد الدبلوماسي أو دعم الفصائل الفلسطينية الرافضة للتسوية سياسياً ومالياً، معتبرةً أن المبادرة تعكس محاولات لتطويع دورها الإقليمي.
ج) الاحتلال: سوف تواجه سلطات الاحتلال مزيداً من الضغوط الدولية للامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بوقف العدوان على فلسطين بشكل عام وعلى غزة وشمال الضفة بشكل خاص، ووقف الاستيطان، والانسحاب من الأراضي المحتلة، والاعتراف بحوق الشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف، كما ستُعبّر عن رفضها لأي مبادرة تصدر عن المؤتمر، مما سيفاقم التوترات الأمنية والسياسية، ويستدعي تحركاً دولياً فعالاً لمنق تفاقم الصراع.
3) على المستوى الدولي سوف نجد التالي:
أ) الاتحاد الأوروبي: من المتوقع أن يُقدم الاتحاد الأوروبي دعماً مركزياً وسياسياً واقتصادياً، وقد يدفع نحو الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية، لا سيما بعد اعتراف كل من فرنسا وبريطانيا في حال عدم التراجع عن الخطط المعلنة نتيجة الضغط الصِّهيوني.
ب) المُلَّاك الكبار (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين):
• الولايات المتحدة الأمريكية: رغم كونها الداعم الرئيس للاحتلال منذ ما قبل التأسيس، ولها دور بارز في صياغة إعلان بلفور، فإن مواقفها ستبقى بين دعم خطابي لحل الدولتين، وتحفظ على أي خطوة أحادية الجانب.
• روسيا: سوف تتبنى سياسية متوازنة تميل إلى تعزيز دورها كوسيط دولي، ومن المتوقع أن ترحب بمخرجات مؤتمر نيويورك، مستغلة الفرصة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط عبر التقارب مع الدول العربية، مع الدعوة إلى احترام قرارات المنتظم الدولي، ومبادئ القانون الدولي، وتقديم نفسها كقوة داعمة للحل السلمي.
• الصين: ستؤكد على مبدأ حل الدولتين كخيار استراتيجي وحيد وقابل للاستمرار، مع دعوة إلى احترام قرارات المنتظم الدولي، والترحيب بأي جهد غير منحاز يُسهم في كسر الانغلاق السياسي، وإعادة المفاوضات إلى مسارها الصحيح. كما سترفض سياسية الإملاء التي تمارسها بعض الدول على السلطة الوطنية الفلسطينية سواء بشكل مباشر أو عبر الوكلاء، وستدعو إلى تحرك متوازٍ في مجلس الامن لتعزيز شرعية المبادرة، ويُتوقع أن يُشكل دعمها للمؤتمر رافعة دولية تُضفي شرعية أوسع على المبادرة وتُمهد لتشكيل تكتل عالمي ضاغط يعيد إحياء المسار السياسي العادل للقضية الفلسطينية.
آليات الحماية للدولة الفلسطينية الناشئة:
لضمان ديمومة الدولة الفلسطينية المقترحة وحمايتها، قد يقترح المؤتمر إنشاء بعثة مراقبة دولية، على غرار "اليونيفيل" لمراقبة الحدود ومنع الاعتداءات من الجانبين، ونشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (قطاع غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس)، ضمن تفويض المنتظم الدولي بموجب الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما يمكن إيجاد مظلة دولية من خلال الاعتراف الشامل بالدولة الفلسطينية، ومنحها مقعداً كاملاً في الأمم المتحدة، وتفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الاحتلال المرتكبة ضد شبعنا الفلسطيني، في الأراضي المحتلة بشكل عام، وفي غزة وشمال الضفة الغربية، بما فيها القدس، بشكل خاص.
فرصة اخيرة أم اختبار لإرادة المجتمع الدولي؟
إن مؤتمر نيويورك، المقرر بقيادته الفرنسية السعودية، سوف يشكل محطة تاريخية ومفصلية في مسار القضية الفلسطينية. ورغم التحديات الجسيمة، فإنه يُتيح فرصة نادرة لتحقيق اختراق واضح في المساعي الدولية لإعادة تشكيل المنظومة السياسية والقانونية للصراع مع الاحتلال، وإنهاء حلقة طويلة من إفلاته من العقاب. لكن، يبقى نجاح المؤتمر مرهوناً بمدى قدرة الأطراف الدولية الجادّ بتنفيذ قرارات المنتظم الدولي، وتوفير آليات حماية قانونية فعّالة، تستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لضمان العدالة والحرية للشعب الفلسطيني، وحماية حلم الدولة الفلسطينية من التحول إلى مجرد وثيقة مؤرشفة في أدراج الأمم المتحدة. ويبقى السؤال: هل مؤتمر نيويورك فرصة أخيرة، أم اختباراً أخلاقياً لإرادة العالم من أجل ترسيخ وفرض مسارٍ يؤدي إلى حلّ الدولتين، كضرورة استراتيجيه لتبريد الصراع في المنطقة برمتها؟
1- استمرار سلطات الاحتلال في عدوانها على شعبنا، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، وفرض سياسة الأمر الواقع من خلال ضم وتهويد أراضي الضفة الغربية بما فيها العاصمة المحتلة القدس في مخالفة صريحة لقرارات المنتظم الدولي، وخاصة القرار رقم 2334 الصادر في 23 ديسمبر 2016، المتعلق بوضع نهاية للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
2- الفشل الدولي المتراكم في تطبيق قرارات المنتظم الدولي والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي وصل عددها إلى المئات، بالإضافة غياب آليات تنفيذ ملزمة نتيجة انحياز المُلَّاك للمشروع الصِّهيوني.
3- تصاعد الأصوات الشعبية، والرسمية، والبرلمانية الأوروبية، خاصة في فرنسا، وبريطانيا، وإيرلندا، وإسبانيا، الداعية للاعتراف بالدولة الفلسطينية كخطوة متقدمة لتصويب مسار حل سياسي متوازن للقضية الفلسطينية.
الأهداف السياسية والاستراتيجية للتحالف الفرنسي – السعودي:
يهدف تحالف باريس-الرياض إلى خلق زخم دولي جيد يضمن انتقال حل الدولتين من مرحلة التصور إلى مرحلة التطبيق العملي. ووضع آلية دولية مُلزمة لتنفيذ قرارات المنتظم الدولي ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وفق ميثاق الأمم المتحدة خاصة المادتين 24 و25 من الفصل السابع. كما يسعى التحالف إلى تهيئة البيئة الإقليمية لتبريد الصراع، وصولاً إلى سلام شامل ومستدام وبالتالي دعم الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، كما اشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حال عدم تراجع باريس ودول غربية أخرى، عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية نتيجة الضغط الصِّهيو-أمريكي كما اشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية يوم السبت الموافق 7/6/2025.
ويشمل التحالف تكثيف التنسيق السياسي والدبلوماسي بين دول مركزية مثل: فرنسا، الدولة الداعمة ظاهرياً لحل الدولتين؛ والسعودية، القوة الإقليمية الصاعدة؛ ومصر؛ قلب الأمة العربية النابض؛ والأردن، الدولة العربية الفاعلة في الإقليم؛ لبناء توافق دولي يجبر الاحتلال على تنفيذ حل الدولتين وفق قرارات المنتظم الدولي، وصولاً إلى تشكيل قاعدة حماية دولية للفلسطينيين مستندة إلى ميثاق الأمم المتحدة، بما يشمل تطبيق المواد 41-43 من الفصل السابع، في حال رفض التنفيذ من قبل الاحتلال.
فرص المؤتمر في رسم خارطة فلسطينية جديدة:
مؤتمر نيويورك ليس نهاية المسار، بل ربما يكون بدايته، وقد يشكل فرصه تاريخيه نادرة لإطلاق عملية دولية مُنظمة ترسم ملامح خارطة فلسطينية جدية تستند إلى الحدود المعترف بها دولياً، لقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في الرابع من حزيران 1967، والمتمثلة في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، بالاستناد إلى قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242، و 338، بالإضافة إلى الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية الناشئة كعضو كامل في الأمم المتحدة.
ومن شأن المؤتمر أن يشكل لجاناً لرسم الحدود والمراقبة الدولية تحت إشراف الأمم المتحدة لضمان التزام الاحتلال بالتنفيذ. وربما لا ينتج عنه تغيير فوري، لكنه على الأقل يُعطي صوتاً آخر في زمن صمت فيه العالم طويلاً عن هولوكوست العصر. ومن هذا المنطلق تطرح المبادرة الفرنسية السعودية إمكانية إعادة رسم خارطة سياسية فلسطينية بحلول نهاية 2025، وبناءً على ذلك، فإن مخرجات المؤتمر لن تخرج عن واحد من ثلاث سيناريوهات:
• السيناريو الأول: الاعتراف السياسي دون تنفيذ على الأرض نتيجة معارضة صهيو-أمريكية.
• السيناريو الثاني: فشل المؤتمر في خلق توافق دولي عملي، مما يؤدي إلى العودة لمربع انغلاق الأفق السياسي.
• السيناريو الثالث: تبني خطة دولية متعددة الأطراف بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء دولة فلسطينية ضمن جدول زمني محدد، مع إمكانية تفعيل المادة 41 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، التي تجيز فرض عقوبات سياسية واقتصادية تجبر الاحتلال على الانصياع للقرارات الدولية، إلى جانب تفعيل قرارات محكمة العدل الدولية المتعلقة بشرعية الاحتلال كأداة قانونية داعمة للموقف الدولي، وهو السيناريو المرجح.
ردود الفعلي الإقليمية والدولية المتوقعة:
هذا المؤتمر سوف يؤدي إلى ردود فعلي محلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة، وفق لما يلي:
1- على المستوى الفلسطيني:
على المستوى الفلسطيني نستطيع القول: مهما بلغ مستوى الدعم الدولي، لن يُكتب لأي تحرك دبلوماسي النجاح ما لم يتوافر له غطاء وطني جامع، يضع المصالح الحزبية الضيقة جانباً، ويُعيد اللحمة لجناحي الوطن، وبالتالي اعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني كقضية تحرر، لا قضية خدمات أو سلطات منقوصة. وفي حالة الاخفاق في توظيف الزخم السياسي لصالح إدارة معركة الاعتراف والتفاوض الفعّال، فمن المؤكد أن العالم سوف يُكرّس صيغ التجاهل والكيل بمكيالين، أو الحياد المضلّل، وسنخسر مرة أخرى فرصةً كنا في امسّ الحاجة إلها. ورغم ذلك، قد ينتج المؤتمر ديناميكية جديدة تُحفز المجتمع الدولي على دعم مشاريع الاستقرار السياسي والاجتماعي، مما ينعكس إيجابياً على بنية مؤسسات الدولة الفلسطينية الناشئة، إذ يمكن فتح الباب أمام تحسين البنية التحتية، ودعم تدفّق المشاريع الدولية التي تؤدي إلى تنمية مستدامة في مختلفة المجالات، خاصة في مجالي الصحة والتعليم.
2- على المستوى الإقليمي:
أولاً: الدول العربية:
في ظل التدهور الخطير في الوضع الإنساني والسياسي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، سوف تُظهر الدول العربية اهتماماً كبيراً بمؤتمر نيويورك، ومن المرجّح إصدار بيان رسمي عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية يُظهر دعمها الكامل لمبادرة نيويورك، مع التشديد على ضرورة الالتزام بمرجعية القرارات الدولية، ورفض أي صيغة تنتقص من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 1967. كما يتوقع أن يشمل البيان الدعوة إلى وقف فوري للعدوان على غزة، ووقف الاستيطان كإجراء أولي، مع الغاء كافة الممارسات أحادية الجانب التي تُعيق الحل السياسي، وذلك من خلال تأطير المبادرة ضمن إطار أممي تحت مظلة الأمم المتحدة، أو من خلال نشاء آلية دولية متعددة الأطراف لضمان تنفيذها ومتابعة تطبيقها. وبالتأكيد، سوف يرتبط الدعم العربي بقدرة الفصائل الفلسطينية على إنها الانفصال البغيض بين جناحي الوطن، باعتبار أن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي أساس نجاح أي مسار تفاوضي. وسوف تظهر حساسية موقف الجامعة العربية في تباين المواقف بين دولها، بسبب التطبيع أو التحالف الاستراتيجي (الاتفاقات الابراهيمية) لبعض الدول مع الاحتلال، في حين يشترط البعض الآخر ربط أي تقدم في مسار التطبيع بتقدم ملموس في مسار الدولة الفلسطينية، بينما يبقى موقف طرف ثالث ملتبساً رغم علاقاته الوطيدة مع الاحتلال، بالإضافة إلى دوره البارز في المفاوضات بين حماس والاحتلال عبر الوسيط الأمريكي لوقف العدوان على أهلنا في غزة. وهذا يُحتم على الجامعة العربية صياغة موقف عربي موحّد ودقيق يراعي التوازنات الداخلية دون اضعاف المبادرة الفرنسية السعودية.
ثانياً: الفواعل الإقليميون (تركيا وإيران، والاحتلال):
أ) تركيا: تلعب أنقرة دوراً سياسياً ودبلوماسياً بارزاً يعزز مكانتها كقوة إقليمية داعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية، من خلال تبني خطاب سياسي رافض للاحتلال والاستيطان، والسعي لجمع الفرقاء الفلسطينيين، بشرط عدم تتناقض هذه الجهود مع دورها الإقليمي المتنامي، مما يؤدي إلى ضغط سياسي على الاحتلال، وبالتالي يُعزز فرصة تنفيذ حل الدولتين، من خلال التشبيك بين مختلف الأطراف وتبني مبادرات إقليمية تُكمّل الجهود الدولية.
ب) إيران: تلعب طهران دوراً محورياً في المشهد الإقليمي، حيث تدعم عدة فصائل فلسطينية، أبرزها حماس والجهاد الإسلامي، وتتبنى خطاباً معادياً للأمريكيين، والاحتلال ظاهرياً، لكنها تستغل الملف الفلسطيني في صراعاتها الإقليمية والدولية، ومن المتوقع أن تُراقب المؤتمر بتحفظ، مع احتمال معارضة أي مبادرة لا تراعي مصالحها. ويُخشى من أي ترتيبات إقليمية تُهمّش دورها، خاصة بعد انهيار محور ما يسمى بالمقاومة، مما قد يدفعها إلى التصعيد الدبلوماسي أو دعم الفصائل الفلسطينية الرافضة للتسوية سياسياً ومالياً، معتبرةً أن المبادرة تعكس محاولات لتطويع دورها الإقليمي.
ج) الاحتلال: سوف تواجه سلطات الاحتلال مزيداً من الضغوط الدولية للامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بوقف العدوان على فلسطين بشكل عام وعلى غزة وشمال الضفة بشكل خاص، ووقف الاستيطان، والانسحاب من الأراضي المحتلة، والاعتراف بحوق الشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف، كما ستُعبّر عن رفضها لأي مبادرة تصدر عن المؤتمر، مما سيفاقم التوترات الأمنية والسياسية، ويستدعي تحركاً دولياً فعالاً لمنق تفاقم الصراع.
3) على المستوى الدولي سوف نجد التالي:
أ) الاتحاد الأوروبي: من المتوقع أن يُقدم الاتحاد الأوروبي دعماً مركزياً وسياسياً واقتصادياً، وقد يدفع نحو الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية، لا سيما بعد اعتراف كل من فرنسا وبريطانيا في حال عدم التراجع عن الخطط المعلنة نتيجة الضغط الصِّهيوني.
ب) المُلَّاك الكبار (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين):
• الولايات المتحدة الأمريكية: رغم كونها الداعم الرئيس للاحتلال منذ ما قبل التأسيس، ولها دور بارز في صياغة إعلان بلفور، فإن مواقفها ستبقى بين دعم خطابي لحل الدولتين، وتحفظ على أي خطوة أحادية الجانب.
• روسيا: سوف تتبنى سياسية متوازنة تميل إلى تعزيز دورها كوسيط دولي، ومن المتوقع أن ترحب بمخرجات مؤتمر نيويورك، مستغلة الفرصة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط عبر التقارب مع الدول العربية، مع الدعوة إلى احترام قرارات المنتظم الدولي، ومبادئ القانون الدولي، وتقديم نفسها كقوة داعمة للحل السلمي.
• الصين: ستؤكد على مبدأ حل الدولتين كخيار استراتيجي وحيد وقابل للاستمرار، مع دعوة إلى احترام قرارات المنتظم الدولي، والترحيب بأي جهد غير منحاز يُسهم في كسر الانغلاق السياسي، وإعادة المفاوضات إلى مسارها الصحيح. كما سترفض سياسية الإملاء التي تمارسها بعض الدول على السلطة الوطنية الفلسطينية سواء بشكل مباشر أو عبر الوكلاء، وستدعو إلى تحرك متوازٍ في مجلس الامن لتعزيز شرعية المبادرة، ويُتوقع أن يُشكل دعمها للمؤتمر رافعة دولية تُضفي شرعية أوسع على المبادرة وتُمهد لتشكيل تكتل عالمي ضاغط يعيد إحياء المسار السياسي العادل للقضية الفلسطينية.
آليات الحماية للدولة الفلسطينية الناشئة:
لضمان ديمومة الدولة الفلسطينية المقترحة وحمايتها، قد يقترح المؤتمر إنشاء بعثة مراقبة دولية، على غرار "اليونيفيل" لمراقبة الحدود ومنع الاعتداءات من الجانبين، ونشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (قطاع غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس)، ضمن تفويض المنتظم الدولي بموجب الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما يمكن إيجاد مظلة دولية من خلال الاعتراف الشامل بالدولة الفلسطينية، ومنحها مقعداً كاملاً في الأمم المتحدة، وتفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الاحتلال المرتكبة ضد شبعنا الفلسطيني، في الأراضي المحتلة بشكل عام، وفي غزة وشمال الضفة الغربية، بما فيها القدس، بشكل خاص.
فرصة اخيرة أم اختبار لإرادة المجتمع الدولي؟
إن مؤتمر نيويورك، المقرر بقيادته الفرنسية السعودية، سوف يشكل محطة تاريخية ومفصلية في مسار القضية الفلسطينية. ورغم التحديات الجسيمة، فإنه يُتيح فرصة نادرة لتحقيق اختراق واضح في المساعي الدولية لإعادة تشكيل المنظومة السياسية والقانونية للصراع مع الاحتلال، وإنهاء حلقة طويلة من إفلاته من العقاب. لكن، يبقى نجاح المؤتمر مرهوناً بمدى قدرة الأطراف الدولية الجادّ بتنفيذ قرارات المنتظم الدولي، وتوفير آليات حماية قانونية فعّالة، تستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لضمان العدالة والحرية للشعب الفلسطيني، وحماية حلم الدولة الفلسطينية من التحول إلى مجرد وثيقة مؤرشفة في أدراج الأمم المتحدة. ويبقى السؤال: هل مؤتمر نيويورك فرصة أخيرة، أم اختباراً أخلاقياً لإرادة العالم من أجل ترسيخ وفرض مسارٍ يؤدي إلى حلّ الدولتين، كضرورة استراتيجيه لتبريد الصراع في المنطقة برمتها؟