أربعة أسئلة كبرى تحدد إجابتها فرص الوصول الى اتفاق تهدئة في غزة؟

بي دي ان |

30 مايو 2025 الساعة 02:00م

الكاتب
لم ننجح كمحللين سياسيين في توقع نهاية العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة برغم أننا أدركنا مبكراً منذ هجوم السابع من أكتوبر بأن حماس وفرت الفرصة الذهبية لإسرائيل بأن تدمر المشروع الوطني الفلسطيني من خلال القضاء على حل الدولتين وإبادة غزة. وبين طول مدة هذا العدوان كنا نغوص تارةً في بحر الأمل للوصول الى اتفاق عقب كل جولة مفاوضات، وتارةً أخرى كان التشاؤوم هو سيد الموقف. وبين هاتين الحالتين لأكثر من عام ونصف يباد الشعب الفلسطيني في القطاع وترتكب بحقه أقصى أنواع التنكيل وجرائم الحرب دون أن ينجح التنظيم الدولي بوقف مسلس الإبادة.
في الواقع، هنالك أسئلة كبرى علينا أن نجيب عليها من أجل فهم صيرورة الأحداث في قطاع غزة، وهل تتجه هذه الصيرورة الى الاستمرار وربما التصعيد أو الى الوصول الى اتفاقات تهدئة وربما اتفاق وقف الحرب بشكل مطلق؟. وهذه الأًسئلة هي: 
أولا: لماذا لم تنجح إسرائيل وهي من  أكبر القوى في الشرق الأوسط بتحقيق جميع أهدافها في حرب غزة في فترة قصيرة؟ 
في الواقع، ليس هدف إسرائيل الحقيقي من استمرار العدوان هو الإفراج عن الأسرى أو تدمير قوة حماس وإنهائها، وإنما يكمن الهدف الحقيقي لهذه الحرب فيما يمكن تسميته بخطة "دال الجديدة" وهي المفضية الي التهجير القسري للشعب الفلسطيني خارج القطاع، وهذا الهدف يتماشى أساساً مع تقارير الشاباك التي كانت تحذر فيها من القنبلة الديمغرافية في القطاع، والتي تسبب العديد من الاوضاع الانسانية الصعبة بما يؤدي الى انفجارات أمنية متكررة،  وبالضرورة فإن الحل المقترح لطالما كان هو تهجير الغزاويين. ولكن نظراً لصعوبة هذه المغامرة في القرن الواحد والعشرين مقارنة بخطة دال علم 1948،  فإن هجوم السابع من أكتوبر كان التبرير الأقوى لدى حكومة نتنياهو بالعمل على تهجيرهم خارج القطاع وليس احتلال غزة. وهنا أتذكر قرائتي لإحدى المراسلات لضابط فرقة اللد الاسرائيلية الذي طلب موافقة بن غوريون باحتلال اللد بعد انسحاب الحامية الاردنية من المدنية بعد حصار طويل عام 1948، فما كان من بن غوريون الا خاطبة قائلا "انت لا تفهم . نحن لا نريد احتلال المدنية بسكانها!" وهذا أدى بالقوات الاسرائيلية الى عمل مجزرة اللد عام 1948 لتهجير سكانها. 
ثانيا: لماذا لا تستجيب حماس لكافة اتفاقات التهدئة برغم الاتفاق الاقليمي على مسار ويتكوف؟ 
حماس تراوغ بخبث ولا تريد هدن قصيرة وإنما اتفاقية وقف إطلاق للنار تضمن الاعتراف بها كقوة حاكمة في غزة حتى لو دمر القطاع كلياً. وهذه المعضلة الأساسية في كل مفاوضات الهدنة السابقة، حيث أن حماس تريد أن يكون اليوم التالي للعدوان هو يوم حمساوي بامتياز بدون السلطة الوطنية الفلسطينية بالطبع،  وهي مستعدة لفعل أي شي بما فيها التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة حتى تضمن هذه النتيجة. وفي النهاية حماس تحتفظ بورقة المحتجزين الاسرائيليين كورقة رابحة لديها، ولكنها تعي أنها حتى لو فقدت هذه الورقة فإنها لن تتخلى عن مطلبها الرئيس باستمرار حكمها في القطاع لأنها تدرك تماماً أن لا إسرائيل ولا غيرها معني بإحتلال القطاع بسكانه. 
ثالثا: لماذا تستمر إسرائيل بوضع العراقيل أمام أي جهود لتسوية للنزاع ؟ 
إن حكومة نتنياهو لن تقبل أبداً باستمرار حكم حماس في القطاع حتى لو أذعنت حماس لكافة شروط إسرائيل لعدة أسباب، أولها أنه لا يوجد ضمان بعدم قيام حماس أو غيرها بعمل مغامرات عسكرية بطلب من قوى إقليمية، لاسيما أنها أصبحت تدرك تماماً  بعد السابع من أكتوبر غياب العقلانية والرشادة السياسية عند قيادتها. وثاني هذه الأسباب إدراك إسرائيل بأن أي قوة تستطيع أن تعوض وجود حماس في القطاع هي فقط السلطة الوطنية الفلسطينية وهي بالطبع أعلنت أكثر من مرة رفضها لذلك، واتهمتها بالارهاب وتعليم أبنائها كراهية أسرائيل، وإسرائيل بهذا تسعى لأن تقوض قدرة السلطة الوطنية على إعلان الدولة الفلسطينية. أما السبب الثالث والمهم فهو رغبة نتنياهو في إستمرار العدوان حتى يتحاشى محاكمته في قضايا الفساد وفي تحمل مسؤولية السابع من أكتوبر. حيث يدرك الأخير بأن الحرب هي مصدر شرعييته ومصدر حمايته من المعارضة. 
رابعاً: لماذا لا توجد مبادرات أمنية وسياسية  اقليمية وعربية  قادرة على وقف الحرب بشكل نهائي؟
أن السؤال الأصح من وجهة القوى الاقليمية والدولية هو مقلوب هذا التساؤل، بمعنى لماذا بالأصل تنتج الدول الاقليمية والدولية مبادرات أمنية وسياسية تعطي شرعية للابادة الجماعية التي قامت بها اسرائيل في غزة؟ في الواقع لا أحد في المنطقة مستعد لمسح جرائم إسرائيل أو السيطرة على قطاع غزة وحماية وجود الاحتلال في القطاع أو الدخول في حرب مع القوى المسلحة الفلسطينية بحجة حماية الاحتلال. وفي هذا السياق، فإن إصرار إسرائيل على العدوان يجعل الدول الاقليمية والدولية تدرك أن إسرائيل تسعى لتوريطها في هذه الحرب بشكل أو بأخر تماماً كما حدث مع مصر التي نشرت قوات مدرعة لها على طول الحدود مع فلسطين.

ما أود قوله في هذا الاجتهاد بالاجابات المبسطة على هذه الاسئلة هي انه لا يتوقع أن تنتهي هذه الحرب في الأمد القصير، فحماس تتصرف كالنعامة التي لا تريد أن ترى أن غزة مدمرة بالكامل وأن اسرائيل قضت على معظم قيادتها، وهي أقرب في هذه الحالة لأن تكون في حالة اختباء من مواجهة هذا الواقع، او لنقل بكلمات أخرى هي مستعدة لأن تخفي رأسها في الرمال ولكنها أبداً غير مستعدة لتوقيع اتفاق لا يضمن وجودها في اليوم التالي بعد العدوان، فعلى الأقل بدون اتفاق تضمن إمكانية العودة للحكم حتى لو بعد عقود طويلة. أما إسرائيل فهي تتصرف كالضباع التي تعتاش على منظر الجيف والدماء لأنها تريد فقط ان تضمن انها تعيش منفردة في هذه المنطقة. بمعنى أخر،  تسعى الى استمرار العدوان من أجل الضغط على الدول المجاورة وعلى الغزاويين لقبول التهجير القسري أو كما يقولون عنه التهجير الطوعي! لذلك فهم على غير عجلة من أمرهم فمزيد من القتل والتدمير يعني مزيداً من فرص التهجير والاقتلاع من الأرض. أما التنظيم الدولي والدول الاقليمية والدولية فهي غير معنية بتحمل عدم أخلاقية الحرب التي تقوم بها اسرائيل، انهم يؤمنون انهم لم يعودوا أولائك "العاملون" في حقل "التنظيف" وإعادة الاعمار وتقديم المساعدات بعد كل عدوان تقوم به إسرائيل في المنقطة !.