التحول الأوروبي.. هل يكفي لإخفاء شبح المجاعة؟!

بي دي ان |

28 مايو 2025 الساعة 08:03م

المشرف العام
بعد جملة من انتقادات وضغوطات أكثرها غربية وأمريكية ومن منظمات دولية تجاه الكيان الإسرائيلي الذي يحاصر قطاع غزة منذ ما يقارب ثلاثة شهور، مما تسبب بمجاعة حقيقية بين المواطنين في غزة، أدت لوفاة عشرات الأطفال جوعا، حينها عمل الاحتلال على وضع خطة توزيع المساعدات في قطاع غزة، و كطبيعته الأمنية، اعتمد خطة ظاهرها إنساني ولكن جوهرها أمني ولها من الأهداف ما خفي وما بطن، حيث قام بالتنسيق مع شركتين خاصتين في مجالي الأمن واللوجستيات وهي شركات أمريكية سيئة الصيت والسمعة لما لها من تجربة سابقة بالعراق.
 
اعتمدت هذه الخطة على حصر معظم المواطنين في جنوب قطاع غزة باتجاه رفح حيث ثلاث نقاط لتوزيع المساعدات تحت إشراف وتوزيع رجال أمن مسلحين. 
الخطة واجهت انتقادات جمة وهنالك دول كانت قد وعدت لتمويل المشروع إلا أنها أبدت تراجعها بعد يقينها بالأهداف الحقيقية للخطة من حيث التهجير القسري للفلسطينيين، (الإمارات ودول غربية نموذج).
 
بالأمس كان اليوم الأول لتجربة توزيع المساعدات (المزعوم) حيث ذهب المئات من المواطنين يصطفون في صفوف وقد امتهنت كرامتهم وبدت وجوههم شاحبة ، باهتة، بعد أن تمكن الجوع والهزل منهم، العملية لم يكتب لها النجاح، حيث اجتاح المكان فوضى عارمة تم على إثرها إطلاق الرصاص الحي على المواطنين استشهد ثلاثة شباب وإصابة العشرات (وفق شهود عيان ومصادر طبية) مما أدى إلى استدعاء قوات إضافية من جيش الاحتلال لإخلاء المكان، وهروب رجال الأمن التابعين للشركتين. 

مقرر الأمم المتحدة المعني بالحق في السكن اللائق صرح قائلا "مشهد تسليم المساعدات السادي في غزة جريمة أمريكية إسرائيلية، وتسليمها يستخدم للإذلال والقتل"، ربما هذا التصريح اختصر المشهد فعلاً، لأن الكيان بهذا المشهد تجاوز كل الحقوق الإنسانية والأخلاقية، وبسادية تنم عن قذارة وقباحة وسوءة هذا الكيان الفاشي، مما استدعى لتغيير كبير في الخطاب السياسي الأوروبي والتي كان أبرزها "فرنسا وأسبانيا وكندا وألمانيا وإيطاليا مؤخرا". 

وكذلك تهديدات بريطانية والتي تعتبر المرة الأولى لربما بهذه الحدة والجدية، والتي  علقت على احداث امس في رفح "إذا لم توقف إسرائيل حرب غزة وترفع قيودها عن المساعدات فسنتخذ إجراءات ملموسة إضافية"، إضافة لتوصيات ما يقارب من (800) خبير قانوني بريطاني بفرض عقوبات وإجراءات صارمة ضد إسرائيل، وكذلك تصريحات رئيس الوزراء الأسباني "غزة ستبقى للفلسطينيين، الأطفال هناك يموتون يومياً بسبب سوء التغذية ويجب على إسرائيل أن ترفع الحصار المفروض على غزة وتسمح بإدخال المساعدات". 
ألمانيا ودول غربية أخرى أيضاً هددوا بفرض عقوبات ومنع بيع السلاح لإسرائيل وكذلك التهديد بفرض إجراءات أخرى. 

على ما يبدو نحن أمام انقلاب أوروبي ضد إسرائيل بما تمارسه من حرب إبادة ومجاعة وحصار ومقتلة تجاوزت كل الحدود والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية. 

وعطفاً على ذهاب مئات المواطنين لاستلام المساعدات بدافع المجاعة التي ضربت بهم، وبالرغم من التحذيرات الداخلية من قبل العشائر والنخب السياسية وغيرها من خطورة المخطط الخبيث، إلا أننا قد لا نستطيع إيلام أولئك الجائعين الذين يموت أطفالهم أمامهم جوعاً ويموتون ألف مرة هم أيضاً جوعاً وقهراً وخذلانا، فالوطن لا يحميه جائع، والجائع لا تطعمه الشعارات والمواعظ. 

هناك مسببات غير وطنية وغير أخلاقية ساعدت الاحتلال على فرض المجاعة بغزة، منها تجار الحروب، ولصوص المساعدات، وفشل التنظيمات السياسية في إدارة المشهد والأزمة، وتحديداً حركة حماس الحاكم بأمره لقطاع غزة وصاحبة القبضة الأمنية، بل والتي كانت جزء وشريك أساسي في سرقة المساعدات الإنسانية- ومازالت، إضافة إلى رغبة ومخطط الاحتلال في تهيئة المناخ لنشر الفوضى وضرب السلم الأهلي ومن ثم نشر المجاعة، جميع هذه الأسباب وصلت بالمواطنين إلى هذا المشهد السريالي الذي فاق طاقة المواطنين وقدرة تحملهم على كل النكبات التي أحلت بهم من الجهات الأربع. 

هنا استوجب على القيادة الفلسطينية استثمار هذا التوجه الأوروبي المحمود تجاه القضية الفلسطينية وتكثيف الجهود الدبلوماسية للضغط على الكيان ، وكذلك استثمار والتواصل مع كل الجامعات وتعزيز دور المؤسسات الأكاديمية والجامعات الغربية النشطة والمناصرة لعدالة القضية الفلسطينية، في فضح جرائم اللحتلال وصولاً لوقف المقتلة في غزة، والضغط باتجاه عودة الأونروا لعملها وأخذ دورها الطبيعي في توزيع المساعدات الإنسانية، والعمل باتجاه تكملة إجراءات الدول التي وعدت مؤخراً بالاعتراف بدولة فلسطين، مما سيؤدي إلى عزل وفضح إسرائيل على مستوى العالم والشعوب تحديدا، نحو وقف الحرب وقيام الدولة الفلسطينية.