نتنياهو بين وهم القوة والجنون او الانتحار

بي دي ان |

18 مارس 2025 الساعة 01:08ص

الكاتب
ما فتِأ نتنياهو يلوك ويجتر في كل تصريح له بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 وفتح بركان الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني، وتوسيعه الحرب على الجبهات اللبنانية والسورية واليمنية لبعض الوقت والإيرانية في لحظات معينة بعينها، وهو يردد "ان إسرائيل تخوض الحرب على 7 جبهات"، وانه سيغير خارطة الشرق الأوسط، ويقيم دولة إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات، وعرض الخارطة في أيلول / سبتمبر 2024 دون ان يرف له جفن، امام العالم عموما والاشقاء العرب خصوصا، الدول المراد إخضاعها للسيطرة الإسرائيلية بشكل كامل، بعدما وقعت مع دولته على اتفاقات "سلام"، أو هي مدرجة على قائمة التطبيع نتاج الضغوط من الإدارات الأميركية المتعاقبة. ومع ذلك لم تحرك الأنظمة العربية ساكنا، بل اكتفت ببيانات الشجب والرفض والاستنكار، وكفى المؤمنين شر القتال.
ما يهمني فيما تقدم، استطراد رئيس الوزراء الإسرائيلي في الحديث عن الحرب على الجبهات ال7 في الإقليم، وجلها من الدول الشقيقة، يعود السبب في اجترار ذلك، الى وهم القوة الكاذب، حيث كشف 7 أكتوبر واستمرار الإبادة الجماعية على مدار ال17 شهرا الماضية على الشعب الفلسطيني عن إفلاس الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وعدم التمكن من تحقيق أي من الأهداف المعلنة، سوى عملية الإبادة والتدمير الهائل لمعالم الحياة في قطاع غزة خصوصا والوطن الفلسطيني عموما، ولولا تدخل الغرب الرأسمالي بقيادة واشنطن لما وقفت إسرائيل على اقدامها، او حتى لو كان هناك فعلا جبهات كما يكرر بيبي ضد دولته اللقيطة، لما صمدت، وكانت سياقات ومسارات الحرب اتخذت منحنيات مختلفة نوعيا.
مع ذلك، فلا وجود ل7 جبهات، فالجبهتان اللبنانية واليمنية، وهما الجبهتان الأهم، التي شاركت في القتال وفق تكتيكات وتقديرات قياداتها، ولكن الجبهة اللبنانية خرجت من المشهد بعد تشرين ثاني / نوفمبر 2024، ولم تكن هناك جبهة سورية من حيث المبدأ، لأن النظام السوري السابق والحالي ليسوا بوارد فتح اية جبهات قتال مع إسرائيل، وعلى مدار العقود الأربعة الأخيرة، واقصد بعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 خرجت الجبهة السورية كليا من المواجهة الا بالخطاب السياسي الغوغائي، والحرب التي شنتها إسرائيل على سوريا بعد تولي قيادة هيئة تحرير الشام الحكم في كانون اول / ديسمبر 2024، ودمرت كل الأسلحة الاستراتيجية والمراكز لبحثية السورية، واحتلت مساحات واسعة من أراضيها في اختراق فاضح للاتفاقات الموقعة بين الدولتين، وللقانون الدولي ومعاهداته الأممية، وكشفت عن غياب كلي للجبهة السورية. واما الجبهة الإيرانية، انحصرت المواجهة فيها على المسرحية الهزلية مرتين في نيسان / ابريل وتشرين اول / أكتوبر 2024، ونامت الأمور، وأما الجبهة العراقية، إذا كان يصفها زعيم الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بالجبهة، فهي ليست جبهة، ولا علاقة لها بجبهات القتال في ظل الوضع القائم ومنذ عام 2003؛ وإذا بقي جبهة بالمعنى النسبي للكلمة فهي جبهة اليمن، التي تتعرض لهجوم أميركي بريطاني منذ 3 ايام، وبالاتفاق بين إسرائيل وسادتها الانكلوسكسون الاميركيون والبريطانيون، فإن تل ابيب معفاة من الحرب على الجبهة اليمنية.
إذا اين الجبهات السبع؟ ولماذا ينشر نتنياهو الأكاذيب للرأي العام الإسرائيلي والغربي والعالمي عموما؟ ماذا يريد من ذلك؟ بالتأكيد يريد التالي: أولا ايهام الشارع الإسرائيلي بضرورة مواصلة الحرب على الشعب الفلسطيني؛ ثانيا إقناع الإسرائيليين بأن الخسائر التي تكبدها الجيش، هي خسائر محدودة مقابل جبهات القتال الوهمية التي يعممها يوميا؛ ثالثا بهدف لتمرير الموازنة في الكنيست من خلال التهويل عن الجبهات السبع، التي يفترض ان يصادق عليها الكنيست قبل 31 اذار / مارس الحالي؛ رابعا حماية موقعه في كرسي الحكم، وتعزيز مكانته، كونه يقاتل "العرب والمسلمين" جميعا، وكأن الشارع الإسرائيلي مغفل، ولا يعرف الحقيقة، بمن فيهم اليمين المتطرف، والذي يعتبر نفسه جزءً من انصار زعيم الليكود، يعلم انه يكذب عليهم، ولكن كونهم يريدون ادامة الإبادة الجماعية على الفلسطينيين يطبلون له، ومع ذلك تراجعت نسبة المؤيدين للحرب في إسرائيل من 95% الى نحو 9% فقط، حسب ما نشره الصحفي الإسرائيلي عيمت سيغل مطلع شهر اذار/ مارس الحالي، لأن الحرب لم تعد أولوية اسرائيلية؛ خامسا لتبرير حربه المعلنة على الداخل الإسرائيلي بدءً من المعارضة وذوي الرهائن، ومرورا بهيئة الأركان في الجيش، وأجهزة الامن من الشاباك والموساد والمحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة والنيابة العامة ووسائل الاعلام، وجل حربه على ركائز الدولة العميقة بهدف تفكيكها ثم تطويعها بما يخدم غاياته واقرانه من النازيين الصهاينة؛ سادسا في محاولة منه مفضوحة لاستعادة كسب الرأي العام العالمي عموما والأميركي خصوصا، الذي أنفض قطاعا واسعا عن دعم إسرائيل بعدما تبين له الخيط الأبيض من الخيط الاسود؛ سابعا لاستخدام ذلك ذريعة وهمية مفضوحة امام الهيئات الدولية للتغطية على جرائم حرب.
بالنتيجة هذه الغطرسة والفجور وجنون العظمة، وادعاء ما ليس له وجود في الواقع، أو ما سيكون له وجود، أي "النصر الكامل"، واستمراء سياسة الإبادة على الشعب الفلسطيني، وعلى الداخل الاسرائيلي على حد سواء، وتعاظم حالة التوتر والقلق والخشية من ترك كرسي الحكم، والخوف من سموتيرش وأضرابه ستكون نتيجتها أما الجنون، او الانعزال أو الانتحار، ولا خيارات أخرى أمام نتنياهو، فضلا عن دفعه الدولة الإسرائيلية الى التفكيك والحرب الاهلية والاندثار.
[email protected]
[email protected]